في الجانب الجنوبي الغربي من الأسوار المحيطة بحاضرة موكادور٬ يقع برج باب مراكش٬ الحصن التاريخي الذي استسلم لغزو سلمي ملؤه الثقافة والفن٬ بعد أن قاومت أسواره الغزاة على مر القرون٬ ودرأت جدرانه عن سكان المدينة حصار الحروب٬ لينفلت الفن من عقاله ويتخذ من البرج ملاذا يأوي إبداع القرائح الحالمة. أسوار الطابق الأرضي للبرج العتيق الذي تم ترميمه حديثا أضحت أروقة فنية فسحت المجال أمام لوحات فنية تشكيلية تزين ردهات الفضاء٬ أبدعتها أنامل فنانين مغاربة وأجانب٬ اختاروا التعبير عن عشقهم لحاضرة موكادور وشغفهم بروحها من خلال تجريد أحاسيسهم من كل ما يغشى الفكر الإنساني من غبار الواقع٬ واتخذوا من رقعة اللوحة حدودا لعالمهم الرحب٬ يعبرون فيه عن مكنونات الذات. ثقل التاريخ العريق للبرج الذي تأسس في القرن التاسع عشر حاضر عبر الردهات٬ ينبعث من الجدران التي اختزنت قديما المؤن العسكرية لجنود المدينة٬ فإذا بها تختزن اليوم ذاكرة حية متجددة للوحات فنية هي نتاج مخيلة خصبة داعبتها رياح الأليزي التي تهدهد القوارب الراسية على رصيف الميناء٬ وصقلتها دروب المدينة العتيقة التي تلتوي كمتاهة لا يمل الزائر من استكشافها ولا يكل من ارتشاف ألوانها البيضاء والزرقاء٬ فيتشربها العقل لينصهر بذلك في لغز يبقي سحر موكادور متجددا. تفاصيل الهندسة المعمارية للبرج٬ الذي يشهد حاليا عملية ترميم لأجزاء منه٬ تقتنص لحظات من وقت زوار البرج٬ إذ يسبح الخيال في فضاء يكتنز أسرارا طالما ظلت طي الجدران٬ حبيسة الأقبية٬ فيحاول المرء عبثا العثور على شيفرة الحل عبر الرسوم التي تحتضنها الجدران٬ ليستسلم الزائر في الأخير لجمالية اللحظة الفنية والإنسانية٬ التي اقتنصتها ريشة فنان مبدع في غفلة من أمرها٬ لتكتب بذلك أسطورة خلودها. ما إن يعتلي المرء الدرج الضيق حتى يحس بأنه ينحو به نحو المجهول٬ فترتد به الذاكرة نحو كل ما ترسب فيها من صور وكتابات عن التاريخ والقلاع والحصون وكل الحروب التي دارت رحاها في المكان٬ عن تتويج قادة وأفول آخرين. يتسارع خفقان القلب بغية اكتشاف المزيد٬ وعند نهاية الدرج٬ يجد الزائر نفسه أمام مصطبة مزينة بمدافع تقليدية٬ تطل على أسطح المدينة العتيقة كأنما هي حارس لها أبد الدهر٬ وتمتد الرؤية لتشمل زرقة المحيط الأطلسي التي تعانق الأفق المكسو بألوان الشفق. ليس من الغريب إذن أن يختار فنانو المدينة التشكيليون هذه القلعة لكسر أغلال تقيد الفكر والعقل٬ وليطلقوا العنان لمخيلاتهم التي تجعل من السماء سقفا لا متناهي الحدود. في مرسم برج باب مراكش٬ يلتقي الفنانون التشكيليون٬ سواء أولئك الذين أنجبتهم موكادور أو أولئك الذين اتخذوها موطنا بالتبني٬ يتحدثون ويسرون بكل ما يخالج ذواتهم بلغة خاصة٬ يحملون الريشة ويستحضرون مدارس الفن التشكيلي التي صقلت التجارب٬ فبين التجريدي والتعبيري والانطباعي٬ تباينت اللوحات المرسومة٬ غير أن الرسالة التي تحملها تظل واحدة٬ تلك المتجلية في تبجيل الإبداع ووصل عرى الفكر الإنساني بعناصر الكون المتعددة. فبطلب من مجموعة من الفنانين والجمعيات والفاعلين الثقافيين٬ أقدمت وزارة الثقافة ومنذ سنة 2004٬ على إجراء عدد من التعديلات والإصلاحات التي مكنت البناية من احتضان رواق للمعارض الفنية. كما تم خلال سنة 2011 توقيع اتفاقية للشراكة بين مديرية التراث بالوزارة والمجلس البلدي لمدينة الصويرة من أجل تأهيل هذا التراث التاريخي٬ الذي ينتظر أن تنتهي أشغال الإصلاح به الشهر المقبل. برج باب مراكش يعد إذن٬ معلمة أثرية آثرت أن تضطلع بدور حقيقي في نهضة ثقافية سمتها التنوع والتعدد٬ لتتحول بذلك إلى حصن معاصر للفن التشكيلي٬ وتغدو شاهدا على ذاكرة نابضة بالتميز والإبداع الذي يشكل جوهر حاضرة موكادور.