أصر أدونيس مساء الجمعة الماضية خلال أمسية بالمركز الثقافي ثيرفانتيس بالرباط على أن يظل وفيا لفلسفته في الشعر والحياة، «أنا لا أعظ ولا ألقن ولا أبشر، أنا أثير المشاكل وأحاول أن أجعل الناس أكثر تيها وحيرة وتجردا من أجل أن يعيدوا التفكير في حياتهم». قرأ أدونيس خلال هذا اللقاء ، الذي يندرج في إطار أسبوع الآداب، بعض المختارات من ديوانه «أول الجسد ..آخر البحر»: «ربما ليس في الأرض حب غير هذا الذي نتخيل أنه سنحظى به ذات يوم.. لا أريد انتماء أو هوية ، لا أريد سوى لغة للجموح... سأزور المكان الذي كان لنا صيفا...وقتي غبار وحبي صخرة ...ترانا جرح محمول على طبق من الروابي أم ترانا لسنا أحد». عاد أدونيس ليلتها من جديد ليحدثنا عن علاقته مع الشعر، إذ أنها أكبر من أن تكون رابطة عادية بل تتجاوز ذلك للمستوى الوجودي والروحي «فالشعر هو من خلقني ..وأنا أشعر بتواضع كبير تجاهه...». لقد كان بذلك يشير إلى تلك القصة المدهشة التي وقعت له في صباه حينما راح مصرا على قراءة قصيدة شعرية في حضرة الرئيس شكري القوتلي إبان زيارته لمحافظة غير بعيدة عن بلدة الشاعر وهو ما يزال غضا بالكاد يكمل سنته 12 سنة، ولم يدخل المدرسة بعد، وهي التجربة التي ستقوده فعلا، بعد إصرار وجرأة منقطعة النظير، إلى تحقيق ما كان قد حلم به... لتكون تلك القصة تأشيرته إلى الدخول إلى عالم الدراسة والحلم في آن». وبروح الشاعر الرؤيوي لا يعتبر أدونيس نفسه قد حقق شيئا «يستحق الذكر»، فبالرغم من تجربته الشعرية الطويلة يصر «أنا ما أزال أتتلمذ على العالم وعلى كيفية التعبير عن هذا العالم»، هذا الاحتفاء الحميمي بقدسية الشعر وهيبته يجعله يؤكد أن نبض قصيدته الأولى التي فتحت عينه على المجهول هو عينه الذي يجعله ما يزال أمام دهشته الأولى في قصيدته الأخيرة.. كيف ذلك يجيب أدونيس: «لأن الحياة أوسع من أن نقبض عليها... ولأنه لا يمكن استنفاذ أو استنزاف الكلمات... لأنه لو حصل واستوعبت الكلمات الاشياء لتوقف العالم حتما ..فالحياة دائما تمدنا بتجارب جديدة تعيد للكلمات وللحياة وهجها». ولم يفت أدونيس خلال هذا اللقاء ان يبرز تحولات النص الشعري العربي قديمه وحديثه متوقفا عند علاقته بالحقيقة حيث كانت في فترات سابقة علاقة «عضوية» لانها تعبر عن الآمال والأحلام قبل أن ينفصل الشعر عن الحقيقة مع ظهور الاسلام. وبعد أن انتقد التعامل «الفقهي الضيق» مع النص القرآني ، والذي لم ينفتح معرفيا على دلالاته ومضامينه المتعددة أشار إلى المساهمات الغنية التي قدمتها التجربة الشعرية الصوفية. أما عن ترجمة الشعر، فيرى أدونيس أنها مستحيلة من منطلق أن «الشعر إذا ترجم فقد طبيعته...» غير أن هذه الترجمة لم تعد مسألة وفاء في نظره، (فالخيانة جميلة أحيانا)، بل سؤال مفتوح على قدرة لغة الاستقبال على إبداع ما يوازي أو ما يرتفع إلى مستوى الحساسية الشعرية كما هي في النص الأصلي...أن تكون الترجمة إعادة خلق آخر وليس نسخة مطابقة...».