كتاب «نصف السماء» للصحفيين نيكولاس كرستوف وزوجته شيرل وادون، وهما صحفيان في صحيفة النيويورك تايمز، كتابٌ يجب أن يترجم إلى كل اللغات، ويجب أيضا أن يُدرس في كل المدارس، وأن يكون عنوانا لورشات عمل ومحاضرات ومؤتمرات عديدة. إنه كتاب يستحق القراءة، لما يحويه من قصص مأساوية واقعية، ولما يحويه من مفاجآت سارة أيضا! الكتاب يحكي مآسي النساء في عالم اليوم، وقبل أن أقدم تلميحاتٍ إلى ما جاء في الكتاب، فإنني أشير إلى أن الكتاب صدر نيويورك يوم 16 سبتمبر عام 2009 بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون، وحصل كاتبه على جائزتي بوليتزر، إحداهما عن عموده في صحيفة النيويورك تايمز، والثانية عن كتابه هدا. واسمه نصف السماء كناية عن (النساء) وتعود التسمية إلى حكمة صينية تقول «النساء يملكن نصف السماء» وهو يُفاجئنا في بدايته عندما يٌقرر حقيقة صادمة فيقول: «إن عدد النساء اللاتي قتلن في الخمسين سنة الماضية جراء التمييز ضدهن والعبودية الجنسية أكثر من عدد الرجال الذين قتلوا في الحروب في القرن العشرين كله» نعم إنها الحقيقة المُرَّة التي تمرّ عليها المجتمعات الذكورية بدون أن تحاسب نفسها على جرائمها في حق النساء، لأنهن فقط نساء! يحكي مؤلفا الكتاب قصصا من آسيا وإفريقيا عن استغلال النساء وقتلهن بدون حروب في معارك غير مسجلة، فهن في كمبوديا يبعن لتجار الجنس، وهن صغيرات، ولا يتمكن من تحرير أنفسهن من عبودية هذه التجارة إلا بعد أن يدفعن مبلغا كبيرا من المال، وهن في النهاية لا يتمكنَّ من تسديد ثمن الحرية، وليس أمامهن إلا مواصلة هذه العبودية الجنسية كأبشع جرائم الألفية الثالثة! ويسرد الكاتب أيضا كيفية تعاون رجال الشرطة والأمن مع تجار البغاء، وهم أيضا يمارسونها لتحسين دخلهم، ويتولون محاصرة النساء الهاربات من العبودية وقمعهن، وكيف أنهن يلجأن للانتحار كوسيلة للتخلص من هذه العبودية! ويسرد الكتاب في 235 صفحة أيضا مآسي النساء الإفريقيات اللاتي يتعرضن للاعتداءات الجنسية في دارفور، والنساء اللائي لا يتمكن من الولادة بسبب الفقر فيقضين نحبهن في المستشفيات، ويسرد الكاتب قصة امرأة أثيوبية في حالة الولادة وصلت للمستشفى على ظهر دراجة نارية وهي في حالة بائسة، وليس معها أجرة الولادة، وعلى الرغم من أن مؤلف الكتاب دفع المبلغ المطلوب، إلا أن الطبيب وصل متأخرا بعد أن فارقت الحياة، هي ووليدها. ويحكي أيضا عشرات القصص الواقعية عن امتهان النساء وإجبارهن على العمل في ظروف قاهرة كخادمات. وهو يشير أيضا إلى ضحايا الاغتصاب في المجتمعات الإفريقية والأسيوية، والتي تمرّ بدون متابعة ولا عقاب! وهو يُشير أيضا أن سبب موت (نصف السماء) يعود إلى التمييز ضد النساء في فرص العمل والمشاركة السياسية، وفي التعليم والعلاج واختيار الزوج وفي التمييز في الملبس والمأكل وغيرها من أشكال التمييز المختلفة، وعلى رأس ذلك تقع الجرائم على خلفية الشرف، الذي تتحمل وزرَه المرأةُ فقط! وهو بالإضافة إلى ذلك يعرض بطولاتٍ لنساءٍ تحدين واقعهن وتمكنَّ من تحقيق أحلامهن مثل المرأة الإثيوبية التي تحدتْ القهر والفقر، وتمكنتْ من أن تصبح طبيبة، وفي الكتاب سرد للجمعيات النسائية التي تقوم بأروع المهمات بدون أن يعرفها كثيرون مثل جمعية سوناثا كرشنان في الهند وسكينة اليعقوبي في أفغانستان، وروشانا ظفر في الباكستان. ويخلص الكتاب في النهاية إلى أن التحدي الأكبر في هذا القرن هو «مكافحة عبودية النساء» كم كنتُ أودُّ لو اقترحَ مؤلفا الكتاب سنَّ قانونٍ في الدول الأوروبية الغنية والثرية التي تُعتبر سوقا لتجارة الجنس، بحيث يساوي القانون بين الاتجار بالجنس، وبين الاتجار بالرقيق في العصور السالفة، بحيث تكون العقوبة أقسى بكثير من مجموعة قوانين العقوبات المعمول بها حاليا في أكثر دول العالم! وفي الختام فإن قتل (نصف السماء) في عالمنا العربي، ما يزال غامضا ومسكوتا عليه، وهو يتم في الخفاء بأشكال شتى، أبرزها قتل النساء على خلفية شرف العائلة، وقتلهن نفسيا بطرق شتى، عندما يصبح السن هو الفارق بين الحياة والموت، فالمرأة التي لا تتزوج في العشرينيات من عمرها، تموت قهرا، ولكي تتخلص من قهرها هذا فإنها تلجأ لارتكاب قهر آخر عندما تتزوج كهلا مثلا! وما أكثر قصص قتل (نصف السماء) العربيات.... ولكن على نار هادئة!