قدمت «ورشة إبداع دراما» مسرحيتها الجديدة «تحفة الكوارتي» على خشبة مسرح دار الثقافة الداوديات بمراكش، وذلك تخليدا لليوم العالمي للمسرح. وقد شكل تقديم هذا العمل انجازا فنيا متميزا في مسيرة الورشة، وذلك ما أبان عنه وبشر به تتبع واهتمام الجمهور الوافد والذي لم تستوعبه جنبات القاعة بدوريها العلوي والسفلي. انطلق الانجاز الذي أخرجه «عبد الهادي طوهراش» وكتبه عبد اللطيف فردوس على قاعدة مجموعة من كتابات روائية ألفها على مدى سنوات الروائي احمد طليمات، وتم استلهام أجوائها الإنسانية والحميمية في هذا التركيب الفردوسي المشحون بما ماجت به عقود السيتنيات والتي تلتها من القرن الماضي. عندما اندفع الوعي الجارف بقيمة الحرية الفردية والمسؤولية والوجود والتطلع الجماعي لتحرير الإنسان من كل قيود وأعباء الاستغلال والقهر الرأسمالي. إن الخلفية الفكرية شكلتها مؤلفات احمد طليمات وجاء التركيب الذي اجتهد فردوس في نسج خيوطه الممسرحة وفيا للأجواء، هي البوم بقايا من أحلام أجيال دفعت الثمن باهظا في احتضان إغراءاتها. وأسفر المخاض في نهاية المطاف على ولادة سيزيف الذي حكمت عليه الآلهة القديمة بالخلود في العذابات الناجمة عن حمله الصخرة إلى أن يوشك على بلوغ قمة الجبل، فتتدحرج من أعلى كاهله صخرة العذاب نحو السفح ليعود أدراجه من جديد ليحملها منهكا مقهورا، لكنه صامد في كل الأحوال. وأمام سخرية مريرة يجسدها «تحفة الكوارتي» وهو الشخصية التي ما تزال تعيش إلى جانب سيزيف لتشكل صورة لواقع متشظي، عاجز عن الوعي بذاته وهو الذي تتقاذفه أمواج ذلك الواقع في مآسيها وعنفها ومهازلها. إن تحفة هذا الإنسان البسيط في كل شيء، يحكم عليه قدره بأن يبقى ملازما لسيزيف الذي يعيش واقعا ووعيا شقيا وحبا محطما، وهزيمة كارثية لا يجد سوى كأس الخمرة يناجيها ويعاقرها طيلة يومه والى أن يسفر الصباح الذي يعلن عنه آذان الفجر فتختل كل المقاييس ويضطرب الزمن الخاص لسيزيف أمام طغيان وجبروت زمن عام. اجتهد سيزيف لكي يفر منه ويتركه خارج الحانة، إلا أن هذا الزمن القاهر الظالم لا يلبث يقتحم عليه خلوته ويطارده ليعيده مرة أخرى إلى النزول إلى القعر حتى لا ينسى صخرته الأزلية التي لا مفر له من إعادة حملها عبثا.