مبدع آخر قضى... انتقل إلى عفو الله صباح الخميس الماضي اللاعب الدولي السابق ولاعب الرجاء السابق موسى حنون بعد فترة من الألم تردى فيها وضعه الصحي، وفي رحيل موسى يودع العائلة الرياضية لاعبا من الجيل الأول لفريق الرجاء وموهبة أخرى من المواهب التي اكتشفها المربي والمدرب محمد بلحسن العفاني «الأب جيكو» في ذاك الزمن الجميل... وموسى حنون من أبناء الدارالبيضاء سحره فن كرة القدم في منتصف القرن الماضي، ليلتحق بفريق الرجاء وحمل قميص صغاره في سنة 1951 تحت رعاية الأب جيكو والحاج عبد القادر جلال، وبفضل أدواته التقنية ومؤهلاته البدنية وطموحه الكبير المقرون بعشق كرة القدم تميز الراحل موسى ضمن جيل الخمسينات والستينيات: حميد بهيج، ابهيجة، ميلازو، الجديدي، الروبيو، عزيز قباج، سعيد، حمان وغيرهم من «شياطين الخضر»، هذا الجيل الذي ناذرا ما يجود الزمان بمثله، مواهب عانقت كرة القدم في الأزقة والمساحات الفارغة المنتشرة في المدينة آنذاك قبل أن يزحف الاسمنت ويخنق الأحياء... تميز فقيد كرة القدم الوطنية بحسه الهجومي، ومع توالي اللقاءات توفر الانسجام داخل تشكيلة الفريق الأخضر وتحول أسلوب زملائه اللاعبين إلى نهج أوطوماتيكي متناغم ينتج الفرجة والطرب والأهداف، وفي الموسم الرياضي 1959-1960 توج اللاعب موسى هدافا للبطولة الوطنية بتوقيع 22 هدفا، وكان الدوري الوطني يضم 14 فريقا فقط، وهو نفس الموسم الذي (سرقت) فيه جامعة كرة القدم لقب البطولة من فريق الرجاء، وهذه حكاية أخرى تؤكد فصولها أن الرجاء أنهى الدوري في الرتبة الأولى رفقة فريقي الجيش الملكي والنادي القنيطري، لتمنح النسبة العامة الامتياز لفريق الرجاء، وتتوجهه بطلا للموسم. لكن مسؤولي الجامعة آنذاك سامحهم الله تحيزوا بصورة سافرة لفريق الجيش، وإرضاء لمسيريه ضربوا القانون عرض الحائط وداسوه، ففرضوا على الفرق الثلاثة المشاركة في دوري ثلاثي (الرجاء، الجيش، النادي القنيطري) قصد افراز الفريق البطل، لكن فعاليات الرجاء ورجالها: الأب جيكو، بوجمعة الكادري، بامكي وغيرهم رفضوا القرار وواجهوا الجامعة، متهمين اياها بضرب القانون لفائدة فريق الجيش، وسمحوا للجيش بان يكون بطلا ضد على القانون، ليضعوا مسؤولي الجامعة في ورطة، الذين اضطروا لإقامة مباراة واحدة فاز فيها النادي القنيطري على الجيش (3-2). لعب الراحل موسى لفريقه الأم الرجاء ثم شباب المحمدية لمدة ثلاث سنوات بدعوة من المدرب الأب جيكو، كما لعب لفريق الوداد وكان رفقة العربي احرضان، الزغاري، عبد الحق، عبد القادر. عاش «صدفة تجربة الاحتراف في فريق أتليتكو سبتة» وكان هذا الفريق قد دعا اللاعب ابهيجة وهو يرغب في ضم مهاجم متقدم، وفي اللقاء تعاقد مسؤولو فريق سبتة مع موسى الذي كان فقط يرافق صديقه ابهيجة خلال الرحلة. تألق موسى هدافا متميزا ومتمرسا أمام عمالقة حراس المرمى، علال (الجيش) الداي (وجدة) بكار، عبد القادر (الوداد) لبيض (المغرب الفاسي)، العبدي (الجديدة) كوسكوس (شباب المحمدية)، الحلقي (الرجاء) وغيرهم. اضطر موسى للاعتزال والابتعاد مكرها، رغم رغبته الجامحة في ولوج عالم التدريب وذلك لأسباب صحية تجسدت في أثار حادث تعرض له وأصيب إثره في العمود الفقري. ...وهكذا رحل عنا طائر آخر من الطيور التي حلقت في فضاء الرجاء، أطربت وأمتعت الجماهيري في فجر الاستقلال، وفي رحيله نودع لاعبا نموذجا في الهدوء، في التربية والأخلاق، في الكرامة والتعفف، وفي اقتناص الأهداف وإهداء المتعة للآخرين، لاعب أنتجته كرة القدم من مدرسة الدرب وساهم بشموخه في صناعة أمجاد الرجاء في زمن الكبار. وداعا موسى، وستبقى اسما منقوشا في القلب وفي الذاكرة، غادرتنا الى الأبد، لكن إبداعك سيبقى حاضر بيننا إلى الأبد...