ربيع الثورات العربية يغير محتويات لائحة الأصدقاء في فايسبوك كان موقع فايسبوك منذ بداية الثورات المتعددة والمتنقلة من بلد لآخر تحت عباءة الربيع العربي صرحاً للتعبير عن الآراء بحرية ودون أدنى ضوابط. لكن اللايك Like والكومنت comment اللتان كانتا تصريحاً بين الأصحاب الافتراضيين إعجاباً بالمواقف المختلفة خلال ثورات مصر وتونس وليبيا لم تبقيا على حالهما، ولو كان هناك زر يقول unlike لكثر استعماله مؤخراً خصوصاً مع الثورة السورية التي ظهّرت الخلافات بين الأصدقاء خصوصاً من اللبنانيين الذين يعيشون على تماس مع جيرانهم السوريين. لكن اللافت هو انتشار عبارات من قبيل «هذا الجدار لي فإذا لم يكن يعجبك ما تراه يمكنك أن تكون حراً بحذف نفسك من لائحة الأصدقاء»، أو قد تكون العبارة أشد قسوة كما قال أحدهم «أقولها باللهجة السورية المحببة: كل شنتير على صفحتي معرعر أو مظوهر أو حمداوي أو من أتباع المريض بالباركنسون.. يحلق.. أحسن ما احلقلو..!!!»و «من لا يعجبه حائطي ليدق رأسه بحائطه». «جداري ليس ديموقراطياً، هو مملكتي وأنا الملكة، إذا لم يعجبك ما أضعه هنا ليس ضرورياً ان تخبرني ببساطة إضغط زر إلغاء الصداقة وإرحل»، هذه العبارة وضعتها الإعلامية هناء حمزة مع انها تنفي ما إذا كان أحدهم قد حذفها من لائحة الأصدقاء. ومع أن هناء تعبر بحرية عن مواقفها السياسية فهي تقول «لا يرى البعض اني منحازة ولا يتهمني أحد بالتطرف». وتوضح الإعلامية أنها حذفت شخصاً مقرباً جداً منها «لأني شعرت ان ما يكتبه في مواضيع محورية يشكل استفزازاً لي وغيري». وتضيف حمزة أن أصدقائها «من جميع الجهات والفئات وهم لا يقتنعون بوجهة نظر واحدة، لكن الصديق الذي حذفته، كان السبب كتاباته التي أجدها شخصيا مستفزة لي». قضية الود بدأت تفسد من الطبيعي القول أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، لكن ثقافة الحوار قد تغيب حتى عن مثقفينا بسبب الاختلافات الفكرية والنقاشات السياسية التي تظهر عمق الهوة بين الفئات المتخاصمة حتى بين الأصحاب والأصدقاء. وهذا ما يظهر جلياً في النقاشات السياسية التي تحملها صفحات موقع فايسبوك وباعتراف الكثيرين هناك من خسر أصدقاءه لخلافات في الرأي في حين يقول البعض أن الاختلاف كان ينتهي عند حدود الجدران الافتراضية دون أن ترتفع جدران الجفاء بين الأصدقاء بل اقتصر الأمر على نقاشات غنية حادة أحياناً تنتهي بالعتاب المتبادل. يختصر الإعلامي خليل حرب الوضع بعد كل ما جرى ويجري بالقول «تشرذم الأصحاب». وهو يستعرض المراحل التي مرت بها علاقاته عبر شبكات التواصل الاجتماعي فيتحدث عن وجود نوعين من المشكلات واجهها «أن ينقل أحدهم الخلاف الشخصي من العالم الواقعي إلى العالم الفايسبوكي، وتضطرين إلى فرض حدود تفصل بين العالمين، وذلك بحذف الصديق المفترض أو تنبيهه إلى ان ما يحدث في العالم الواقعي لا يجب نقله إلى هنا». أما النوع الثاني فيقول عنه حرب «هو المحصور بما يدور على فايسبوك فهناك تنشأ المشكلة وهناك يدور الخلاف حولها ويتفاقم أحياناً إلى درجة يضطر معها الشخص إلى الحذف أو عمل unfriend، وهذا حصل لكن ليس معي، فعندما نصل إلى مرحلة لا يمكن الاستمرار في متابعة تعليقات الصديق الأفضل الابتعاد عن ما يكتبه أو يعلق عليه». ويوضح أنه لم يفعل ذلك «حتى الآن، وإنما فعلها أحدهم، وقد وصل الخلاف في الرأي إلى حد أن أحدهم اتهمني مثلا بأنني أعمل لصالح المخابرات السورية، ومع ذلك لم أحذفه، إنما آثر هو الخروج من لائحة أصدقائي من تلقاء نفسه». مصر وتونس وحّدتنا... وسوريا فرقتنا كانت الثورة المصرية محور لقاء الآراء والتعليقات وكل ما كان ينشر على فايسبوك، فكان من السهولة بمكان ملاحظة ذلك، وهذا ما يؤكده خليل حرب الذي يرى أن «الخلافات تفاقمت على فايسبوك في مرحلة ما بعد الثورة المصرية، فأنا أذكر تماما في بداية الاحتجاجات ضد نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك توحد كل أصدقائي ونادراً ما خرج أحدهم ليقول كلاماً مغايراً عن الرغبة بالتخلص من مبارك والإشادة بالثورة المصرية والتضامن معها». لكن حرب بدأ يلاحظ الخلافات تكبر «مع مرور الأيام عندما بدأت الثورة في ليبيا حيث كان هناك شبه إجماع على كراهية القذافي، لكن ما إن بدأت ملامح التدخل الغربي بعد قرار مجلس الأمن الدولي الشهير الذي أجاز التدخل باسم حماية المدنيين وأسيء استخدامه لمهادمة القذافي ومحاولة اغتياله بالغارات الجوية، حتى انتشر الخلاف على فايسبوك وظهرت مصطلحات مثل ثوار الناتو وعبيد الناتو وفكرة المؤامرة الغربية عل ليبيا من أجل نفطها». لكن قبل بدء التدخل الغربي المباشر في ليبيا، كانت الاحتجاجات قد بدأت في سوريا وهنا يقول حرب أن «الأصدقاء المفترضون بدأوا يتشرذمون، والذين كانوا موحدين ضد مبارك وزين العابدين بن علي ونسبيا ضد القذافي، تفرقوا الآن ما بين التضامن مع الاحتجاجات وما بين الكراهية لنظام الأسد وما بين العنصرية المتخفية ضد السوريين عموماً، وهنا بدأ الفراق». يذكر الإعلامي حرب أن أحدهم «شاهد صورة لمدينة سرت المدمرة تماماً وعلق قائلا ان شاء الله يلحق المصير نفسه بالشام، وأنا شخصياً جننت، فكيف يمكن أن تتمنى لدمشق مصيرا مشابها مهما بلغ حجم الكراهية لنظام ومهما بلغت العنصرية ضد السوريين». لذا كانت تعليقات حرب على ما يجري من أحداث في سوريا نابعة من حبه لهذا البلد وحرصه عليه «لم تعد تعليقاتي تحظى ب»لايكات» الأصدقاء القدامى الذين توحدنا معهم حول مصر وسقوط مبارك مثلاً، وبعضهم أرسل لي رسائل عبر بريد فايسبوك ينصحني فيها بالتراجع عن هذه المواقف، وكنت عموما أرد بأني حر في مواقفي وبأن مواقفي مرتبطة بحبي لسوريا وبأني لا أريد أن أرى الخراب والموت يلحقان بالسوريين مثلما جرى لإخواننا العرب في ليبيا». لكن خليل يرى أن «هذا الكلام يبدو أنه لم يعد يجدي نفعاً فقد تشرذم الأصحاب». الثورة السورية لا تقبل المساومة بعد الأزمة السورية وجد الصحافي عمر حرقوص أن صديقه الشاعر قد حذفه من قائمة أصدقائه «بعد أن ناقشني في المسألة السورية، وكان نقاشاً راقياً لم نتهم بعضنا البعض بشيء سيء بل كانت مواقف عامة مني مؤيدة للثورة السورية، وهو كان يعتبر ان المعركة في سوريا عمرها من عمر الأزمة الشيعية السنية قبل 1400 عام مع معركة الجمل والسقيفة وغيرها»، لكن المفارقة أن حرقوص اكتشف لاحقاً «أنه أزالني من صفحته على فايسبوك. ويومها كتبت على صفحتي أن أحد الأصدقاء أزالني من قائمته، فإذ به يراسلني عبر رسائل فايسبوك ليشتمني واتهمني بقبض المال وهددني بفتح حرب عليّ..». وهو يعتبر أن هذا الموقف «كان أغبى ما يمكن ان يقوم به شخص يعرفني وأعرفه منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي بأن يقطع علاقتي به لأن نقاشنا لم يعجبه.. وكانت رسالته الأخيرة أبعد ما يكون عن ثقافة الشعراء، في المستوى الهابط الذي يمكن ان يصل إليه صديق عشنا معاً مرحلة سياسية واجتماعية وأمنية وحزبية مشتركة». في المقابل يصرح حرقوص بأنه أزال شخص من بين أصدقائه على فايسبوك «لأني كنت كلما كتبت عن سوريا يتهمني بالعرعرة، وبعدها اتهم أحد التحركات المتضامنة مع سوريا في بيروت بأنها سلفية مع أن من دعا إليها كان إلياس خوري وحبيب صادق ومرسيل خليفة، وكلما قرأ عندي أي ستاتوس لا يعجبه يبدأ باتهامي بالتخلي عن الشهداء والمقاومة وقبض المال، فاضطررت إلى إزالته من صفحتي لأني لم أعد جاهزاً لتحمل الإهانات». ويروي عمر تعرضه للمهاجمة من قبل صديق ثالث «كان دائما يهاجم الثورة السورية على صفحتي، وفي أحد الأيام ناقشت معه الموقف من الثورة في البحرين وعبرت عن تضامني مع البحرينيين، فأوقف مهاجمة الثورة السورية على صفحتي وصار ينتقد بشكل موضوعي من دون أن يتخلى عن موقفه، ولذلك لم أقم بإزالته ولم يقم بإزالتي أيضا». ويخلص حرقوص إلى أن «الكثير من الأصدقاء الذين نختلف معهم استمروا بعلاقتهم بنا من دون ان تتحول العلاقة إلى قطيعة، بل على العكس أقدر لهم تقبلهم حرية رأينا كما نتقبل حرية رأيهم». يتشابه واقع الحال هذا مع ما يؤكده المخرج صلاح شعيب من خلال تجربته الشخصية مع فايسبوك وهو يقول إن «هناك مشكلات تحدث على فايسبوك لكنها تنتهي باتفاق يقضي بأن لا يعلق أحدنا على جدار الآخر، لكن كلما كتبت شيئاً من العيار الثقيل ينقص الأصدقاء لدي». هذا التناقص في عدد الأصدقاء ليس صلاح سببه «أنا لا أحذف أي أحد لكن من لا يعجبني أجعل تعليقاته مخفية «هايد» فلا أرى ما يكتبه ولا يرى ما أكتبه».لذا لم يكن لصلاح مشكلات كثيرة خصوصاً أنه يقول أن السبب هو «عدم تضمن لائحة أصدقائي إلا من أعرفهم شخصياً وهم جميعاً يعرفون آرائي مسبقاً لكن منهم من يعتمد تكتيك تسخيف أي «بوست» ويغيرون الموضوع. ويورد شعيب أمثلة على أصدقائه موضحاً أن «منهم من لا أعلق لديه ولا يعلق لديّ، ومنهم من أخفيه لأنه عبارة عن بروباغاندا وتحريف، ومنهم من منعته من رؤية صفحتي». وهو يرى أن «فايسبوك ليس المكان المثالي للجدل لكنه مكان لإرسال رسائل قصيرة إذا طالت لن يقرأها أحد مما يعني أنه مكان مثالي لازعاج الموالين للنظام وتوتيرهم وهم في حالة صدمة وقابلية للتوتر والانفجار لذا نرى «بوستات ليست فكرية وإنما عبارة عن استهزاء». الحيادية لم تعد مقبولة الوضع كان مغايراً بالنسبة للإعلامي في شبكة توب نيوز جمال شعيب فهو يرى أن أي خلاف في الرأي لا يمكن أن يؤثر على علاقته بالأصدقاء «فأنا لم أقم بحذف أي صديق اختلفت معه مهما بلغت درجة الخلاف»، لكنه يعرض ووضعاً مختلفاً «ما حصل هو أن توقف بعض الأصدقاء عن التردد على صفحتي الشخصية على فايسبوك أو لعلهم يترددون دون أن يعلقوا، والدليل أنهم يشتكون لآخرين مما أكتبه من آراء بدل أن يعلقوا أو يناقشوا». ويشدد شعيب على أن «كثيراً من الزملاء اعتدنا على الاختلاف معهم لأسباب عقائدية لكننا لم نترك للخلاف أن يفسد زمالتنا» لكنه يرى في أحداث سوريا مفصلاً «ما حصل في سوريا أخيراً كان له أثر كبير إذ أننا من جهتنا لم نعد نتقبل «الحيادية» خصوصاً بعد ما اتضح من أمور في ليبيا ومصر واليمن وانجراف التيار التغييري نحو القضاء على كل إمكانيات الدول بحجة تغيير الأنظمة وبتنا نتعامل مع الموضوع على قاعدة أن التطرف مفهوم لمن يقف إلى جانب الأميركي والخليجي ولكن الموقف الرمادي للحياديين الذين يدعون أنهم في صف المقاومة (يساراً ومستقلين) لم يعد مفهوماً أو مقبولاً، وهم يعتبرون ان كشفنا للتضليل والتزوير الممارس ضد سوريا هو انحياز للنظام بينما هو في الواقع انحياز للحقيقة أولاً وللمشروع المقاوم ثانياً». ويوضح الإعلامي «يزعم البعض أننا بالحملات الإعلامية التي نساهم فيها بدحض إدعاءاتهم نقوم بدور التغطية، متناسين أن ما نعرضه وننشره على صفحاتنا إنما هو كشف مهني لواقع التزوير والتضليل». ويخلص شعيب إلى القول بأن «الموقف الغريب لكن الإيجابي انني أتناقش بشراسة مع بعض الأصدقاء على فايسبوك ومساءً نترك الشاشات ونلتقي في مقاهي بيروت لندردش في كل شيء إلا السياسة». ظلال الواقع مرخية على فايسبوك من الطبيعي أن يجد كل شخص صفاً يقف فيه في أي قضية تجري في العالم، وخصوصاً إذا كان فيها جانب إنساني أو اجتماعي أو سياسي عليه اختلاف أزلي. وهذا ما تلخصه «ع.د.» التي فضلت عدم ذكر اسمها لأسباب خاصة بأنه «دون شك ان فايسبوك يعكس واقعاً مخذياً فعلاً خصوصاً بالنسبة لللبنانيين»، وهي ترى بأن «الإنسانية بالنسبة إليّ قد تجعل فرزي مع أطراف سياسية أمراً سهلاً وحتمياً. وكذلك اتهام ضمني بالعمالة لأن إن لم تكوني مع القاتل الذي يحبون يعني أنت مع إسرائيل!». وهي تؤكد بانها لا تدري إذا كان أحدهم قد حذفها من أصدقائه بسبب مواقفها». وهذا ما يوجزه الناشط السياسي حسن غندور بالقول «مما لا شك فيه أن الانقسام السياسي والرؤيوي الحاد إزاء ما يجري في عالمنا العربي قد أرخى بظلاله على فايسبوك وهذا طبيعي لما لهذا الموقع من دور رئيسي في التواصل والاحتكاك الاجتماعي». والمفارقة التي يراها غندور تكمن في ان «الاصطفاف والانقسام أصبحا عامودياً وافقياً حيث أن أبناء الفكر السياسي الواحد كخط المقاومة والممانعة ينقسمون فيما بينهم على رؤيتهم للأحداث في المنطقة وخصوصاً سوريا وهذا الشرخ بات يهدد البيت الداخلي لهذا الخط ويهز أركانه وهذا مؤلم جداً». ولم يحذف غندور أحداً من أصدقائه الافتراضيين بسبب مواقفهم «أنا من جهتي لم أحذف من يخالفني الرأي لسببين أولهما أني أرغب في التواصل مع الآخر لطرح وجهة نظري واعتبر ان حذفه يعني اني سأكلم نفسي. وثانياً إن وضعية صفحتى مفتوحة للجميع وأنا جعلتها مفتوحة بالكامل بشكل يراها جميع مستخدمي فايسبوك دون قيود لأني أعتبر ان لا شيء اخفيه بل بالعكس أود إيصال رأيي لأكبر شريحة على الموقع وبالتالي لا داعي لحذف أحد لأنه يستطيع رؤية صفحتي ولو لم يكن صديقاً على لائحتي». حذف بالجملة يختلف الأمر بالنسبة للبعض، فهم يضعون خطوطاً حمراء لمن يتواصلون معهم ولو افتراضياً، وهذا ما جعل استشاري العلاقات العامة داني الأمين يحذف كماً من أصدقائه منهم الافتراضيين ومنهم الزملاء والأصحاب الواقعيين. ويروي كيف اضطر لحذف «زميل لأن كتاباته كانت غير مقبولة ولأنه شخص انتهازي وأعرف تاريخه من أيام الجامعة ومواقفه المتقبلة وفق مصالحه، لم أشاركه بأي نقاش لكن شعرت بضرورة حذفه وفعلت». أما صديقته المقربة جداً التي حذفته ففوجئ بها الأمين وعندما صارحها واقعياً بالأمر «قالت لي أكيد حذفتك لأنك تتجنى في مواقفك وتقول كلاماً غير صحيح عن تيار المستقبل وسعد الحريري وتكتب على فايسبوك هذا الكلام عن حملهم للسلاح فليتك تراجع معلوماتك وترى إلى أي مدى هم جيدون ويعملون لصالح لبنان». ومثلها فعل صديق آخر حذفني بسبب مواقفي وغيرهم كثيرون أيضاً لأسباب ألخصها بأني «لم أسمح لأي شخص منهم أن يتطاول على المقاومة وكنت صريحاً بأن هذا الأمر ممنوع ولا أسمح به على صفحتي». أما آخر ما صادف الأمين من عمليات حذف فكان مع الجدل الدائر حول المطربة لارا فابيان «أنا من عشاقها، لكن عندما تحدثت عن موضوع مقاطعة حفلتها في لبنان كثر اتهموني بأني أنادي بالتطبيع مع إسرائيل وقد حاولت أن أتحملهم قدر الإمكان لكنهم كانوا مصرين على رأيهم فاضطررت لحذف 40 شخصاً دون أسف عليهم وهم أنفسهم سبق أن دعوناهم للمشاركة في تجمع مناهض لمشاركة فنان إسرائيلي في معرض صور عالمي لم يشارك منهم أحد». التهديد ممنوع من جهتها ترى الإعلامية رنا صيداني أن «فايسبوك قربني من الناس أكثر من أنه أبعدني عنهم. فأنا لا أريد ان تكون قائمة أصدقائي مكونة من أشخاص يشاركونني الرأي فقط»، وهي تشدد على حرصها على تنوع الآراء «لطالما دافعت عن حرية الاختلاف بالرأي واحترام الآخر مهما تكن توجهاته السياسية، وكلما صادقت أشخاصاً مختلفين عني كلما زادت سعادتي». لكن هذا لم يمنع من وجود حالات حذف في قائمة رنا قامت بها شخصياً «حصل ان ألغيت صديقاً من قائمة أصدقائي ليس بسبب وقوفنا على طرفي نقيض سياسياً بل لأنه لجأ الى الانتقاد المبتذل وحتى التهديد المغلف بالطمأنة عندما وضع في صفحته عبارة: «لا تخافوا لن نتعرض لكم عندما تعودون إلى لبنان». عندها حزنت رنا وحزمت أمرها تجاهه بالحذف «لأنه انتقل من سمو ممارسة حقه الديموقراطي في الاختلاف إلى دناءة اللجوء الى التهديد. ببساطة لا يمكن لأشخاص مماثلين ان يظلوا أصدقائي». وتلخص رنا الواقع بعد الثورة السورية التي تؤيدها بقوة بأن «الخلافات موجودة مع ومن دون فايسبوك على صفحات الصحف والتلفزيونات وفي المقاهي. فايسبوك قدم لنا خدمة قراءة آراء الآخر والرد عليها وفقا للتوقيت الذي يناسب جدول أعمالنا». لا تكن ديمقراطياً على جدارك وإذا كان التهديد قد وضع الخطوط الحمراء للصداقة لدى صيداني فإن الناشط والإعلامي المستقل أكرم عليق يسلم بأن «هناك دائماً خلافات في الرأي أو تباينات، منها ما يكون موثقاً بالمنطق والحجة ولا يزعج. لكن ما يزعج ويتسبب بتضييع الوقت هو ذاك الغوغاء غير المدعم إلا بالهزل والسباب، وهؤلاء لا أقبلهم وأدعوهم بهدوء إلى ضبط خطابهم وإلا فليعمدوا هم أنفسهم للإنسحاب من لائحة أصدقائي ومَن يُمعن في الغوغاء أشطبه. ويعود أكرم إلى طريقة اختيار الأصدقاء في لائحته عل فايسبوك «إنني أنتقي «أصدقائي» من خلال المنطق والحجة فألقي نظرة على بروفايلاتهم قبل القبول بهم وأحترم كثيراً أولئك الذين يعارضونني الرأي إلا انهم يتمتعون بأسلوب راقٍ ومنطقي في الحوار». ويضيف عليق «علمتني التجربة ان أحترم الرأي الآخر وأن لا أعتبر نفسي منهزماً لمجرد أن الآخر غلبني بالحجة والمنطق والوقائع، فأعترف له وأشكره على «مساعدتي» في فهم شيء كان ملتبساً عليّ». كما أن التجربة علمته «الخضوع للأكثرية واحترام الديمقراطية حتى لو كنت متحفظاً على أمر أو معترضاً على قضية، كما علمتني الحياة ألا أموت غيظاً إذا شتمني جاهل بسبب رأي مخالف بل أحاوره بالحجة والمنطق فأتغلب عليه وأجعله يخجل من نفسه ومن المتابعين فأكسبه». ومع ذلك يتعرض عليق لمواقف مزعجة «كثيرون قد لا يعجبهم موقفك ولا يجدون إلا رشقك بالإتهامات وأحياناً بالتخوين وهذا لا يهم بتاتاً فصاحب الرأي لا يكتب فقط من أجل حيازة أكبر عدد ممكن من ال»لايكات». ويروي عليق ما تعرض له «منذ أيام مع «صديق» دخل على مقال كتبته متهجماً مخوناً شاتماً، فرددت عليه بهدوء وطلبت منه حذف نفسه بعد ان انتظرني أياماً لأقبل صداقته ثم وجدني على حدّ قوله عميلاً وخائنا وقال إنه سيرسلني إلى النار، والملاحظة ان «الصديق» بعد ان حذف نفسه بناءً لطلبي كتب على حائطه كما أخبرني الأصدقاء وأرسلوا لي رابط صفحته أنه «تم بعونه تعالى حذف المرتد فلان والنصر للمتقين». يختم عليق بحكمة خلص إليها «قلتها مرة ان «المجتمع الفايسبوكي» العبثي يجعلك تندم أحياناً لكونك ديمقراطياً حقيقياً». قد تكون الصفحات الشخصية في فايسبوك «خاصة» لكنها مفتوحة على الأقل للأصدقاء، لكن البعض يحاول فرض نفسه على الآخرين بفرض مواقفه وآرائه وعدم احترامه لخصوصية الآخر ووجهة نظره، وهنا تكمن المشكلة في مدى تقبلنا للآخر ولو كان صديقاً افتراضياً، ومدى استعدادنا للدخول في سجالات قد تبقى عقيمة على جدار افتراضي كما يرى أحد الشعراء الذين تعرضوا لمواقف غريبة حيث كان البعض يتهمه بأنه «غير مبال بما يجري حوله من أحداث مصيرية لمجرد أنه يكتب الشعر على صفحته الشخصية، نائياً بنفسه عن السياسة، فكان رده واضحاً ومختصراً «بأن الدخول في جدالات سياسية على هذا الفضاء الافتراضي المفتوح لا يوصل إلى أي نتيجة، في ظل التنوع الحاصل في الأوضاع والرؤى المتعددة حيالها». لكن يبقى أن عمليات الحذف من لوائح الأصدقاء تغير من معالم صفحات البعض وتجعلها ذات لون واحد، لكن المسلم به أن أي كائن افتراضي من «مواطني» فايسبوك لا يمكنه البقاء على حياد تجاه ما يجري حوله في العالم ولو قرر ذلك فيؤخذ ولو غصبا عنه إلى السجال وأحياناً يكون الحذف أحد أشكال هذا الأمر. وبات شائعاً أن نرى عبارة «إحذفني إن لم يعجبك رأيي» على الكثير من جدران فايسبوك لأن الحذف أيضاً تعبير صريح عن الرأي مهما كان توصيفه. - عن إيلاف -