شمعون ليفي أيقونة تقاوم العدم أكدت الشهادات التي قدمها قادة في حزب التقدم والاشتراكية وأساتذة جامعيون على أن شمعون ليفي، المناضل التقدمي الفذ، والوطني الغيور، والمثقف الملتزم، والسياسي المحنك، ورجل القناعات الراسخة، والمدافع الأمين والمستميت عن قضايا الوطن، سيظل، رغم الرحيل المؤلم، أيقونة تقاوم العدم وأن رسالته ستظل متوهجة بعد رحيل مفاجئ ومؤلم. ووقف ثلة من المثقفين والمناضلين ورجال الإعلام، الذين حضروا اللقاء الذي نظمته وزارة الثقافة بتعاون مع معهد سرفانتيس الدارالبيضاء، بقاعة البردوزي بالمعرض الدولي للكتاب والنشر، مساء السبت الماضي، على بعض من مناقب شمعون ليفي المثقف والمواطن المناضل، واستمعوا وتفاعلوا، في الجلسة التي قام بتسييرها الصحفي إدريس كسيكس، مع مسار نضال الفقيد من أجل تحقيق الاستقلال لبلده المغرب، ورفضه لشتى أشكال العنف والاستبداد، ومقاومته لفكرة الصهيونية، وانخراطه المبكر في الحزب الشيوعي وفي صفوف الحركة الوطنية وفي العمل الحزبي والسياسي والإعلامي والنقابي. فليس من السهل، يقول إسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، الحديث عن إنسان كرس حياته للدفاع عن حقوق الكادحين سياسيا ونقابيا، وجعل من العدالة الاجتماعية، التي مافتئ حزبه ينادي بها وإليها، حجر الزاوية لكل أنشطته. فالراحل، يضيف إسماعيل العلوي في شهادته، ،كان مناضلا صبورا من أجل المساواة بين مواطني البلد الواحد مهما كان جنسهم أو عرقهم أو معتقدهم، وكان بحق نبراسا أنار طريق العديد من المناضلين والمناضلات في مختلف مناحي الحياة الحزبية السياسية والنقابية والاجتماعية والثقافية التربوية، مناصرا لقضايا شعبه ووطنه مضحيا بالنفس والنفيس متحملا كل الأعباء التي تعترض سبيل المناضلين. وذكر إسماعيل العلوي بأن الفقيد هو من كلف بصياغة ما يعرف في تاريخ الحزب ب «الكتاب الأبيض» في سبعينيات القرن الماضي، الذي جعل حزب التقدم والاشتراكية من رواد الفكرة المؤكدة على تنوع روافد كينونتنا والمبرزة لأصولنا الأمازيغية ولمدى غنى وثراء حضارتنا وثقافتنا الأمازيغيتين، مبرزا في نفس الوقت، أن هذا النهج استمر إلى آخر لحظة من حياة شمعون ليفي مسجلا بالوثائق المكتوبة والمنحوثة وبالمتروك الشفوي والأثري العمراني، مكانة المغاربة اليهود في بناء صرح ثقافتنا الوطنية وتاريخنا المجيد. في السياق ذاته، شدد عبد الواحد سهيل على أن شمعون ليفي ظل طوال حياته يرفض بقوة كل أنواع الحيف والإقصاء والعنصرية من أي نوع كانت، مستميتا في الدفاع عن آرائه وتصوراته مع رفاقه ومع الغير، دون أن تصل هذه الاستماتة حد التشبث الأعمى بالأفكار أو المواقف. فقد كان ليفي، يقول عبد الواحد سهيل، بعيدا كل البعد عن الدوغمائية والتحجر الفكري، وكان على الدوام محترما للآخر ولآراء الآخر ومنفتحا على كل جديد، مربيا ومكونا ممتازا استفاد من دروسه وممارسته العديد من الرفاق. وستبقى بصمات شمعون ليفي هاته، يقول رحال الزكراوي من جانبه، خالدة بين صفوف رفاقه وحزبه وستبقى كذلك بين صفوف طلبته، موضحا أن الراحل ساهم مساهمة أساسية في تطوير التراث الفكري والإيديولوجي لحزب التقدم والاشتراكية وفي نشر ثقافة الوحدة والتحالف بين القوى الديمقراطية المغربية، وفي تمثين أواصر الصداقة والتعاون مع الأحزاب التقدمية في باقي أنحاء المعمور. وهي خصال شدد عليها برنابي لوبيز غارسيا، أستاذ تاريخ الإسلام المعاصر بقسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة مدريد، واعتبرها سمة مميزة للرجل الذي راكم العديد من المواقف المناصرة لكفاحات الشعوب من أجل الانعتاق والحرية، مشيرا، في شهادته، إلى أن سيمون ليفي، الوطني المغربي الذي دافع دائما عن الهوية الوطنية وثقافتها وجذورها العبرية، تضامن على الدوام وبشكل قوي مع حقوق الشعب الفلسطيني وحقوق الشعوب المستضعفة، وستظل مساهماته الثقافية والنضالية، في هذا الظرف الزمني الذي تفتح فيه الانتفاضات في العالم العربي الباب أمام تطلعات الديمقراطية للمجتمعات المدنية لدول البحر الأبيض المتوسط، من المغرب مرورا عبر تونس ومصر وسوريا، خالدة بجهود كل من عرفوه. إنها دعوة للاعتراف بالجميل وعهد بمواصلة حمل رسالة، يقول لوبيز غارسيا، ستظل متوهجة آمن بها رجل الكلمة، الذي استوعب ماذا يعني أن يكون الإنسان يهوديا مغربيا مناضلا من أجل الاستقلال والحرية، وسياسيا يتميز بتحاليله الدقيقة وبعطاءاته الوفيرة في المجال الفكري والتربوي وبتضحياته الجسام من أجل العدالة والكرامة لكل الأمم. وهي تضحيات اعتبرها ايلي الباز، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق في الدارالبيضاء، وأستاذ مشارك بجامعة بوردو (مركز دراسات إفريقيا السوداء)، تعبيرا عن التفرد والتميز لمناضل مغربي يهودي ندد دوما بالصهيونية المدمرة ليس لكيان الشعب الفلسطيني فحسب، بل لكيان شعوب كثيرة عبر العالم، وظلت كفاحاته، من مختلف المنابر، دعوة متواصلة للحرية والعدالة والانفتاح والحوار ونبد التعصب والعنصرية. واعتبر إيلي الباز هذا التوجه، في شهادته التي لم يكف وقت لقاء السبت الماضي لاستعراض كل مضامينها، مثمرا لنتائج إيجابية، لعل أسطعها، يقول المتحدث، إنشاء المتحف اليهودي المغربي بالدارالبيضاء الفريد من نوعه على صعيد العالم العربي كله، لما يشكله من قطب الرحى في العمل الجبار الذي أنجزه شمعون ليفي في أواخر حياته الحافلة بالبذل والعطاء من أجل إحياء هذا الجزء الهام من التراث والهوية المغربيتين.vvvvv