نظرة على المستوى التقني العام لمنافسات -كأس الأمم الإفريقية المقامة حاليا بغينيا الاستوائية والغابون، تفيد على أن الكرة بالقارة السمراء تشهد تحولات جذرية لا تؤمن بمقولة «فريق كبير وآخر صغير»، وأن التكهنات التي سبقت البطولة وترشيح فريق على حساب آخر، أمور قد تذهب أدراج الرياح وتتبخر نحو السحاب في المستقبل القريب، ولعل فشل منتخبات عريقة كمصر حاملة اللقب سبع مرات ونيجيريا والكاميرون وجنوب إفريقيا في التأهل إلى النهائيات، كان إرهاصا لثورة مرتقبة من طرف المنتخبات «الصغيرة» على نظيراتها «الكبيرة»، وإعادة رسم خريطة جديدة للكرة الإفريقية. وها هي النتائج الأولية التي حصدتها الفرق ال 16المشاركة تسفر إلى غاية كتابة هذه السطور عن تأهل منتخبين إلى الدور الثاني، ويتعلق الأمر بمنتخبي غينيا الاستوائية والكوت ديفوار، فيما كانت المفاجأة توديع المنتخب السنغالي الذي كان أحد المنتخبات المرشحة لإحراز اللقب، المنافسات من الدور الأول بشكل غير متوقع، ولتكون أولى مفاجآت النسخة الثامنة والعشرين من الكأس الإفريقية خروجا مبكر ل»أسود التيرانغا» في انتظار حدوث مفاجآت إضافية. فإذا استثنينا المنتخب الإيفواري المنتخب «الكبير»، والذي يحتل مركزا متقدما في تصنيف المنتخبات العالمية، كما أنه كان المنتخب الوحيد الذي نجح في حصد العلامة الكاملة في الإقصائيات عبر ست انتصارات، فإن الأمر لا يصدق على منتخب غينيا الاستوائية الذي يظل فريقا صغير أو بتعبير آخر «على قد الحال». لكن هذا المنتخب الذي لم يكن ليحلم بالتأهل إلى المونديال الإفريقي إلا باعتباره أحد البلدين المنظمين، قلب طاولة التكهنات على الكل -وربما حتى على الفريق ذاته-. منتخب ينتمي للمدرسة الإسبانية ويحتل المركز الخمسين بعد المائة عالميا، تمكن في ثاني جولات مجموعاته من حجز بطاقة التأهل إلى دور الربع على حساب المنتخب السنغالي، فيما كان المنتخب الزامبي هو الآخر اسما قويا على الساحة المؤثثة للبطولة، إذ أن منتخب «التماسيح» الذي يملك رقما مشرفا من حيث المشاركات، يرغب في تذوق طعم الكأس السمراء. وبالتالي فمساره إلى الآن يبقى جيدا بالنظر إلى أنه كان وراء إقصاء المنتخب السنغالي، بل إنه كان قريبا من مرافقة غينيا الاستوائية إلى الدور القادم، لولا استماتة ثوار ليبيا الذين أجبروا الرصاصات الزامبية على التعادل. المستوى العام لدور المجموعات بنظر المحللين وخبراء المستديرة بالقارة السمراء يبقى «ضعيفا» ولم يرق إلى تطلعات المشاهدين على مختلف ألوانهم وجنسياتهم، فمنتخبا الكوت ديفوار وغانا اللذين يعدان على رأس لائحة المرشحين للقب، لم يقدما ما كان المنتظر منهما من حيث الأداء العام خلال اللقاءات التي خاضاها، مقابل مستويات لافتة من طرف غينيا الاستوائية وزامبيا، ويمكن أن نضيف منتخبات أنغولا والغابون ومالي التي أعلنت مبدئيا من خلال مستواها أنها تريد المنافسة على تأشيرة العبور إلى الدور الثاني، وليس فقط لعب دور هامشي بالبطولة كما هو الحال لمنتخبات ليبيا والنيجر وبوركينا فاسو، ودون أن نغفل أن منتخبي بوتسوانا والسودان أحرجا منتخبا «الأفيال» و»النجوم السوداء» بروحهما القتالية وأدائهما البطولي. صحيح أن المباريات لم تستكمل بعد وما تزال جولة ثالثة على استكمال لقاءات الدور الأول، إلا أن معالم المتأهلين إلى دور الربع بدأت في الظهور، كما هو الشأن بالنسبة للمنتخبات التي ستحزم أمتعتها لمتابعة ما تبقى من منافسات العرس الإفريقي عبر التلفاز، كما أن العمل على إصدار أحكام عن المرشحين للقب صعب إلا بعد استكمال دور المجموعات، لأن غدر كرة القدم عودنا على مفاجآت ليست في البال.. واسألوا السنغال. ولعل العبرة التي يمكن أن نصل إليها من النتائج المسجلة إلى الآن، أنه ليس من المستبعد أن تعتلي إحدى المنتخبات «الصغيرة» العرش الإفريقي، رغم أن هذا لا يلغي حظوظ الكبار في انتزاع اللقب الإفريقي. لكن هذا الأمر يبقى رهين مجموعة من العوامل التي يجب أن تتوفر في المنتخب البطل، والتي قد نعدمها عند منتخبات كبيرة .. منتخبات ترى ويراها الناس مرشحة على الورق للتتويج، غير أن ذلك ما يلبث أن يزول على أرض الواقع، لنجد أن كرة القدم قررت إنصاف الصغار ومنحهم الفرصة لمزاحمة الكبار .!!!