أحسن نموذج لتدبير شؤون المدينة يتجسد في إشراك المنتخبين والساكنة شدد وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة نبيل بنعبد الله في اللقاء الشهري الذي تنظمه جمعية «المغاربة المتعددون»، على أهمية تحديد المبادئ الأساسية التي تشكل سياسة المدينة، وتأخذ بعين الاعتبار محاربة الإقصاء الاجتماعي، ودمج السكان وليس وضع فئات منهم في الهامش، الذي من شأنه أن يشكل بؤرا للتوتر، عوض أن يكون حلا لأزمة السكن. وتحدث بنبعد الله في هذا اللقاء الذي احتضنه فضاء الصقالة بالدارالبيضاء، أول أمس الخميس، عن جوانب من التاريخ المغربي المرتبط بسياسة المدينة، مشيرا إلى أنه كان هناك تفكير في هذه السياسة وبأن مدننا القديمة لم تبن بشكل عشوائي، بل تم ذلك بشكل لبى انتظارات اجتماعية، واحتضن ساكنة عاشت في وئام خلال القرن الماضي، وهو إن كان قد تم طبق وضع استعماري، غير أنه مبني على أسس معينة. وطرح بنعبد الله إشكالا يتمثل في مدى تفكيرنا في سياسة المدينة بشكل عملي، أمام تدبير الضغط الذي فرضه التطور الديمغرافي؟ وذكر بهذا الصدد أنه خلال الخمسين سنة الأخيرة، كان هناك تطور هائل في مدينة الدارالبيضاء على سبيل المثال، حيث أصبح هذا الفضاء يضم ما يناهز ستة ملايين نسمة، غير أن تدبير هذا الضغط لم يتم بالشكل الذي كان ينبغي أن يكون عليه، وأنه كان ينبغي استباق الأحداث، وتوجيه المدينة لمواجهة المشاكل الاقتصادية وما إلى ذلك، عن طريق خلق فضاء إدماجي لاحتضان فئات اجتماعية مختلفة وبمستوى معيشي مختلف كذلك، وفق سياسة التقائية. وأقر وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة بصعوبة تحديد سياسة نموذجية للمدينة عند معالجة ضغط طلب السكن، سواء تعلق الأمر بمدينة كبيرة أو صغيرة، فهناك وضع ضاغط يتطلب مستوى معينا لتدبيره، من تجليات هذا الوضع: مدن الصفيح، السكن العشوائي، السكن المهدد بالانهيار.. وبالتالي فإن تحديد سياسة المدينة، يستدعي توجها على مدى عشر سنوات، مذكرا بأن الحلول المقدمة حاليا، تتمثل في السكن الاجتماعي لاحتضان قاطني مدن الصفيح، غير أنه أقر بالمشكل الأساسي الذي يعترض مثل هذه الحلول، والمتجسد بصفة أساسية في نقص الوعاء العقاري، فضلا عن تعنت القاطنين الذين لا يقبلون الانتقال من مساحة إلى أخرى أصغر، والتحايل للحصول على شقة إضافية. وركز نبيل بنعبد الله على أهمية التدبير الذي يقوم على أساس مدينة إدماجية، وعيا منه بأن السكن ليس الحل الوحيد، بل لا بد من العمل على الإنسان، من منطلق أن كل السياسات العمومية تتمحور حوله: النقل، التعليم، الصحة، الشغل.. وبالتالي فإن سياسة المدينة تقتضي عدة متدخلين وهنا مكمن صعوبتها. وفي هذا الإطار، ذكر أنه في سياق الديمقراطية، فإن أحسن نموذج لتدبير شؤون المدينة، يتجسد في إشراك المنتخبين والساكنة. ودعا إلى وجوب القطع مع سياسة الهروب إلى الأمام، التي كانت منتهجة قبل عقدين أو ثلاثة عقود، في ما يخص تدبير سياسة المدينة، وأنه لا بد من البناء على أساس أهداف لحل المشاكل الهيكلية، من خلال إشراك كافة المتدخلين، وهذا يلزمه وقت. وعرف هذا اللقاء الذي أقيم مساء الخميس الماضي، منح جائزة الالتزام لرضا مراق، وهو بطل مغربي في فنون الحرب، من ساكنة المدينة القديمة بالدارالبيضاء، وقد منحت له هذه الجائزة بالنظر لمبادرته في مساعدة الفئات الاجتماعية التي توجد في وضعية صعبة، حيث أسس لهذا الغرض جمعية تسمى سبيريت، واستطاع أن يتحدى مختلف المعيقات التي اعترضت طريقه. كما عرف هذا اللقاء تدخل مجموعة من الفاعلين في الحقل الاجتماعي والثقافي: فرانسواز باستيد، خالد جمال، جمال عبد الناصر، حيث تحدثوا بدورهم عن سياسة المدينة، واعتبروا أن الأولويات التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار لتدبير ذلك، هو أن تكون هناك رؤية ثقافية، تأخذ بعين الاعتبار تعدد الفئات الاجتماعية. كما تمت الإشارة في مداخلاتهم إلى أهمية أن تكون لكل مدينة على حدة طابعها الخاص، يميزها عن غيرها من المدن، إلى جانب الحرص على أنسنة المكان.