اطلع صاحب الجلالة الملك محمد السادس، على مشروع تجديد المسرح البلدي لمدينة الجديدة الذي تبلغ كلفته 7.45 مليون درهم. المشروع الذي سيتم إنجازه خلال ستة أشهر، يروم المحافظة على التراث التاريخي لمدينة الجديدة والنهوض بالشأن الثقافي بها، كما يتضمن المشروع إعادة تأهيل البناية وترميمها وتمكين المسرح من مختلف التجهيزات الخاصة. وسيتم إنجاز المشروع في إطار شراكة بين المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية والمجلس الإقليمي والجماعة الحضرية للجديدة والجماعة القروية لمولاي عبد الله. وسيتم تدبير المسرح، الذي يتسع ل 500 مقعد، من طرف هيئة مستقلة ستسهر على النهوض بالإبداع الفني بمدينة الجديدة. ويعتبر المسرح البلدي بمدينة الجديدة من المعالم التاريخية والرموز الثقافية التي مازالت شاهدة على أزهى الحقب التي عرفتها المدينة في الربع الأول من القرن العشرين باعتبارها أول بناية تم تشييدها لاحتضان حفلات الأفراح والعروض الفنية والمسرحية، و»الخالة التي تزين خد مدينة الجديدة «على حد تعبير المسرحي المتميز الطيب الصديقي. المسرح البلدي، وإلى حدود السنوات الأخيرة لم يكن يحمل سوى الاسم والواجهة في غياب تام لأي اهتمام من شأنه أن يعيد إليه الحياة على مستوى البنية التحتية والتجهيزات وكذا العروض والندوات التي طالما حبل بها لسنوات، وبقي على هذه الحال بسبب الصراعات الفارغة التي تعرفها مجالس ودورات المجالس المنتخبة والجهات الوصية على قطاع الثقافة والفن بهذه المدينة. المسرح الذي وضع حجره الأساس سنة 1920 كخطوة جريئة سعت إليها الإدارة الفرنسية ءانداك من أجل أنسنة الفضاء، كان مخططا كمجال إداري بامتياز لاحتواء مؤسسات من قبيل «بيرو عراب» مركز البريد وإدارة الجمارك والأشغال العمومية وبنك المعرب وبوابة الميناء، قاعة من هذا القبيل ستعطي حياة أخرى للمواطن إذ أنه لا يحس بإدارة فحسب بل حتى بالفن ليكون التأسيس سنة 1925 ويخصص لحفلات الرقص المعدة لأعيان المدينة من فرنسيين وعائلات المجتمع الأرستقراطي حاملا اسمsalle des fêtes أو «الساندوفيل» نسبة «سال دي فيت» كما كانت تسميها العامة من الناس آنداك. وفي سنة 1930 تحولت القاعة إلى مسرح، حيث عرفت أول عرض مسرحي في تاريخها بتاريخ 15 يوليوز 1930 « ...malade « للكاتب العالمي موليير أدتها جمعية فناني مازكان الفرنسية والتي كان رئيسها هو أول مدير لهذا المسرح، وظل على هذا النحو طيلة سنوات، لا يعرض سوى مسرحيات فرنسية لحدود سنة 1946، حيث عرف تقديم أول عمل مغربي كان تحت عنوان «إزاحة أمين» « suppression d`amine» لجمعية المسرح بالجديدة من إخراج إدريس لمسفر؛ وبعد سنة من هذا العرض أدت مجموعة مكونة من اليهود المغاربة المقيمة بالجديدة عرضا تحت عنوان «ابن الشاوية « للمخرج حايم ليعرف مسرح الجديدة بدء من سنة 1950 تحولا في مساره وعطاءاته من خلال مجموعة تظاهرات فنية مغربية وأجنبية إلى جانب ورشات في التكوين المسرحي. إلا أن مسرح الجديدة لم يعرف انطلاقته المغربية الفعلية إلا غداة الاستقلال، حيث عرفت فيها البناية مجموعة تحولات على مستوى معمارها الهندسي، وفي نهاية الستينيات من القرن العشرين تم تعيين الفنان الراحل محمد سعيد عفيفي مديرا لهذا المسرح وعرف خلال هذه الفترة أزهى أيامه بفضل مجموعة من الفنانين الذين تواكبوا عليه وسطع نجمهم فوق ركحه كفرقة أصدقاء المسرح الفرنسي وفرقة المعمورة، إلى جانب مجموعة من نجوم المسرح العالمي والعربي أمثال ;Richard burton وElisabeth Taylor وعميد المسرح العربي المرحوم يوسف وهبي وغيرهم كثير.. كما قام سعيد عفيفي بتأسيس فرقة مسرحية مؤلفة من مجموعة من الفنانين بمدينة الجديدة ونواحيها أمثال إدريس السملالي، عبد الله ندام، صيكوك مصطفى، محمد الدرهم، محمد بنبراهيم، محمد براضي، أمينة نيازي، مازور، وآخرين ساهموا في إغناء الحقل المسرحي وتطويره وقدموا عروضا نالت إقبالا منقطع النظير كعرض «البخيل» و»نوادر جحا» وهامليت»... لتتوالى السنوات ويغادر سعيد عفيفي ويحل محله آخرون لم يستطيعوا مسايرة الركب الذي سار عليه سلفهم بسبب غياب هيكلة واضحة المعالم للمسرح كمؤسسة فنية تتطلب إدارة قارة وميزانية للتسيير والإنتاج والتنشيط، الشيء الذي جعل البناية إلى يومنا هذا تعيش تحت وطأة التهميش واللامبالاة من قبل مسؤولي المدينة الذين تعاقبوا على تدبير الشأن المحلي بعاصمة دكالة.