بعد عودة الحزب الشعبي إلى سدة الحكم بإسبانيا إثر فوزه الكاسح في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 20 نونبر الماضي، تدخل العلاقات المغربية-الإسبانية مرحلة جديدة ضمن منظومة من الثوابث التي تصمد أمام جميع التقلبات التي قد تشهدها من حين إلى آخر. وتتجسد هذه الثوابت في العلاقات التاريخية والثقافية والحضارية الراسخة بين الشعبين الإسباني والمغربي، والتي يصنفها التاريخ المعاصر في خانة «أكبر العلاقات المتجذرة في تاريخ الشعوب»، كونها تبقى أقوى من أي أزمة سياسية قد تعكر صفو العلاقات بين البلدين. كما أن حسن النوايا التي أعرب عنها الطرفان من خلال جعل المصالح العليا للبلدين فوق أي اعتبار دليل قاطع على أن ما يجمع المملكتين أكثر مما يفرقهما، وهو الأمر الذي ظلت معالمه واضحة بعد الاتصالات الأخيرة التي أجريت على أعلى مستوى لتثمين هذه الروابط وإعطائها دينامية قوية. وتؤكد هذه الاتصالات أنه مهما تداولت التيارات السياسية على سدة الحكم في إسبانيا فإن ذلك لا يؤثر على علاقاتها بجارها الجنوبي. من جهته، ترجم المغرب موقفه الثابت في عدة مناسبات، ولاسيما وقوفه إلى جانب ساكنة منطقة غاليسيا (شمال إسبانيا) عام 2002 بعدما أصاب الشلل جميع الأنشطة المرتبطة بالصيد الساحلي في المنطقة جراء غرق ناقلة النفط «بريستيج» المحملة ب77 ألف طن قبالة سواحلها والذي أدى إلى تلوث مئات الكيلومترات من السواحل. ولأن التاريخ يعيد نفسه، وبعد مرور عشرة سنوات على هذا الحادث، دعت اللجنة المغربية-الإسبانية لمهنيي الصيد البحري، مؤخرا ببلدة بارباطي (إقليم قاديش) إلى بدء مفاوضات «سريعة» من أجل التوصل إلى اتفاق جديد للصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لصالح الطرفين. وسيستفيد من هذا الاتفاق حوالي 600 صياد حرمهم قرار الاتحاد الأوروبي القاضي بعدم تمديد اتفاقية الصيد البحري في عز أعياد السنة الميلادية الجديدة، من ضمان لقمة العيش، مما أدى لوقف تزويد الإسبان بالمنتوجات البحرية التي يقبلون على استهلاكها بشكل كبير وفي سياق هذه الروابط، أكد وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي أن الزيارة التي يقوم بها رئيس الحكومة الاسبانية الجديد إلى المغرب يومه الاربعاء تعكس «الإرادة القوية» التي تحذو البلدين للعمل سويا من أجل تطوير العلاقات الثنائية. وبدورها أكدت نائبة رئيس الحكومة والناطقة باسمها سورايا دي سانطا ماريا، أن بلادها تطمح من خلال الزيارة الرسمية التي يقوم بها الراخوي للمغرب إلى تعزيز علاقات حسن الجوار مع المملكة المغربية، مبرزة الإرادة التي تحذو حكومة بلادها من أجل تعزيز وتوثيق علاقات التعاون مع المغرب في شتى المجالات. وسجلت أن قرار رئيس الحكومة الاسبانية تخصيص أول زيارة له إلى الخارج للمغرب يندرج في إطار تقليد سار عليه رؤساء الحكومات السابقة. ويؤكد هذا التوجه ما كانت قد أكدته وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة ترينيداد خيمينث، عندما عبرت عن قناعتها بأن العلاقات بين بلدها والمغرب لن تتغير مع بداية حكم الحزب الشعبي وكذا فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية المغربية، قائلة إن حكومة ماريانوراخوي المحافظة ستحافظ على العلاقات الجيدة بين البلدين خلال السنوات المقبلة. كما يشكل الشق الاقتصادي الخيط الناظم لهذه العلاقات، والذي يتمثل في تدفق الاستثمارات الاسبانية على المغرب وارتفاع وتيرة التعاون الاقتصادي بين البلدين، مما جعل هذا البلد الإيبيري المستثمر الأول في المغرب. واستنادا لوزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، فإن الارتفاع الذي حققته الاستثمارات الاسبانية يعود بالأساس إلى الحملات التواصلية التي قام بها المغرب في إسبانيا من خلال الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات. ودعم هذا التوجه افتتاح الغرفة المغربية للتجارة والصناعة والخدمات باسبانيا، مؤخرا بمدريد، والتي تتوخى توسيع المبادلات التجارية بين البلدين. وفي هذا الصدد، قال المدير العام للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات فتح الله السجلماسي إن إسبانيا تحظى بالأولوية في الاستراتيجية الترويجية للوكالة للنهوض بالاستثمارات في أفق 2015. ووفق الإحصائيات الأخيرة للمعهد الاسباني للتجارة الخارجية، فإن إسبانيا تعتبر اليوم الشريك التجاري الثاني للمغرب حيث تجاوز حجم المعاملات ستة ملايير أورو سنة 2010. وحسب المعهد، فإن عدد الشركات الاسبانية المتواجدة بالمغرب يتجاوز 800 شركة بمختلف أحجامها تتنوع أنشطتها ما بين قطاعات الأبناك والطاقة والاتصالات والسياحة والمعادن والصناعة الغذائية والملابس والنفط والغاز والعقار والبناء. وشكل الاستثمار في المغرب 37 في المائة من حجم الاستثمار الإسباني في القارة الإفريقية.