كيف، لماذا وإلى أين؟ لم يثر هذا الموضوع للنقاش سواء داخل الأوساط الرياضية عموما، أو بين من سخرهم الله للرياضة فأصبحت الرياضة مسخرة لهم. فإثارة الموضوع أو حتى التفكير فيه من غير شك سيثير أكثر من سؤال لدى من يظن انه الوصي أو أنهم الأوصياء على الرياضة بأسفي، شأنهم في ذلك شان الذين أصبحوا أوصياء سياسيا وهلم جرا أوصياء. * لنبدأ بالسؤال: من يكون الوصي أو الأوصياء؟ - قد يبدو السؤال غريبا، أو هكذا يخيل للقارئ أو وهلة، لأنه لم يعد هناك مجال لفرض الوصاية أو الحجر على أي كان، في ظل الأجواء الديمقراطية التي تعيشها البلاد سياسيا، فبالأحرى رياضيا، لكن الوضع مختلفا تماما في الرياضة جامعات مصطنعة ومحبوكة، عصب تنام وتصحو على تشكيلة مكاتب جديدة، أندية وجمعيات رياضية تخضع لمنطق «مول الكرة»، لأنه من الخطأ الاستمرار، في القول أن هناك وزارة وصية على القطاع، فهذا موضوع فيه نظر، وسنفرد له جانبا من التحليل والمناقشة حول ما أصاب الرياضة المغربية في زمان وصايتهم على قطاع الشباب والرياضة. فحالة أسفي ليست بالحالة المعزولة وطنيا، بل تكاد تجد لها شبيها هنا وهناك وبدرجات متفاوتة، وما يهمنا هو أسفي بالذات والصفات. جميل أن يخلق البعض لنفسه حاشية، وعند التقزز في الحديث لوبيا قويا يدافع عنه وعن مصالحه، هذه المصالح التي تختلف أشكالها وأنواعها ومصادرها والتي تتقاسم وتتداخل مع مصالح أخرى يحكمها سياق المصالح المتبادلة (سياسية، تجارية، اقتصادية، منافع وهبات وإكراميات واقتصاد ريع وأشياء أخرى). لكن»ليس» بجميل أن يصنع لنفسه، وأن يصنعوا لأنفسهم هالة لا تقهر قد تصل إلى درجة التقديس وأن لاشيء غيره أو غيرهم ومن بعده، أو من بعدهم الطوفان، مع العلم أن الحقيقة بخلاف ذلك، إنها مجرد تهيئات ليس إلا، امتزج فيها حب الذات بالخوف عن المصالح والنسيان في دائرة الاهتمام المحلي والجهوي أو الوطني. هذا الوصي أو هؤلاء الأوصياء عن الرياضة بأسفي منهم الخفي ومنهم المعلن، وبدرجات حولوا الرياضة إلى ضيعة وحقل تجارب لهم دعامات أساسية أفقية وعمودية، غزت الوسط الرياضي في لحظة فراغ ونسجت خيوطا أشبه بالخيوط العنكبوتية أو أكثر، يصعب بل يستحيل اختراقها، فهي تتناسل وتتوالد وتتكاثر ضمانا لاستمرارية وجودهم كفكر، وكمنهج وكأسلوب عمل وكوصاية ضمانا للحفاظ على المصالح المرتبطة بالرياضة عموما. * كيف أصبح لهذه الرياضة وصي أو أوصياء؟ - السؤال مدهش وخطير، والإجابة عنه أكثر مما يعتقد أي دارس أو محلل للوضع الرياضي عامة ومدينة آسفي على وجه الخصوص، هذا الوضع الذي تتجاذبه تيارات تختلف حدتها بين شمالية شرقية وجنوبية غربية وأفقية عمودية، إلى غير ذلك من المصطلحات التي تجاوزت في مداها ما يقدمه الخبير في الأرصاد الجوية «شعشوع». فلا أحد كان يتصورا يوما أن ينام ويستيقظ، فيجد للمدينة أسوار جديدة وأبواب جديدة مفاتحها في أيدي الوصي أو الأوصياء، لا يدخلها إلا من يملك «فيزا» أعني تأشيرة الدخول إلى داخل القلعة المحصنة، وقد جندوا لذلك الخدم والحشم من بيض وسود وهنود ومشعوذين ومشاغبين ودجالين وسحرة ومجانين إلى غير ما تجود به أفكارهم من تحصين ومناعة لهم ليس إلا. إنها الحقيقة والحقيقة أم العجائب هذه «كيف» لا نجد لها تفسيرا خارج دائرة القانون والأعراف والقيم كل من قرأ الكتاب فهيم. لنفرض جدلا أن الانتخابات التشريعية ل25 نونبر 2011، لم تجر أبدا ويتم فقط تعيين رئيس حكومة جديد ووزراء ورئيس برلمان إلى غير ذلك، هل فعلا هذا هو المغرب الجديد الديمقراطي الحداثي الذي سجلا سبقا حضاريا على مستوى الخريطة العربية، بل وأبعد من ذلك، فلماذا هذا الاستثناء في الرياضة بدءا من الجامعات الرياضية إلى الجمعيات الرياضية نفس الوجوه، نفس الكلام نفس التقارير، نفس النتائج مع اختلاف في التاريخ المغرب تغير سياسيا، وريح التغيير لم تنل من الرياضة على جميع المستويات. * كيف قدر للرياضة بأسفي أن يكون لها أوصياء؟ - إنها الغرابة بعينيها، بل أشد من الغرابة، أن تجد من يصر أن يكون للرياضة وصي بل أوصياء، داعمها الأساسي قوة المال أو السلطة، أو تكوين جوقة من الحياحة. اعتقادا منه أنه سيضمن وجوده بل الاستمرارية، وأن لوجدوه أو لوجودهم أساس وحضور ومركز قوة داخل المجتمع؛ مع العلم أن الأمور تدار من هناك أو من هنالك، أو حتى عبر الأقمار الاصطناعية، وهنا لابد من أن أسوق تجربة عاشتها الكرة المغربية في بداية الثمانينات، مع الفرنسي جوست فونتين، حيث كان يساعده كل من حمادي حميدوش محمد جبران في تدريب المنتخب المغربي لكرة القدم. فقد كان يستعمل الهاتف من هناك.. من فرنسا ولا يحضر إلا حين تشمس سماء المغرب، وهو المغرم بمراكش، هل عرفتم السبب الحكاية طويلة ومعقدة، وهي ما تعيشه الكرة المغربية اليوم مع غيريتس وبيم فيربيك، بل تعيشه الرياضة المغربية عموما. فحتى داخل الأندية، نجدهم يقلدون لعبة اسمها الوصاية الرياضية وتظهر جلية في المدن الصغيرة والفريق الصغيرة، «وهكذا هي الأمور تبدأ ولا تكاد تنهي» كما يقول إعلاميو قناة الرياضية «لتحلق من جديد بأنماط تفكير جديدة... فهل في الزمن الحالي يمكن أن نقبل بالأسلوب الحالي في التسيير الرياضي تعليمات فوقية، توجيهات فوقية، إملاءات فوقية، وضغوطات وحتى العبارة البالية «كل ما من شأنه» وهو ما لا يتفق والمغرب الجديد، لكن من غير المقبول اغتصاب الشرعية والدوس على القوانين والأعراف والقيم تحت شعار الديمقراطية والحرية واستعمال شعارات مستوردة غير مفهومة وغير محسوبة العواقب والنتائج بل وغير مبررة بالمرة... * إلى أين تسير الرياضة في ظل الأوصياء؟ - أي الطرق يمكن أن نسلكها لتجنب هذه الفوضى في التسيير والتدبير: - هل نحترم القوانين الأساسية للجمعيات وما تفرزه من أجسام غريبة في التسيير والتدبير بخلق كيانان وهمية اصطلح عليها تجاوزا بالمنخرطين والانخراط منهم براء. - هل نحتكم إلى الجموع العامة والتي أصبحت عبارة عن وليمة أو ركن تعارف اوفتح خانة في ملفات شاهد إثبات للتأريخ لمرحلة سابقة وأخرى لاحقة لا احد يعرف دقائقها. - وهل نقدم القرابين لكي تجود علينا الجهات المانحة والمحتضنة بمتقاعدين لنسف كل الأساليب الديمقراطية وسلوك سبيل النخبوية والولائية وهلم جرا شطحات ونميمة ودسائس محبكة السرد. - أم نقبل بأسلوب التعيينات والاقتراحات الفوقية جانبها سلطوي وآخر مالي وهو ما لا يمكن أن نجد له تبريرا في الظرف الراهن والتطور الديمقراطي للمغرب والذي يعتبر استثناء في الخريطة العربية، تحت غطاء أي تفسير أو تعليل أو تبرير. - وهل نفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب ليقترح ويتمرد ويعلن نفسه الأجدر والأولى بالتسيير «وأنه يفهمها وهي طايرة» ضد على القانون والمبادئ والقيم يكفيه الإعلان عن نفسه معارضا ليس إلا... * لحظة من فضلك: - كتبت في مناسبة سابقة أن فريق اولمبيك أسفي لكرة القدم في حاجة إلى مكتب كفاءات وليس تشكيلة انخراط، فالتجارب أكدت بالملموس فشل نمط نوع من التسيير، يعتمد أسلوب الانخراطات، مع ما يرافق ذلك من محاباة واخوانيات وزبونية ومصالح متبادلة، تختلف درجتها ونمطها وإيقاعها، والعمل المؤسساتي هو السبيل الأوحد للخروج من هذه الأزمة، «وهي حالة ليست الاستثناء بالنسبة لأسفي، بل تكاد تكون حالة مغربية صرفة»، أزمة اسمها كرة القدم فضاعت باقي الرياضات إلى الدرك الأسفل ولم يعد لها وجود أو اندثرت من الوجود كألعاب القوى وكرة السلة والروكبي والجمباز وكرة اليد إلى غيرها من الرياضات التي كانت تعطي لآسفي التميز والحضور. فليست كرة القدم وحدها من تكتسح المجال وتحظى بالأولوية والاهتمام وتجند لها كل الطاقات والموارد، بينما نجد المدينة في حاجة إلى فتح دينامية جديدة تعتمد مقاربة شمولية لواقع الرياضة والشباب من دون وصاية من أاحد ومن دون إملاءات، لكن بتوجيه سليم وعقلاني لا يعتمد المقاربة المصلحية أبدا. آخر الكلام: ليس كل من طلب السعادة نالها. وليس كل من قرأ الكتاب فهيم.