لتمويل مشاريع المونديال.. المغرب يعود لسوق السندات الأوروبية لاقتراض أزيد من ملياري أورو    باستثناء العقارية.. معظم أنواع القروض البنكية بالمغرب تشهد تسارعا في فبراير    الأمم المتحدة: مقتل 830 فلسطينيا في غزة خلال 8 أيام بينهم 496 امرأة وطفلا    العامل المنصوري يبشر بمشروع "مدينة الترفيه والتنشيط" لتطوير إقليم تطوان وخلق فرص للشغل    تحويلات مغاربة الخارج تتجاوز 17.8 مليار درهم وتراجع طفيف في الاستثمارات بالخارج مقابل ارتفاع قوي في تدفقات الاستثمارات الأجنبية بالمغرب    عبد الرحيم.. نموذج مشرف للأمانة يعيد عشرة ملايين سنتيم إلى صاحبها في سوق إنزكان .    الوداد يتجاوز الفتح ويضرب موعدا للماط في ثمن نهائي كأس العرش    محكمة الاستئناف ببرشلونة تبرئ اللاعب ألفيس من تهمة الاعتداء الجنسي    مدينة طنجة ضمن أفضل 10 وجهات سياحية عالمية لعام 2025 وفق مجلة ألمانية مرموقة    أوساسونا يطعن في مشاركة مدافع برشلونة مارتينيس    الحسيمة.. إحباط عملية للهجرة غير المشروعة عبر المسالك البحرية    تألق ليلة القدر في رمضانيات طنجة الكبرى: روحانية، تراث وتكريم لذوي الهمم    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    المشاورات غير الرسمية لمجلس السلم والأمن الإفريقي: البلدان التي تمر بانتقال سياسي تشيد بريادة المغرب وحنكته الدبلوماسية    استطلاع رأي يكشف مخاوف الفرنسيين: الجزائر تشكل تهديدًا جديًا لأمن فرنسا    رفع الإيقاف عن مهدي بنعطية    الديوان الملكي يعلن عن ثلاث تعيينات جديدة    اعتداء على أستاذة بآرفود.. تلميذ يهاجمها بالسلاح الأبيض والشرطة تتدخل    الحكومة تصغي لمعالم إصلاح التعليم .. وتوسع اختصاصات قطاع الاتصال    مسلسل "على غفلة" يجذب الجمهور    استفزازات دبلوماسية خطيرة .. الجزائر تجر المغرب إلى المواجهة العسكرية    عمرو خالد: هذه تفاصيل يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.. مشاهد مؤثرة ووصايا خالدة    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل إحياء ليلة القدر المباركة بمسجد المسيرة الخضراء    شهر رمضان.. وكالة بيت مال القدس الشريف تقدم حصيلة حملة المساعدة الإنسانية في القدس    144 قتيلا جراء الزلزال في ميانمار    من أجل استئناف الحوار الاجتماعي.. أخنوش يجري اتصالات مع الأمناء العامين للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية وقيادة الباطرونا    المدرسة الرائدة بالوداية .. نموذج مبتكر يعيد الثقة في التعليم العمومي    تاونات.. موسم فلاحي واعد بفضل التساقطات المطرية الأخيرة    بخصوص ما قاله الكاتب الأول عن فلسطين الآن!    عامل إقليم الحسيمة يحيي ليلة القدر المباركة بمسجد محمد السادس    مستقبل الدولي المغربي سفيان أمرابط بات على المحك … !    تفاصيل حريق بمطار محمد الخامس    عون يبرئ حزب الله من إطلاق النار    تفاصيل تزويد المغرب ب 18 قطارًا    دنيا بوطازوت تنسحب من تقديم "لالة العروسة" بعد أربع سنوات من النجاح    بورقية وبوعياش وبلكوش .. الديوان الملكي يعلن عن تعيينات جديدة    إغلاق 531 محلاً وملاحقة 327 مخالفاً في حملات مراقبة الأسواق برمضان    السعيدية.. تسليط الضوء على الندوة الدولية حول تطوير الريكبي الإفريقي    إسبانيا تعلن عن ملف مشترك مع المغرب والبرتغال لتنظيم بطولة عالمية جديدة    ارتفاع حصيلة زلزال بورما إلى 144 قتيلا    العجز التجاري للمغرب يقفز إلى 50.7 مليار درهم عند متم فبراير    رامز جلال في رمضان والكاميرا الخفية المغربية .. مقلب في الضيوف أم في المشاهد؟    وزارة الداخلية.. إغلاق 531 محلا ومصادرة 239 طنا من المنتجات غير القانونية    العرض ماقبل الأول لفيلم «مايفراند» للمخرج رؤوف الصباحي بسينما ميغاراما    مباريات كرة القدم للتأهل إلى المونديال إصابة أكرد تدمي قلب مشجع ستيني    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    تيك توك تطلق منصة تسوق تفاعلية في أوروبا    عودة أسطورة الطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي في عرض يعد بالكثير    الأردن وزواج بغير مأذون    باحثون يكتشفون رابطا بين السكري واضطرابات المزاج ومرض ألزهايمر    كرة القدم لعبة لكنها ليست بلا عواقب..    سكان المغرب وموريتانيا أول من سيشاهد الكسوف الجزئي للشمس السبت    "الرزيزة" .. خيوط عجين ذهبية تزين موائد ساكنة القصر الكبير    أوراق من برلين: فيلم "طفل الأم".. رحلة تتأرجح بين الأمومة والشكوك    فن يُحاكي أزمة المياه.. معرض فني بمراكش يكشف مخاطر ندرة الماء والتغيرات المناخية    رسالة إلى تونس الخضراء... ما أضعف ذاكرتك عزيزتي    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تودع شكاية لفائدة طفلة أُصيبت بالسيدا عقب عملية جراحية    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ العلاقات المغربية الإفريقية .. الجذور والامتدادات – الحلقة 2-
نشر في بيان اليوم يوم 24 - 03 - 2024

من الواضح، وحسب ما يشير إليه أحد الدارسين، في أنه لا يمكن أن نفهم تصور مغاربة القرن الماضي لموقع بلدهم على وجه الأرض، إذا لم نعرف بالتدقيق اتجاه الطرق المتبعة في الأسفار، وتلك الطرق هي في الحقيقة منذ قرون، أرضية وسماوية في آن واحد، طرق المراحل ومنازل النجوم. من هنا يمكن فهم اعتماد المغرب عاصمتين، تعتبران رأسي طريقين اثنين: طريق يربط المغرب بمنزل الوحي، وطلب العلم، والحج. وطريق ثان يربطه بالعمق الإفريقي. الأول جنوبي شرقي، والثاني جنوبي غربي، الأول ينتهي إلى فاس، والثاني إلى مراكش.
فالخريطة كما ترى اليوم، وكما فرضتها الصناعة الخارطوغرافية الغربية تطمس هذه الحقيقة، لهذا يجب أن نضع الخريطة موضع وجهة أخرى، كانت عادية في القرون السالفة. وجهة تحمل في الحقيقة مغزى تاريخنا العميق. فالخريطة الحالية تطمس بروز وأصالة الطريق الثاني، المنغرس في العمق الإفريقي. جاعلة منه طريقا متفرعا عن الأول، في حين أنه مواز له، مضاه له في التأثير على سكان المغرب واقتصادياته.
في هذه الدراسة البحثية، يحاول الدكتور المؤرخ محمد براص إبراز قيمة الجغرافية التاريخية في رصد تاريخ العلاقات بين الدول وخاصة بالنسبة للمغرب، الذي تؤطره أواصر قوية بمحيطه الإفريقي.
العلاقات المغربية الإفريقية بين إشكالية تعميم التعليلات القبلية عبر المصادر التاريخية وضعف الكتابة في الوقت الراهن
إن هذا الجرد السريع لتطور الاهتمام العلمي المغربي بالمجال الإفريقي، يحيل على سؤال مركزي وأساس لفهم عمق وطبيعة العلاقات المغربية الإفريقية على مستوى الدراسات والكتابة، الأمر يتمثل في تقويم طبيعة نظرة هذه الدراسات لهذه العلاقات في أبعادها المختلفة.
إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي وقتا أطول واستعمال استمارات واستبيانات. لكن على العموم يمكن القول إن عدد الدراسات المنجزة ما يزال قليلا مقارنة بالحقول المعرفية، وعدد الأطروحات التي تناولت جوانب من تاريخ المغرب، أو علاقاته مع العالم العربي أو أوربا أو أمريكا. لهذا فالبحث في إفريقيا أو العلاقات المغربية الإفريقية ما يزال متواضعا أو على الأقل في بدايته، وفق ما جاء في كتاب "الحركات الاستقلالية" لعلال الفاسي، وفصل فيها عبد الواحد أكمير تحت عنوان " إفريقيا جنوب الصحراء في فكر علال الفاسي" نشرها في العدد الأول من مجلة المغرب الإفريقي، سنة 2000.
كما أن الإشكالات المنهجية المرتبطة بتحديد طبيعة هذه العلاقات، ظلت قائمة، ولم تحلل وفق البناء التاريخي المركب، الذي لا يقزم دورها الحقيقي في ثنائيات فكرية بنيوية ظلت تواترها الألسن. بل تجاوزت الإطار العام للمعرفة، إلى الركون إليها من بعض المختصين. فذكر العلاقات المغربية الإفريقية يوازيه لدى البعض بشكل آلي منطق التجارة الصحراوية، بل هذا المفهوم الاقتصادي يحيل بدوره إلى مفهوم عيني مباشر، متمثل في كلمة الذهب، فهل تتلخص تلك العلاقات في الواقع على هذا المستوى كما توحي بذلك الكتب المتداولة؟ وفق ما ذهب إليه عبد الله العروي في كتاب "علاقات المغرب بإفريقيا".
يوضح أحد الدارسين أنه من مسلمات التاريخ الاقتصادي العام أن الحركة التجارية كانت قائمة في العالم القديم، منذ القرن التاسع الميلادي، عندما بدأت أوربا تستيقظ من السبات الذي لحقها، بعد خضوعها لحكم الجرمان إلى القرن الخامس عشر وبداية حركة النهضة، قامت أساسا على العملة الذهبية. عملة كانت تضرب في الشمال الإفريقي، من تبر يجلب في معظمه من إفريقيا عبر الصحراء. وهذا ما يفسر ظهور المغرب الأقصى كقوة فاعلة على الساحة الأوسطية. وهو ما يحيل من جانب آخر على حتمية وجود هذا الفعل الاقتصادي. لكن ذلك، لا يعني بالمقابل التأسيس له كبناء عام مؤطر لنوعية العلاقات المغربية الإفريقية. يضاف إلى هذا المحدد في تحديد الروابط، محدد آخر، تتمثله بعض الدراسات، وهو كلمة الرقيق، الموازية لمفهوم تجارة الصحراء.
إن حصر طبيعة العلاقات المغربية الإفريقية في هذه الثنائية، يمثل حيفا قويا للأصول والأبعاد التاريخية لتلك العلاقات، ويضعها موضع التعميمات والتعليلات الخاطئة. التي تتصف بالشطط، وعدم فهم البينة التاريخية في مضمونها التركيبي الأساس. وهو أمر فصَل فيه أحد الدارسين بدقة متناهية. حيث أشار أنه لا يجب الاعتقاد أن ما ينسحب على إفريقيا الغربية لابد أن يكون صحيحا بالنسبة لإفريقيا الشرقية. وما ينطبق على عصور سابقة، قد يكون مماثلا لما هو عليه الحال في العصور اللاحقة.
الواقع إن هذه المعطيات التي تضع العلاقات المغربية الإفريقية ضمن تعليلات تطبعها الشمولية والتعميم، مردها التحليل القبلي الذي تتبناه في منهاجها، أي سحب تعليلات مبررة في فترة معينة على فترات تبدو متشابهة، أو تفسيرات خاصة ببلد معين على بلد آخر قريب من الأول ثقافيا أو بشريا أو جغرافيا. ومن ثمة اعتبار بعض المظاهر المتواترة قوانين قارة، وهو ما يبعد الدارس على حقيقة الأمور، "فالثوابت" التي تلاحظ على فترة ما قد لا تبقى جارية في فترة لاحقة، فلا يفسر أحداث العهد الثاني بأسباب العهد الأول، فالتاريخ لا يحتمل إلا التعليل العيني الموثق، حسب عبد الله العروي (علاقات المغرب بإفريقيا)، الذي أكد في المرجع ذاته، على أن الخلط في المفاهيم وإسقاطها على المناحي نفسها، قد يفتح الباب على مصراعيه لعدد من المغالطات، فما ينطبق على كلمة "عبد" ليس بالضرورة هو ما يوازيه معنى "زنجي" أو إفريقي. فقد يكون "العبد" أبيض مثلا. وهنا لابد من التذكير أن قضية العبيد الأفارقة لم تطرح في المغرب إلا في القرن السابع عشر الميلادي، وقد ارتبط بمشكل النقص الديمغرافي. فلاشك أن تجارة الرقيق كانت معروفة في المغرب وفي إفريقيا عامة، وبالتالي كان الرقيق ضمن البضاعة المجلوبة من الجنوب إلى الشمال، دون أن تحتل الصدارة كما يتوهم البعض .
تؤطر العلاقات المغربية الإفريقية ضمن عدد من الدراسات بمفهوم أحادي آخر، يتمثل في تعميم تحديد مكونات التجارة الصحراوية، علما أن التقسيم العام لها يضعها ضمن مرحلتين أساسيتين، مرحلة صحراوية معروفة التفاصيل، ومرحلة إفريقية مجهولة. هذه التأويلات يرجع البعض منها إلى عهد هيرودوت اليوناني، وهي بالحرف التي يذكرها ابن بطوطة، رغم أن الفارق الزمني بينهما يفوق الثمانية قرون. مما يدعو إلى الحذر التاريخي في تقويم تلك العلاقات. سواء في المراحل التاريخية السابقة، أم ضمن ما يطبعها خلال تاريخنا الراهن من تحولات عميقة ونوعية. وفي ذلك تأكيد تاريخي واضح على طابع التطور المسترسل لعلاقات المغرب بإفريقيا من حقبة إلى أخرى.
إن العلاقات المغربية الإفريقية، لا تنحصر في التجارة، فهي كذلك علاقات وربما بالدرجة الأولى إنسانية وثقافية. فالتأثير المغربي في الحياة الاجتماعية الإفريقية قائم ولا شك، عبر مظاهر عديدة. كما نجد في المغرب أصولا كثيرة للثقافة الإفريقية المدونة، من دين وفقه وكلام وتصوف. فضلا عن عادات كثيرة إفريقية، منتشرة في جميع أنحاء المغرب، وفي كل أطوار وطبقات المجتمع. وهي موثقة حسب طبيعة "التوثيق" الذي يرتبط بالمكون السوسيولوجي "للمجتمعات الإفريقية الشفهية". تتجاوز الصور الثابتة التي تقدمها مجمل الدراسات. دون أن تلجأ إلى طابع التمييز بين جزئياتها، ورسم خط تطورها. فالتاريخ هو معرفة الجزئيات، وأيضا معرفة التطور، أي تبيان عتبات الانتقال من طور إلى آخر .
هنا تحضر قيمة المصادر التاريخية في تقديمها لعدد من المعلومات القيمة في هذا الباب، من قبيل كتب الرحالة كابن حوقل وأبي عبيد البكري والشريف الإدريسي وابن فضل العمري وابن بطوطة. وكتب المؤرخين كابن عذاري وعبد الواحد المراكشي وابن خلدون وعبد العزيز الفشتالي، ومن كتب الأدباء كالمقري والفقهاء كالونشريسي. وهي مصادر وإن كانت تقدم نصيبا مهما من المعلومات التاريخية، فإنها بدورها استكانت إلى عنصر مهم، وهو الروايات الشفوية. فاليعقوبي مثلا لما وصل إلى تلمسان نقل منها أخبار التجارة الصحراوية من دون معاينتها بشكل مباشر، فاقتصرت معلوماته على ما بلغه من الرواية الشفوية، ذات القيمة النوعية بالنسبة لمجال العلاقات المغربية الإفريقية، نفس الأمر ينطبق على ابن حوقل وغيره من الكتاب.
إن هذه المعطيات لا تفيد بالضرورة عدم صحة مادتهم التاريخية، بل تؤشر على قيمة المادة الشفوية في التأصيل لهذه الجوانب التاريخية. فتاريخ إفريقيا قبل الأوربي ظل مبنيا على الرواية الشفوية، فلا فرق بين البكري وهو يدون في القرن الحادي عشر الميلادي ما يسمع من أخبار، وبين الأوربي الذي في الوقت الراهن يقدم مادة مشابهة يستقيها من راوي قبيلة في قلب إفريقيا.
أن معظم تاريخ العلاقات المغربية الإفريقية قد كتب اعتمادا على الرواية الشفوية، وعلى الوثائق المادية، أي الكشوف الأثرية من جهة ثانية، ولن تعرف العلاقات المغربية الإفريقية بكيفية مفصلة، دقيقة، مرقمة، أي بكيفية تاريخية فعلا، إلا إذا اكتشفت خفايا الطرق والمحطات الصحراوية، ما دامت سجلماسة وتوات وتاودني وعشرات المحطات عن مسالك الصحراء، أسماء تحكى عنها قصص دونت في أوقات غير محدودة بقلم الرحالة، وأدرجت في كتب المؤرخين والأدباء، إلا وبقيت معلوماتنا حولها عامة . ومن ثمة ضرورة تكثيف الجهود للتنقيب عن الوثائق بالمعنى الدقيق في إفريقيا، والأمر لا يخص الوثائق الرسمية فحسب، بل يرتبط بوثائق التجار والزوايا والأعيان، وغيرها من المادة الموجبة للكتابة التاريخية السليمة.كل ذلك لدعم قيمة وأهمية تجذر العلاقات المغربية الإفريقية، في مناحيها المتعددة عبر مختلف الفترات التاريخية، فما طبيعة تلك الجذور ؟ وما قيمتها ضمن تطور الأحداث التاريخية للدولة المغربية؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.