المغاربة على موعد مع التاريخ لاستكمال مسيرة البناء الديمقراطي في أول انتخابات في ظل الدستور الجديد تتوجه أنظار العالم اليوم إلى المغرب، الذي يعيش «لحظة تاريخية» متميزة بتنظيم أول انتخابات تشريعية في ظل الدستور الجديد. فيما تحبس مختلف الأحزاب السياسية أنفاسها في انتظار ما ستسفر عنه نتائج صناديق الاقتراع التي ستفرز خريطة سياسية جديدة. وسيكون أزيد من 13 مليون و475 ألف ناخب مغربي في موعد مع التاريخ يومه الجمعة الذين سيختارون أعضاء مجلس النواب الجديد، 305 منهم سيتم انتخابهم برسم الدوائر المحلية، و90 منهم سيتم انتخابهم برسم الدائرة الوطنية التي تتوزع إلى 60 مقعدا برسم اللائحة الوطنية للنساء و30 برسم اللائحة الوطنية للشباب أقل من 40 سنة. وحسب العديد من المراقبين فإن الانتخابات التشريعية المبكرة التي تنظم في ظل دستور فاتح يوليوز الماضي الذي حظي بموافقة شعبية واسعة، ستكون عنوانا لمرحلة تاريخية جديدة طابعها المتميز التعبير عن نضج مسلسل الإصلاحات الديمقراطية التي شهدها المغرب على مدى السنوات العشر الأخيرة. وانتهت فترة الحملة الانتخابية الممهدة لهذه الانتخابات بحلول منتصف ليلة أمس الخميس، وكان القاسم المشترك فيها بين جميع الأحزاب المشاركة الدعوة إلى التعبئة الواسعة والانخراط الكامل للمواطنات والمواطنين وحثهم على المشاركة المكثفة يوم الاقتراع، للتعبير عن إرادتهم القوية والحاسمة في تكريس مسلسل الإصلاح الديمقراطي، وقطع الطريق أمام ممارسات أدت إلى عزوف الناخبين عن التوجه لصناديق الاقتراع. ويراهن العديد منء الأحزاب السياسية المشاركة في هذه الاستحقاقات، رغم اختلاف برامجها وأولوياتها، على الحصول على نسبة كبيرة من أصوات الناخبات والناخبين تبوؤهم صدارة المشهد السياسي الذي يفتح الباب مشرعا أمام رئاسة الحكومة المقبلة، وفق مقتضيات الدستور الجديد الذي ينص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر نتائج الاقتراع. وقد بلغت مجموع اللوائح الانتخابية التي تتنافس على مقاعد مجلس النواب الجديد، حسب ما أعلنت عنه وزارة الداخلية، بعد انتهاء فترة إيداع الترشيحات التي امتدت ما بين 3 و11 نونبر الجاري، ما مجموعه 1546 لائحة تضم 5392 مترشحا ومترشحة، بمعدل وطني يصل إلى حوالي 17 لائحة ترشيح في كل دائرة محلية. بينما بلغ عدد اللوائح المودعة برسم الدائرة الوطنية 19 لائحة تتضمن 1710 ترشيحا، تتوزع إلى 1140 مترشحة في اللائحة الخاصة بالنساء، و570 مترشحا في لائحة الشباب. ويشد العالم أنظاره إلى المغرب، الذي شكل استثناء متميزا في المنطقة التي تشهد ما يسمى «الربيع العربي»، ونموذجا يحتذى به في مسار البناء الديمقراطي، حيث تلاقت رؤية المؤسسة الملكية مع مطالب الأحزاب السياسية الديمقراطية والوطنية، وتجاوبت مع مطالب الحراك الشعبي الذي انطلق منذ الأشهر الأولى من هذه السنة. أهمية هذه الاستحقاقات المبكرة تكمن في أنها ستمكن الحزب الذي يتصدر نتائجها من قيادة الحكومة المقبلة، وفي أنها أيضا، ستفرز مؤسسة تشريعية تتوفر على صلاحيات واسعة في مجال التشريع والمراقبة، طبقا لما ينص عليه الدستور المصادق عليه بعد استفتاء فاتح يوليوز من هذه السنة. علاوة على ذلك فإنها ستكون البوابة الرئيسية لتنزيل هذا الدستور وتفعيل مضامينه الحقيقية على أرض الواقع. وفضلا عن الصلاحيات الواسعة لمجلس النواب المقبل، في مجال التشريع ومراقبة العمل الحكومي، فإنه محاط كذلك بمسؤولية كبرى وهي وضع القوانين التنظيمية المتعلقة بالإصلاحات الجوهرية والعميقة المتضمنة في الدستور. وأناط دستور يوليوز 2011 بالبرلمان، الذي يشكل مجلس النواب أحد غرفتيه، صلاحية ممارسة السلطة التشريعية ووضع القوانين المتعلقة بمختلف مناحي الحياة، بالإضافة إلى التصويت على القوانين ومراقبة عمل الحكومة، ووضع السياسات العمومية للبلاد. ووضع الدستور بيد الحكومة التي ستنبثق من صناديق الاقتراع، ممارسة كل السلطات التنفيذية تحت إشراف رئيسها، والعمل على تنفيذ برنامجها الحكومي المقدم أمام البرلمان، وضمان تنفيذ القوانين. كما يضع الدستور الإدارة بيد الحكومة، وكذا الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية. وينص القانون التنظيمي لمجلس النواب أن المجلس يتكون من 395 عضوا ينتخبون بالاقتراع العام المباشر، منهم 305 أعضاء ينتخبون على صعيد الدوائر الانتخابية المحلية، و90 عضوا ينتخبون برسم دائرة وطنية تحدث على صعيد تراب المملكة، يتضمن الجزء الأول أسماء ستين مترشحة (اللائحة الوطنية للنساء)، فيما يتضمن الجزء الثاني أسماء ثلاثين مترشحا ذكرا لا يزيد سنهم عن أربعين سنة (اللائحة الوطنية للشباب). ويعرف اقتراع يومه الجمعة العديد من المستجدات، سواء على المستوى القانوني أو على المستوى التنظيمي. حيث سيدلي الناخبون بأصواتهم لأول مرة في تاريخ الانتخابات بالمغرب بأصواتهم عن طريق الإدلاء ببطاقة التعريف الوطنية، عوض بطاقة الناخب كما كان معمولا به في مختلف الاستحقاقات السابقة. ويشارك في مراقبة وملاحظة الانتخابات التشريعية الحالية أزيد من 4000 ملاحظة وملاحظ محليين ودوليين سيتابعون مجريات عملية الاقتراع.