تخلد أسرة المقاومة وجيش التحرير، يومه الخميس، الذكرى ال90 لمعارك جبل بادو التي دارت رحاها خلال شهر غشت من سنة 1933، والتي خاض غمارها أبناء إقليمالرشيدية ضد قوات الاحتلال الفرنسي، على صعيد المنطقة وجوارها ومحيطها. وشكلت معارك جبل بادو أشرس المواجهات والنزالات بين المجاهدين والغزاة المحتلين، حيث شاركت في المعارك كافة القوات النظامية القادمة من المناطق العسكرية التي انتشرت وتمركزت فيها بتادلة ومراكشومكناس. واحتشدت أعداد كبيرة من المجاهدين من سائر القبائل المرابطة بمناطق تافيلالت، اعتصموا بقمم ومغارات وكهوف جبل بادو بعد تشديد الحصار عليهم، وقصف جميع المداشر والقصور المجاورة لجبل بادو، وسد كل الثغور والمعابر والممرات لتطويق المجاهدين المحاصرين، والحيلولة دون حصولهم على الإمدادات من مؤن وغذاء وماء وذخيرة ووسائل لوجيستيكية. وقد قاومت قبائل وساكنة تافيلالت بضراوة منذ مطلع القرن العشرين، وضحت بالغالي والنفيس من أجل التصدي للاستيطان الأجنبي والأطماع الاستعمارية خاصة في سنة 1908 بعد أن أقامت القوات الفرنسية أول مركز استعماري لها بمركز بوذنيب، كان بمثابة قاعدة لانطلاق هجوماتها ومد سيطرتها على سائر تراب الإقليم. وهكذا، شهدت المنطقة سلسلة من المعارك بدء بمعركة بوذنيب سنة 1908، ثم معركة افري سنة 1914، ومعركة الرجل بمسكي سنة 1918، ثم معارك تافيلالت، ومعارك نواحي كلميمة، وتاديغوست التي امتدت إلى أوائل الثلاثينات من القرن العشرين. ولم تتمكن سلطات الاحتلال الأجنبي من بسط نفوذها على كافة تراب الإقليم، ودخلت في أعنف مواجهة عرفتها المنطقة بجبل بادو خلال شهر غشت 1933، أبلى فيها المجاهدون من مختلف قبائل الإقليم البلاء الحسن، واستطاعوا الصمود والاستماتة في المعارك وإرباك صفوف القوات الاستعمارية المدججة بأحدث الأسلحة والآليات الحربية الجوية والبرية، وتكبدوا المحن والآلام باستشهاد العديد من النساء والشيوخ والأطفال الأبرياء العزل. وابتداء من أواخر شهر يوليوز من سنة 1933، تلقت ثلاث مجموعات من القوات العسكرية الاستعمارية الأوامر من القيادة العليا للزحف على مشارف اغبالو نكردوس تتمثل في مجموعة التخوم التي اتخذت من تنغير قاعدة لها وقامت بالهجوم على اغبالو نكردوس انطلاقا من الجنوب، ومجموعة مكناس في تيزي نتغرغوزين التي استهدفت قبائل نحمدون وامدغوس التي آزرت المجاهدين المعتصمين بالتخوم بالإمدادات الضرورية، فضلا عن مجموعة مراكش في منطقة أكدمان، وكان هدفها الهجوم على نحمدون انطلاقا من الشرق. وفي أوائل غشت من سنة 1933، شرعت القوات العسكرية الفرنسية في عمليات تطويق المناطق الشرقية من الأطلس الكبير حيث أعطى الجنرال "هوري" أوامره لقواته التي كانت متمركزة على مشارف اغبالو نكردوس للزحف على تيزي نحمدون ابتداء من يوم 4 غشت من سنة 1933، وتطورت الأحداث والعمليات في أواخر نفس الشهر إلى مواجهات عنيفة في جبل بادو بين فرق المجاهدين والقوات الاستعمارية حيث أبان المجاهدون المغاربة في تلك المعارك عن روح قتالية عالية لصد المعتدين، وأذاقوا الغزاة أقسى الضربات وكبدوهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد. وكان المجاهدون يأتمرون بقادة اشتهروا باستماتتهم القتالية وبغنى تجاربهم الميدانية وحنكتهم الفائقة التي اكتسبوها في مختلف أرجاء تافيلالت، ومن بين الأبطال الأشاوس زايد أوسكونتي، قائد آيت عيسى إزم، قبيلة آيت مرغاد، والقائد علي أوطرمون، قائد آيت عيسى من زاوية اسول، إلى جانب عدد كبير من القادة المجاهدين الذين تصدروا الصفوف الأولى في ساحة القتال، فضلا عن العلماء والفقهاء والوجهاء الذين شاركوا في المعارك البطولية، بعد أن حثوا على الجهاد وأصدروا الفتاوى بشأنه. ووقف أبطال هذه الربوع المجاهدة صامدين أمام جحافل القوات الأجنبية التي حاصرت الجهة الشرقية من الأطلس الكبير، الأمر الذي جعل المجاهدين أمام اختيارين: إما الاستسلام أو القتال، ففضلوا الجهاد والاستشهاد. وهكذا، قام المجاهدون بقيادة زايد اوسكونتي بترتيب صفوفهم وتنظيم مقاومتهم في منطقة أوسكرسو بادو، فاتخذوا المغارات والكهوف للإيواء عند الضرورة وخزن المؤن استعدادا لطول أمد الحرب. و أبدى المجاهدون مقاومة شديدة أرغموا فيها قوات الاحتلال الأجنبي على التراجع في بعض المواقع وألحقوا بها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد. وأمام المقاومة الشرسة لأبناء تافيلالت، سعى المستعمر إلى استخدام وسائل الترغيب واستمالة زعماء المنطقة تارة، وفرض أو محاولة فرض الحصار وتضييق الخناق على السكان وشن الهجومات الترهيبية تارة أخرى، لكن المجاهدين بفضل إيمانهم وتمسكهم بالمقدسات الدينية والثوابت الوطنية، ظلوا صامدين ومتحصنين بالكهوف والمغارات بجبل بادو ونحمدون وأيوب، رغم قساوة الطقس والظروف المناخية وشدة الحر، حيث ظلوا يواجهون قوات الاحتلال. وقامت القيادة العسكرية بمحاولات للتفاوض مع المجاهدين الأبطال، فتوقف القتال في 24 غشت 1933، ترقبا لمفاوضات محتملة مع البطل زايد اوسكونتي وبينه وبين الجنرال "جيرو"، وطال انتظار القيادة العسكرية الفرنسية، ولم يلب المجاهدون دعوتها للتفاوض الذي لم يشرع فيه ومني بالفشل الذريع. إثر هذا الموقف الشجاع، قررت قوات الاحتلال شن هجوم شرس يوم 25 غشت 1933 على اسكرسو، واجهه المجاهدون ببسالة وشجاعة خارقتين، وجرى تبادل إطلاق النار بين الطرفين، ووصل النزال إلى حد المواجهة المباشرة باستعمال السلاح الأبيض. وفي يوم 26 غشت 1933، تواصلت المعارك بحدة وضراوة، وبعد أن نفذ زاد المجاهدين من جراء الحصار المضروب على المنطقة، توقفت المعارك، لكن جذوة مقاومة المستعمر لم تنطفئ، وانتقل أبناء إقليمالرشيدية للانخراط في العمل الوطني والنضالي في صفوف وتنظيمات الحركة الوطنية والعمل المسلح ضمن حركة المقاومة المسلحة وجيش التحرير، فقاوموا بشجاعة وشهامة كما عهد فيهم، بمختلف الوسائل والإمكانيات التي أوتوها دفاعا عن الشرعية التاريخية وصيانة للمقدسات الدينية والثوابت الوطنية. وشاءت الأقدار أن تضطلع منطقة اغبالو نكردوس بدور رائد في الإشعاع الوطني لما اختارها المستعمر معتقلا ومنفى للزعماء الوطنيين مع بداية الخمسينات، حيث زج في غياهبها برموز ورجالات الحركة الوطنية، ومن بينهم زعماء وطنيون كان من بينهم بعض الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال. وشكلت اتصالات أبناء الإقليم بهؤلاء الزعماء الوطنيين فرصة لتمديد الإشعاع الواسع للمبادئ والأفكار الوطنية وإذكاء روح النضال الوطني التي ظلت مستمرة وتأججت في ملحمة ثورة الملك والشعب المجيدة بعد إقدام سلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية على نفي بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس، ورفيقه في الكفاح والمنفى جلالة المغفور له الحسن الثاني رضوان الله عليهما، والأسرة الملكية الشريفة في 20 غشت 1953. ولم تهدأ ثائرة أبناء تافيلالت كغيرهم من أبناء الوطن في مختلف الجهات والمناطق إلى أن تحققت إرادة العرش والشعب وتكلل نضالهما بالنصر المبين وعودة الشرعية والمشروعية التاريخية، وإعلان الاستقلال في 16 نونبر 1955، لتتواصل النضالات والتضحيات في الملاحم البطولية وفي الجهاد الأكبر لإعلاء صروح المغرب الجديد وتثبيت وحدته الترابية. وأكد بلاغ للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أن أسرة المقاومة وجيش التحرير وهي تستحضر بفخر واعتزاز وإكبار هذه الملحمة التاريخية الغنية بالدروس والعبر والطافحة بالمعاني والقيم، لتجدد موقفها الثابت من قضية الوحدة الترابية ومغربية الأقاليم الصحراوية المسترجعة، وتؤكد "وقوفها ضد مناورات خصوم وحدتنا الترابية ومخططات المتربصين بسيادة المغرب على كامل ترابه المقدس الذي لا تنازل ولا مساومة في شبر منه. وستظل بلادنا متمسكة بروابط الإخاء والتعاون وحسن الجوار، إيمانا منها بضرورة إيجاد حل سلمي واقعي ومتفاوض عليه لإنهاء النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية". وأضافت أنه انطلاقا من مكتسباتها وتبني مجلس الأمن، يوم 30 أكتوبر 2023، للقرار 2703 المتعلق بقضية الصحراء المغربية، والذي يمدد ولاية بعثة "المينورسو" لمدة سنة، إلى غاية متم أكتوبر 2024، تظل المملكة المغربية، كما أكد مجددا على ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ملتزمة تماما بدعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثها الشخصي الرامية إلى إعادة إطلاق مسلسل المائدة المستديرة، بهدف التوصل إلى حل سياسي، على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وفي احترام تام للوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة. واستحضرت، في هذا السياق، ما ورد في الخطاب الملكي السامي ليوم الاثنين 06 نونبر 2023 بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء المظفرة، والذي أكد فيه جلالته على التزام المغاربة الدائم والمستمر لروح قسم المسيرة الخضراء و مواصلة مسلسل البناء والتنمية بالأقاليم الجنوبية المسترجعة، كما رسم خارطة طريق تنموية واستثمارية للواجهة الأطلسية للمملكة بغية تحقيق التواصل الإنساني والتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي. وأضاف البلاغ أن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أعدت بهذه المناسبة برنامجا للأنشطة والفعاليات المخلدة لهذه الذكرى وفق برنامج يمتد لثلاثة أيام يشتمل على لقاء تواصلي بعمالة إقليم فجيج بمدينة بوعرفة، وزيارات تفقدية لفضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بإقليمالرشيدية ولورش بناء الإقامتين السكنيتين للباحثين والمحققين في التاريخ بجماعة اغبالو نكردوس، وكذا ندوة فكرية حول موضوع: "المقاومة في تافيلالت: بطولات وكتابات وقراءات"، بفضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير باغبالو نكردوس. كما سيتم تنظيم مهرجان خطابي، يومه الخميس، تتخلله مراسم تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وكذا توزيع بعض المنافع والإعانات المالية على عدد من عائلات المنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير بالرشيدية.