إقدام الجيش الجزائري على إطلاق الرصاص على أربعة شبان مغاربة كانوا على متن دراجتي "جيتسكي" قرب شاطئ السعيدية، بعدما تاهوا في عرض البحر، يعتبر جريمة حقيقية تكشف عن عدوانية النظام العسكري للبلد الجار، وتمثل الدليل على ضعف هذا النظام وإحساسه الدائم بانعدام الثقة لديه في نفسه. الشبان الأربعة هم مغاربة، ثلاثة منهم حاصلون على الجنسية الفرنسية، فيما يملك الرابع الإقامة بفرنسا، وكانت أمواج البحر قد قذفت بهم نحو المياه الجزائرية، خطأ واضطرارا، لكن فور اقترابهم من شاطئ "بورساي" بالجزائر، واجههم خفر السواحل هناك بوابل من الرصاص، وذلك بشكل فوري ومتعمد. المغرب قرر فتح تحقيق قضائي بشأن ما وقع، والخارجية الفرنسية بدورها دخلت على خط الإدانة، كما أن العديد من منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام استنكرت الجريمة، وشجبت قرار الإعدام بالرصاص الذي نفذته قوات الجيش الجزائري ببشاعة ضد شبان مغاربة تاهوا في عرض البحر. لو كان عسكر الجزائر عاقلا ويفهم في مبادئ القانون الدولي الإنساني، وفي التزامات حسن الجوار، ويعمل ضمن أسس دولة تثق في نفسها فعلا، لاعتبر، منذ البداية، اختراق المياه الإقليمية من طرف شبان على متن دراجات مائية مجرد حادث عرضي، وقام باحتوائه وعدم التورط في جريمة قتل على طريقة العصابات والقراصنة. كان بإمكانه مثلا توقيف الشبان الأربعة والتحقيق معهم والتأكد من كونهم تائهين في عرض البحر، وحتى تقديمهم أمام المحكمة. كل هذا لم تجربه قوات خفر السواحل الجزائرية، ولكنها، منذ البداية، حاولت محاصرة الشبان بمركب وقلب دراجاتهم المائية وإغراقهم، وبعد ذلك، بادرت إلى إطلاق الرصاص مباشرة، أي أن هذه القوات تصرفت مثل العصابات والبلطجية، وليس كما تتعامل قوات نظامية لدولة تحترم نفسها. لم يأبه الجيش الجزائري بأحكام اتفاقية جنيف لحماية الأشخاص المدنيين، وداس على قيم ومبادئ أساسية في القانون الدولي الإنساني مثل: الإنسانية، التناسب، الضرورة الحربية، الحماية.. وسوى ذلك من المحددات القانونية والأخلاقية التي تحرص عليها الدول الحديثة والقوات التي لها قيم وعقل. نحن إذن أمام جريمة حقيقية اقترفتها قوات خفر السواحل بالجزائر ضد شبان مغاربة تاهوا في عرض البحر، ووجدوا أنفسهم داخل المياه الجزائرية عن طريق الخطأ، ولم يكونوا لا مسلحين ولا خطرا أمنيًا أو عسكريا، وبالتالي المواثيق الدولية، التي وقعت عليها الجزائر، تتيح إمكانيات عديدة للتعامل بدل تعمد رش شبان تائهين بوابل من الرصاص الحي فوريا. ما حدث، يقتضي من الحكومة المغربية متابعة الأمر بجدية أكبر، والتفاعل مع أسر الضحايا والتواصل معهم ومؤازرتهم، خصوصا حالة الشاب الموقوف لدى السلطات الجزائرية، وجثمان الضحية الذي لا تزال أسرته تطالب بتسلمه لدفنه في وطنه، علاوة على المتابعة القضائية والديبلوماسية الدولية للجريمة، والمطالبة بحقوق الضحايا وفضح وإدانة الجريمة البشعة التي اقترفها الجيش الجزائري في عرض البحر ضد شبان مغاربة مدنيين. الجريمة المأساوية تفرض اليوم ترتيب المسؤوليات وتحقيق العدالة، كما أن ما وقع يحيل أيضا على أسلوب تعامل القوات الحدودية المغربية مع المحاولات العديدة وشبه اليومية لعبور الحدود وولوج التراب المغربي، ذلك أنه لم يسبق تعمد قتل أحد، وإنما في مرات كثيرة تم توقيف جزائريين وإعادتهم إلى بلدهم بشكل مدني، وبما يحدده التعامل معهم بوصفهم أشخاصا مدنيين... على المستوى السياسي العام، ما اقترفه خفر السواحل الجزائري يكشف إمعان النظام العسكري هناك على خلق التوتر مع المغرب، والبحث عن أي ذريعة لافتعال الحرب أو المواجهات المسلحة بين البلدين، ومن ثم يفضح هذا تفشي عقلية العداء والكراهية لكل ما يتصل بالمغرب، حتى ولو كان الأمر يتعلق بشبان مدنيين تاهوا في عرض البحر خطأ، وهم أصلا وجدوا في المكان فقط من أجل السياحة. هذه الجريمة تفضح أيضا أسلوب تعامل القوات الجزائرية مع المدنيين المغاربة على طول الشريط الحدودي بين البلدين، ذلك أنها لا تفرق في ذلك بين فلاحين بسطاء وسكان هذه المناطق الحدودية ومواطنين مدنيين أو مهربي مخدرات أو عصابات، فالعنف ذاته يمارس ضد الجميع، والنظرة نفسها للجميع، وبالتالي كل شخص وجد هناك، لأي غرض كان، يتهدده خطر الاستهداف من لدن الجيش الجزائري.