يقر الكثيرون أن إقرار دستور 2011 شكل لحظة سياسية ومجتمعية فاصلة في المسار الديموقراطي العام لبلادنا، ومن المؤكد أن هذا الدستور حقق عديد أماني وتطلعات كانت جسدتها المطالب الإصلاحية المعبر عنها في ذلك الوقت، علاوة على أنه نفسه فتح الأفق أمام شعبنا لتحقيق تطلعات ديموقراطية وتنموية وسياسية أخرى أكثر تقدما. اليوم، بعد مرور السنين التي تفصلنا عن هذه المحطة الأساسية والتاريخية، يتنامى السؤال وسط كثير محافل وأوساط عما إذا كان هذا الإصلاح الدستوري قد حقق، فعلا، المأمول منه؟ وهل تم تأويله ضمن النفس الديموقراطي العام الذي كان يغمر البلاد في 2011 ؟ وهل الجميع، إلى اليوم، لا يزال متمسكا بضرورة تطبيق دستور 2011 والسير ضمن فلسفته وأفقه الديموقراطيين؟ أم أن هناك بيننا من لم يعد يقبل بهذا التطور الدستوري ويتمنى إغلاق قوسه والتراجع عنه والعودة إلى ما قبله؟ هذا سؤال جوهري اليوم ضمن تراجعات مشهدنا السياسي والإعلامي والديموقراطي والمجتمعي العام، ويطرحه الكثيرون. عندما نجد حكومتنا مستمرة في صمتها تجاه الرأي العام الوطني، ولا تقوم بأي شيء لتطوير حضورها السياسي والتواصلي وسط المجتمع، ولا تعمل على تغيير أسلوب تعامل السلطة التنفيذية مع انشغالات الشعب وتطلعاته وانتظاراته، فكل هذا لا يمت بصلة لأفق دستوري أرادته البلاد عام 2011، جديدا ويؤسس لمرحلة سياسية تختلف عما سبقها. وعندما يضعف الحوار السياسي العمومي في البلاد، ويتم تغييب صوت الفعل الحزبي والنقابي الجاد، وتصوم الحكومة عن التعامل مع أي انتقاد من المعارضة، ولا تنصت لأي رأي يختلف معها، فهذا، كذلك، يعني أننا لم نحقق ما أسس له دستور 2011. وعندما نتابع سلوكات تشريعية وتدبيرية وسياسية يقف وراءها وزراء من الحكومة الحالية، كما وقع مؤخرا مع وزير التواصل مثلا، نفهم أننا ابتعدنا كثيرا عن التغيير، وعن الأفق التحديثي الذي بشر به دستور 2011.. وعندما نجمع عديد وقائع حدثت من طرف الحكومة أو وسط البرلمان أو في عالم المال والأعمال أو في قطاع الصحافة والإعلام أو على الساحة العمومية ككل، نتساءل عما إذا كان هناك فعلا من يصر على جر البلاد بقوة نحو زمن ما قبل دستور 2011. نلاحظ اليوم سعي غريب لتسطيح كل منصات الكلام والنقاش العمومي التعددي، حتى أننا لم نعد نحس بوجود أي حوار أو تفاعل أو اختلاف، وكأن هناك من يمعن في إسكات الأصوات وتمييعها وتدجينها، أو إلغاء مجالات التعبير عن الآراء وتوسيع الإختلاف والتعددية. وحكومتنا صاحبة»الكفاءات» لا ترى أي أهمية في انكبابها، هي نفسها، على هذا الورش الديموقراطي والسياسي ومناقشته مع مختلف الفاعلين، وأن تستحضر ضرورة تقوية ديناميات الإنفتاح والديموقراطية والتعدد وسط المجتمع. البرلمان، بدوره، والذي يجب أن يمسك بكل صلاحياته ورمزيته، وبضرورة تموقعه في عمق ومركز فضاءات النقاش السياسي والديموقراطي الوطني، صار يعيد إنتاج السطحية، ويتفق الجميع اليوم على حاجته إلى نجاعة العمل وامتلاك الكفاءات السياسية الحقيقية تحت قبته، وخصوصا إلى رؤية سياسية واضحة لمستقبل البلاد، وإلى دور المؤسسة التشريعية في صياغة مقومات هذا المستقبل ضمن أفق دستور 2011. وحتى الصحافة الوطنية نجح وزير القطاع في إلهائها في مناورة صبيانية وغير قانونية، وبقيت مكبلة بانقضاض عديد أوساط ولوبيات توحدت فقط في مفاقمة الرداءة وتدني جودة ومصداقية إعلامنا الوطني. كل هذا يحس به الجميع اليوم، ويتأسف الكثيرون للمآلات التي بلغتها حياتنا الديموقراطية بشكل عام، ومستوى انفتاح وتعددية مشهدنا السياسي والإعلامي والثقافي، ويبرز سؤال جوهري، على ضوء ذلك، وهو: إلى أين يراد الوصول إذن؟ لقد عجزت حكومتنا الحالية عن حماية القدرة الشرائية لشعبنا، وعن التصدي للغلاء، وعجزت عن التواصل مع المغاربة والسعي لإقناعهم والتفاعل مع انتظاراتهم المعيشية والإجتماعية، وهي أيضا عجزت عن فتح ورش الفضاء الديموقراطي العام ببلادنا، وتسببت في كثير تراجعات في ممارستنا الإعلامية الوطنية. أليس كل هذا سعي واضح للتراجع الميداني عن روح دستور 2011 وأفقه؟ محتات الرقاص [email protected]