دأب المغرب على التفكير المستمر في سيادته الغذائية، بناء على وضع مخططات واستراتيجيات خاصة بالقطاع الفلاحي أساسا، وهو ما مكن في السنوات الأخيرة من تحقيق أرقام جد إيجابية تتجلى في حجم الاستثمارات في المجال، إلى جانب جودة الإنتاج التي يشهد بها جميع المتخصصين دوليا في الغذاء. وتأكد بالملموس خلال فترة جائحة كورونا، أن المغرب بالفعل حقق اكتفاءه الذاتي من الغذاء، سواء عبر الإنتاج المحلي، أو استيراد بعض المواد التي تحتاج إلى منصات للتخزين والحفظ في فضاءات صحية جيدة. بيد أنه خلال الثلاث سنوات الأخيرة، واجه المغرب كما باقي دول العالم، جفافا في التساقطات المطرية، ما أدى إلى خصاص في المياه ببعض المناطق التي تعرف نشاطا فلاحيا، وهو ما دفع بالمغرب إلى التخلي عن بعض الزراعات المستنزفة للماء كما هو الحال مع زراعة البطيخ الأحمر. ويسن المغرب اليوم سياسة خاصة بالقطاع الفلاحي ترتكز أساسا على مشروع الرقمنة والتكنولوجيا، نظرا للتدبير المعقلن والمحكم الذي تتميز به الوسائل التقنية الحديثة، التي باتت حاجة ضرورية وماسة، خصوصا وأن النتائج التي أتت بها لا نقاش ولا ملاحظات حول نجاحها. ويهيمن النقاش حول موضوع التكنولوجيا والرقمنة في المجال الفلاحي، منذ انطلاق استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030، على جميع الأنشطة الوزارية أو الجمعوية وغيرها، وفي هذا الصدد، يندرج تنظيم المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب، الذي يعود في نسخة 15، بعد ثلاث سنوات من الغياب، بسبب وباء كوفيد 19. ومن المرتقب أن تسلط هذه الدورة التي ستنظم ما بين 2 و7 ماي الجاري، تحت شعار: "الجيل الأخضر: من أجل سيادة غذائية مستدامة"، (تسلط) الضوء على التحديات والقضايا المتعلقة بالسيادة الغذائية واستدامتها. وسينكب المشاركون في هذا المعرض، على مناقشة مستجدات القطاع الفلاحي، في ضوء التطورات التي يفرضها السياق الدولي المرتبط بالمناخ، والصراعات الجيو-سياسية، فضلا عن الأزمة الاقتصادية المتمثلة في التضخم العالمي. ومما لا شك فيه أن الفلاحة المغربية كما نظيرتها الدولية، تأثرت بشكل واضح، بالتقلبات المناخية التي تتجلى في ارتفاع درجة الحرارة، وندرة الأمطار، وجفاف المنابع المائية، وتراجع حقينة السدود، ناهيك عن تداعيات جائحة كورونا، والصراع الروسي الأوكراني الذي أرخى بظلاله على الأوضاع الغذائية في العالم، الأمر الذي دفع بمختلف دول العالم إلى الاهتمام بالموضوع والانكباب على وضع خطط وسياسات لتدبير الأزمة التي لا يعرف سقف مستقبلها الضبابي والمعتم. وفي ظل هذه التحديات الداخلية والخارجية، غير المتحكم فيها، تنبثق حاجة الفلاحين المتزايدة إلى بدائل جديدة لأساليب الفلاحة التقليدية، من أجل الحفاظ على الماء وعلى سلامة التربة، وعموما الحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيزها في مختلف الجهات، إلى جانب رفع كفاءة استخدام المدخلات، ومحاربة الأمية وسط الفلاحين، وتنمية وعيهم بضرورة التوظيف التكنولوجي والرقمي في حياتهم المهنية، نظرا للامتيازات التي تمنحها للقطاع. وفي هذا الصدد، أكد وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، خلال افتتاح النسخة الثالثة ل "أيام تكنولوجيا المعلومات في الفلاحة"، أن ورش الرقمنة يندرج ضمن المشاريع الأفقية لاستراتيجية "الجيل الأخضر" ويهدف إلى جعل الفلاحة المغربية أكثر مرونة وتنافسية، ومبتكرة وجذابة، موضحا أن هدف الورش يتمثل في ربط مليوني فلاح ومستعمل بالخدمات الإلكترونية الفلاحية في أفق 2030. وفضلا عن تكوين المهنيين، فإن التحول الرقمي للقطاع الفلاحي سيتيح للفلاحين إمكانية التوصل في زمن حقيقي بالبيانات المتعلقة بالظروف البيئية والآلات المستخدمة، مما سيعزز قدرات الإنتاج الفلاحي والتكيف مع التغييرات. وإذا كانت رقمنة النظام الغذائي الفلاحي كفيلة بتحسين الكفاءة والشفافية والمردودية والإنصاف، إلا أن اعتماد الحلول الرقمية بالقطاع الفلاحي يواجه عقبات كبيرة، بما في ذلك تغطية الإنترنت والتكوين في مجال المهارات الرقمية ومحو الأمية بالوسط القروي، فضلا عن الثقة والأمن الرقمي. ويحتاج القطاع الفلاحي بالمغرب، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، إلى زراعات قادرة على الصمود في وجه التقلبات المناخية، وممارسات مستدامة في مجال تسميد وحماية المحاصيل وتخزينها، كما يتطلب هندسة فلاحية قادرة على تقديم حلول في جميع الأزمات. ويشكل تطوير ستة أصناف واعدة من القمح الصلب والشعير الأكثر مقاومة للجفاف، نموذجا للإبداع الذي بات مطلوبا اليوم في المجال، عبر التعاون بين الشركاء في القطاع العام والخاص، وهو ما حدث في هذه التجربة التي تمت بين المركز الدولي للأبحاث الزراعية بالمناطق الجافة (إيكاردا)، والمعهد الوطني للبحث الزراعي، ومقاولة بنشعيب للبذور. إعداد: يوسف الخيدر محمد توفيق أمزيان