شهد مغرب ما بعد الاستقلال وقائع سياسية كبرى مست الدولة والمجتمع، وأحداثا مؤلمة ميزت التاريخ السياسي للمغرب المعاصر، ومحطات كان لها تأثير كبير على ما نحياه اليوم من حراك لا يختلف في أهدافه، برغم اختلاف الأسلوب والأدوات المستعملة فيه، عن حراك أشد وأقسى كان فاعلوه مناضلين من طينة متميزة، قهروا القمع والمعتقلات منذ ستينيات القرن الماضي، واستماتوا من أجل حق الشعب في إسقاط الفساد وفي نظام ديمقراطي وفي عيش كريم. فظلت أعينهم على الدوام شاخصة نحو وجه مغرب مشرق وجميل. ليس كل تاريخ هذه المرحلة من مسار الوطن مدونا. فمن المؤكد أن تفاصيل بقيت مخبأة تنتظر منا النبش في الركن الخفي من الذاكرة السياسية لرجالات رسموا بنضالاتهم أخاديد شاهدة على معلومات تفيد في إزالة بعض العتمة المحيطة بكثير من التفاصيل الغائبة. في حياة هذا الرعيل الأول من زعماء وقادة سياسيين أحداث مختلفة، فردية وجماعية، لا يمكن الاستهانة بأهميتها، لأنها تشكل عناصر من شأن إعادة قراءتها وترتيبها تسليط أضواء كاشفة على صرح الحدث أو الأحداث التي كانوا شهودا عليها أو اعتبروا جزء لا يتجزأ منها. لم يكن لنا من خيار للإسهام المتواضع في قراءة مرحلة ما بعد استقلال المغرب سوى طرق ذاكرة شخصية سياسية من الشخصيات التي راكمت خبرة سنين طويلة من النضال الملتزم، وما تعنيه من نضج ودراية وصدق في استحضار معطيات هامة ومثيرة يحصرها البعض في خانة «واجب التحفظ». وقع اختيارنا على المحجوب الكواري، عضو مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، كذاكرة مفتوحة على أحداث النصف الثاني من القرن الماضي وعلى أكثر من عقدين من هذا القرن الجديد عاشها أو عايشها. لم يكن هذا الاختيار اعتباطيا. فالرجل لازال قائدا سياسيا تمتزج بين طيات شخصيته المتناقضات والمتآلفات. يفتح لنا صفحات سجل حياته بنوع من الحنين لتلك الأعوام التي عاشها أو عايشها.... المحجوب الكواري شخصية بارزة في حزب عريق. حزب ناضل، منذ أربعينات القرن الماضي، بتميز وبصدق وإصرار، رغم المنع والقمع، وذلك تحت يافطات متنوعة، فرض تغييرها صموده من أجل الأفضل للبلاد، قبل أن يحمل، أخيرا، اسم حزب التقدم والاشتراكية. المحجوب الكواري، المراكشي، ابن الطبقة الشعبية التي ظل ملتصقا بها، بهمومها ونضالاتها وأحلامها، بادلا لها من ذات نفسه كل ما يستطيع أن يبذله المواطن الصالح لوطنه، وجاعلا من صدر الطبقة الكادحة، في أشد لحظات النضال قتامة، متكئا لينا يلقي رأسه عليها فيجد فيه برد الراحة والسكون. من معين هذا المناضل، ومن تفاصيل حياته الشخصية، نقدم لقرائنا هذه الحلقات التي حاولنا صياغتها على شكل قصص وروايات وأحداث، وأحيانا طرائف ومستملحات، لتعميم الفائدة ولتسجيل أوراق شاهدة على مرحلة من تاريخ ما بعد استقلال المغرب. انتقال الأمانة العامة تم بشكل سلسل بعد وفاة علي يعتة اسماعيل العلوي يتولى حقيبة التربية والتعليم في حكومة «التناوب التوافقي» بعد المؤتمر الخامس وإلى غاية وفاة على يعته كانت مفاوضات تشكيل ما سمي ب»التناوب الوافقي» جارية. كان سي علي يعته يعيش خلال تلك الفترة، أزمة شخصية، مع حادثة ندير ثم مرضه ووفاته، فقد عاش ظروفا صعبة جدا. لقد كان لافتا قدرته على قيادة الحزب والانكباب على مهامه البرلمانية والإعلامية في تلك الظروف، بحيث إنه لم يُظهر أي ضعف للآخرين مما جرى لمحيطه القريب، على تلك الواجهات رغم أن جرحه كان عميقا. وكان التهامي الخياري يحضر هذه المفاوضات لغاية خروجه من الحزب، إلى جانب كل من على يعته وعمر الفاسي واسماعيل العلوي، الرباعي الذي يمثل حزب التقدم والاشتراكية في تلك المفاوضات. من اليمين إلى اليسار: محمد بن اسعيد ايت ايدر، عبدالله ابراهيم، امحمد بوستة، عبدالرحمان اليوسفي، علي يعتة بالنسبة إلى المفاوضات مع الملك، فقد كانت وصلت إلى مستوى متقدم، أدت إلى دستور 1996، ولكن على يعته هو من كان يتكفل بالتفاصيل الدقيقة حول مضامين هذه المباحثات، أما في المباحثات الموازية التي كانت تجري داخل الكتلة الديمقراطية، فقد كانت الاجتماعات تتم حينئذ، بشكل مستمر ودؤوب في مقري حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وفي بعض الأحيان بمقر حزب التقدم والاشتراكية أو بمقر حزب منظمة العمل الديمقراطي، وكان النقاش يتقدم خطوة خطوة. بعد وفاة على يعته، ستستكمل طريق المفاوضات. فقد كان للرفاق المكلفين بالمفاوضات الوثائق التي صادق عليها المؤتمر الوطني الخامس، وبالتالي فقد استتبعوا طريقهم بالخط المرسوم سلفا في ذلك المؤتمر. لم تكن هنالك أي مشكلة؛ إذ إن وثائق الحزب حددت علاقاته الخارجية مع الحلفاء كما نظمت شؤونه الداخلية، كما حددت علاقته مع خصومه. كان كل شيء واضح، ولم يحتج الأمر أكثر من تفعيل تلك الوثائق. كنا نظن جميعا أن التحدي المطروح أمامنا هو «القائد» الجديد..لكن في حزب التقدم والاشتراكية، لم يكن لدينا قائد بالمعنى المعروف عن هذه التسمية، كان لدينا رمز بالفعل، لكن قيادة الحزب كانت وقتئذ جماعية، وما زالت جماعية، ولم يكن لدينا قائد واحد بشكل مفرد، وهذا الأمر جعل الوضع بعد وفاة يعته، يسير بشكل سلس، إذ اجتمعت اللجنة المركزية بعد نهاية مراسيم الدفن والتأبين، وحصل الاتفاق على الرفيق مولاي اسماعيل العلوي كي يتحمل مسؤولية الأمانة العامة. لم يظهر أن هنالك رفاق آخرين يرغبون في تولي الأمانة العامة حينئذ. وبالتالي كانت الأمور سلسة من هذه الناحية. الحسن الثاني في صورة تذكارية مع حكومة اليوسفي كانت أولى المهام الملقاة على عاتق الرفيق مولاي اسماعيل العلوي كأمين عام هي استكمال المفاوضات حول تشكيل حكومة التناوب.لقد كان عليه أن يتابع المشوار بأن يستكمل المفاوضات التي كانت جارية مع الحكم ثم وضع اللمسات النهائية على تفاصيل مشاركة الحزب في حكومة التناوب التوافقي. وهنا لا بد أن نشير إلى أن آراء حزب التقدم والاشتراكية المعبر عنها في المفاوضات مع حلفائه لم تكن تتحكم فيها مسالة «العدد»، إذ كان الحزب يعتقد أن وجوده في حكومة كتلك، له دلالة بالنسبة إلى التاريخ العام للبلاد ومستقبلها أيضا، كما له دلالة بالنسبة للحزب وتاريخه، وكذلك بالنسبة لمصلحة المستضعفين والكادحين. وبالتالي لم يطرح حزب التقدم والاشتراكية أي شرط في هذا الموضوع، بل أكثر من ذلك ألح الرفاق في الديوان السياسي مع استثناء واحد، على أن يكون الأمين العام موجودا في الحكومة، وبهذا الطريقة، أصبح مولاي اسماعيل العلوي عضوا في حكومة التناوب التوافقي التي شكلها عبد الرحمان اليوسفي وضمت 41 وزيرا ينتمون إلى ستة أحزاب، وذلك بعد لقاءات لم تنته إلا في متم شهر فبراير. لكن اليوسفي لم يقدم حكومة للحسن الثاني الا في 14 مارس احتراما منه لاحتفالات عيد العرش التي طكانت تصادف الثالث من مارس. تتساءلون هل لنا ان ننوه بما ما قام به حزب التقدم والاشتراكية من عمل حكومي في مجال التربية والتعليم في أواخر تسعينيات القرن الماضي. أولا يجب التشديد على أن الفترة الزمنية التي تحمل فيها مولاي اسماعيل العلوي المسؤولية على رأس وزارة التربية الوطنية داخل حكومة اليوسفي سنة 1998، قاربت السنتين فقط. وبالتالي لم يستطع رفيقنا إظهار ما كان ينبغي أن يقوم به الجميع في هذا القطاع الحيوي. ثانيا، كان الرفيق مولاي اسماعيل العلوي مسؤولا فقط على المستوى الابتدائي والإعدادي نظرا لاعتبارات سياسية، كانت موجودة آنذاك.