فاعلون ومتدخلون يرصدون واقع الجبل في مسار التنمية كشفوا ضعف السياسات العمومية الموجهة للمناطق الجبلية ودعوا إلى تحقيق الإنصاف في التنمية احتفاء بالذكرى 34 لخروج مجموعة أزرو 28 من الاعتقال السياسي الذي شمل خيرة مناضلي حزب التقدم والاشتراكية والشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية ما بين سنتي 1984 و1989، واستحضارا لأرواح رفاق معتقلين غادروا إلى دار البقاء، نظم حزب التقدم والاشتراكية بمدينة أزرو يوم السبت الماضي بآزرو مائدة مستديرة حول "المجالات الجبلية بالمغرب بين واقع الهشاشة وآفاق التنمية المستدامة". وشكل اللقاء الذي احتضنه مقر خزانة البلدية بمدينة أزرو فرصة لاستحضار أرواح عديد من المناضلين ضمن مجموعة المعتقلين السابقين لحزب التقدم والاشتراكية، واستحضار إسهاماتهم في النضالات التي خاضها الحزب من أجل العديد من القضايا وفي مقدمتها قضية الجبل، وعلى رأس هؤلاء المناضلين الراحل وعلي بوزيان الذي توفي سنة 2022، ومصطفى بومغيت الذي توفي سنة 2009، وعبد الرحمان اسمارن توفي سنة 2004. وإلى جانب ذلك شكل اللقاء فرصة لمناقشة عدد من القضايا الأساسية وما يتعلق بالجبل والرهانات والتحديات المطروحة فالسياسات العمومية، حيث أجمع المتدخلون على ضرورة جعل قضايا الجبل ضمن قلب القضايا الاجتماعية الأساسية، وجعلها على رأس الأولويات في السياسة الحكومية. تثمين المناطق الجبلية في هذا السياق، أبرز المعتقل السياسي السابق ضمن مجموعة 28 بأزرو وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية مصطفى عديشان الذي ترأس هذه المائدة المستديرة، أن من ضمن أهداف هذا النشاط هو حفظ الذاكرة الجماعية لمرحلة الاعتقال السياسي، واستحضار مآل كل أفراد المجموعة والآثار النفسية التي خلفتها تلكم المرحلة في حياتهم وفي الوضعية الاجتماعية التي يجتازها بعضهم بصعوبة أكبر. وأبرز عديشان، أن مجموعة 28 تفاعلت بشكل إيجابي في إنجاح تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، على الرغم من أن الجرح لم يندمل بعد لعدد كبير منهم، معلنا أن المجموعة ماتزال تتابع مع المجلس الوطني لحقوق الانسان، محاولات إيجاد بعض الحلول لعدد من رفاق هاته المجموعة الذين يعانون في صمت. وذكر عديشان الذي سير أطوار هذا اللقاء أن حزب التقدم والاشتراكية يروم من خلال هدا الحوار، إبراز أهمية المقاربة الشمولية لإعداد وتهيئة المجالات الهشة وضرورة معالجتها على أساس محورية الإنسان، في أفق صياغة تصور متقاسم في إطار النموذج التنموي الوطني البديل، على اعتبار أن المناطق الجبلية بالمغرب، تشكل 26 في المائة من المساحة الإجمالية للمغرب، و30 بالمائة من مجموع الساكنة، و35 بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة بالمغرب، كما تعتبر خزان المغرب ب 75% من الموارد المائية السطحية، و46 بالمائة من مجموع الجماعات الترابية. في هذا الإطار، يضيف عديشان أن موضوع الجبل يكتسي أهمية قصوى داخل السياسات العمومية التي تهدف إلى تثمين المناطق الجبلية وإدماجها في التنمية الترابية المستدامة، كما أن المجالات الجبلية تزخر بعدة مؤهلات طبيعية (خزانات للمياه وغنى من حيث التنوع البيولوجي) وبشرية هامة بإمكانها أن تلعب دورا مهما في الاقتصاد الوطني. إلا أنها تعتبر مجالا للعديد من الاختلالات والإكراهات كالاستغلال الجائر للموارد الطبيعية، وهشاشة المنظومة البيئية وتأخر على مستوى التجهيزات الأساسية كالطرقات والمؤسسات التعليمية والصحية وضعف تأهيل العنصر البشري (أمية، فقر، بطالة…..). يضاف إلى ذلك هجرة الشباب نحو المدن الكبرى أو خارج أرض الوطن، مما يفقد المنطقة الكثير من طاقاتها البشرية والمعرفية. إقصاء وتهميش الجبل في السياسات العمومية من جهته قدم الأستاذ محمد الديش، المنسق الوطني للائتلاف المدني من أجل الجبل في هذه المائدة المستديرة عرضا حول "الجبال المغربية ومفارقة الفقر في الغنى"، وذلك انطلاقا من المعطيات الإحصائية حول واقع الجبال. وتوقف الديش عند دلالات الأرقام، حيث قال إن نسبة الأمية تصل 51.1 بالمئة عند الرجال بالجبل، وعند النساء 54.8 بالمئة، مقارنة مع المعدل الوطني الذي يبلغ حوالي 32.2 بالمئة. كما توقف المتحدث نفسه عند معدل الفقر في المناطق الجبلية (8,76 في المائة) الذي قال إنه يفوق بشكل كبير المتوسط الوطني الذي يبلغ 3,5 في المائة، مشيرا إلى أن هناك فوارق كبيرة بين المتوسط الوطني والنسب المسجلة بالمناطق الجبلية، كما هول الحال بالنسبة للهرم السكاني الذي يتشكل الفئة العمرية الأكبر من 65 نظرا لتنامي هجرة الشباب بالنظر للبطالة التي تسجل في هذا الوسط الجبلي نسبة تفوق 10 بالمئة، مقرونة بالعديد من الأعطاب الاجتماعية. وعن الدخل سجل أن الديش أن دخل ساكنة الجبل تسجل دخلا أقل بمرتين من المعدل الوطني، 50 بالمئة منه من الفلاحة والرعي، فضلا عن تسجيل معدل أقل بكثير فيما يتعلق بولوج الخدمات الصحية، حيث أن 24 بالمئة من هذه الساكنة لا تتمكن من ولوج هذه الخدمات. واسترسل الأستاذ محمد الديش في إظهار الإكراهات والمعيقات التنموية للمناطق الجبلية، حيث اعتبر أنه على المستوى السياسي، هناك إقصاء وتهميش للجبل في السياسات العمومية، وعدم ملائمة البرامج الوطنية للخصوصية المجالية؛ فضلا عن غياب وعدم تحيين الترسانة القانونية ومراعاة لخصوصية الجبال (مثال قانون التعمير، أراضي الجموع، …)؛ ثم تغييب التشخيصات الموضوعية والمعطيات الحقيقية لواقع الجبل، واشكالية الوعاء العقاري للمناطق الجبلية (اراضي الجموع، الملك الغابوي …). كما لفت الديش إلى مجموعة من الإكراهات الأخرى والتي من ضمنها ما يتعلق بالمستوى السوسيو اقتصادي، حيث سجل رئيس الائتلاف المدني من أجل الجبل، ضعف الدخل الفردي نتيجة غياب فرص التشغيل والعمل وانتشار ظاهرة الهجرة نحو المدن؛ وضعف البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية (الصحة، مرافق، تجهيزات، السكن، النقل…)؛ وعدم استفادة المناطق الجبلية من ثرواتها الطبيعية؛ ثم ارتفاع نسبة الأمية والفقر ومختلف أشكال الهشاشة المجالية. وعلى المستوى الثقافي، أضاف المتدخل أن هناك عدم تثمين للثقافة والموروث اللامادي المحلي للمناطق الجبلية، وتجاهل البعد الهوياتي لهاته المناطق؛ وكذا إهمال حفظ الذاكرة الجماعية للمناطق الجبلية؛ وعدم تثمين المعارف وأشكال التنظيم والتدبير الأصيلة. كما أظهر الإكراهات المرتبطة بالمستوى البيئي، من استنزاف الثروات الباطنية والمعدنية للمناطق الجبلية (الغابات، المعادن، المقالع…)، وتدمير المجال الايكولوجي وسوء تدبير المحميات، واستنزاف الموارد والثروات الطبيعية للجبل، ثم اجتثاث واستنزاف الثروات الغابوية، والاستغلال غير المعقلن للفرشة المائية. واستعرض الديش أوجه مخاطر العديد من المناطق الجبلية المتعددة التي تؤثر على كثير من التوازنات،منها تدهور الأراضي على نطاق واسع، و عدم المساواة في حقوق الانتفاع من الأراضي غير العادلة، وتسجيل الفقر الشديد : حوالي 40٪ من سكان الجبال في البلدان النامية معرضون لانعدام الأمن الغذائي، ثم الاستيلاء على الموارد، واستنزافها، وحساسية للتغير المناخي، والتي قد تؤدي إلى تفاقم التحديات القائمة، وتآكل سبل العيش التقليدية للجبال، المدرجات، الزراعات الأصلية، وإشكالية الهجرة إلى المناطق المنخفضة والمراكز الحضرية بحثاً عن العمل والدخل، مما أدى إلى التخلي عن الأرض ورمزها الثقافي وبالتالي فقدان التراث ومعه المعارف المحلية الهامة والمتلائمة. واقترح الأستاذ الديش فرص ومداخل للحلول التي يرافع من أجلها الإئتلاف المدني من أجل الجبل، انطلاقا من الضغط المتزايد على سكان الجبال وموارد الجبلية، مجسدا الاختيارات وممارسات بديلة من قبيل اعتماد ممارسات متكيفة ومنها أساليب إدارة مستدامة للمجال الجبلي وتدبير مخاطر الهجرة والتخلي عن الأراضي، تعزيز التنمية المستدامة للجبال من أجل الصمود العالمي أمام تحديات المناخ الجديد، تعجيل إنجاز أجندة التنمية المستدامة للجبال من أجل زيادة قدرة سكان الجبال على التكيف. كما اقترح الديش تعزيز العمل التعاوني من خلال المشاركة الفعالة وتقاسم الخبرات، وتنفيذ برامج خاصة تعزز المستدامة، في الأنشطة الفلاحية أو غير الفلاحية في المناطق الجبلية. المناطق الجبلية لضحية لضعف العدالة المجالية من جانبه، وفي مداخلة له استحضر رشيد حموني، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ورئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، الملاحم النضالية التي ميزت مناطقنا الجبلية، عبر تاريخنا الوطني القديم والحديث، معتبرا أن الجميع يعلم بالتضحيات والكفاحات والبطولات التي قادها سكان كافة الجبال في بلادنا، من أجل طرد المستعمر، سواء الإسباني أو الفرنسي؛ (في الريف والأطلس الصغير والمتوسط والكبير). وأضاف حموني أن المناطق الجبلية لا تزال ضحية لضعف العدالة المجالية ببلادنا، حيث أن مظاهر التفاوتات الاجتماعية والترابية، كبيرة وعميقة جدا، واعتبر حموني أن من حقنا، بل من واجبنا، كمناضلين وسياسيين ووطنيين، في الوقت الراهن، أن نحمل، بكل قوة، مطلب الإنصاف المجالي والاجتماعي للمناطق الجبلية، جبرا للضرر وإحقاقا للحق والعدل، "نضال يجب علينا أن نعطيه دفعةً أقوى، ليكون بذلك ، أكبر تكريم، وأعظم وفاء، لأرواح شهداء الوطن في المناطق الجبلية، اعترافا بتضحيات كل الأجيال المناضلة التي كافحت من أجل مغرب الديموقراطية والعدالة الاجتماعية، ومن بينها جيل مجموعة 28 لأزرو"، وفق تعبيره. وتابع العضو القيادي في حزب التقدم والاشتراكية، "حينما نتحدث عن العدالة المجالية، فإن ذلك يعني ضرورة أن تنصب السياسات العمومية على ردم الهوة بين الجهات، وبين الأقاليم، وبين المدن والقرى، ولكن أيضا بين السهول والجبال، وأفضل مثال على ذلك هو الثروات المائية التي تستقبلها الجبال دون أن تكون بالضرورة هي المستفيدة منها (اللاعدالة ما بين عالية وسافلة الأنهار والوديان والسدود)، مستغربا كيف أن مناطق تكسوها الثلوج شتاء تعيش أزمة العطش صيفا". ثم استعرض المتدخل مميزات المناطق الجبلية بثرواتها ومؤهلاتها الطبيعية الهائلة، جيولوجيا وبيئيا ومائيا ومناخيا ونباتيا ومنجميا، باعتبارها ثروة مادية تحتوي، تقريباً، على ما يناهز 70 بالمئة من الثروة المائية، و62 بالمئة من مساحة الغابات؛ كما أنها تشكل حوالي 25 بالمئة من مساحة التراب الوطني، وتضم نحو 25 بالمئة من ساكنة المغرب، منها أزيد من 70 بالمئة في القرى وأقل من 30 بالمئة في المدن والحواضر. وأضاف المتدخل إلى ذلك، تميز هذه المناطق الجبلية بغنى تراثها الثقافي والتاريخي؛ أي أنها ثروة وطنية لا مادية. موضحا أن المفارقة هي أنها تعيش تحت وطأة الفقر والهشاشة وغياب التنمية، حيث لا تتعدى نسبة مساهمتها في الناتج الداخلي الخام حوالي 5 بالمئة؛ كما لا تتعدى نسبة استهلاكها 10 بالمئة من الاستهلاك الوطني، على الرغم إطلاق الدولة لعدد من البرامج والسياسات العمومية التي لا يزال أثرها محدودا، وآخرها برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالمجال القروي، والذي تم من أجله ضخ ملايير الدراهم من طرف قطاعات حكومية متعددة، في صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية الذي أُحدث منذ سنة 1994. ووجه حموني نداء لكل الفاعلين المهتمين بالموضوع ،لمواصلة النضال، على كل الواجهات، من أجل أن تتسم تدخلات هذا الصندوق بالحكامة الجيدة، وبالنجاعة اللازمة، مع تفادي التمييز والمحاباة في توزيع المشاريع، مؤكدا أن الأمر يتطلب رؤية شمولية لتنمية المناطق الجبلية، مع استحضار خصوصيات كل منطقة على اعتبار أن المناطق الجبلية لا تزال تعاني، أكثر من غيرها، من ضعف التمدرس، وضعف شديد في الخدمات الأساسية للصحة والتعليم، والماء والكهرباء، والعزلة بسبب غياب المسالك والطرق، إضافة إلى المعاناة من فترات الجفاف والبرد، والفيضانات، والهجوم على ثرواتها، وتدهور التربة، ونضوب البرك المائية، والرعي الجائر، وانقراض عدد من الحيوانات البرية، وانهيار الأنظمة الإيكولوجية، وغير ذلك. وسجل رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب أن المناطق الجبلية، لا تزال تضم أكثر من 40 بالمئة كنسبة الأمية؛ ويقل دخل ساكنة المناطق الجبلية مرتين عن المتوسط الوطني للدخل، ولا يأتي غالبه سوى من الفلاحة وتربية المواشي، كما أن نسبة الفقر والهشاشة والبطالة في المناطق الجبلية أكثر ارتفاعاً بكثير من المعدل الوطني، كما تعرف نسبة وفيات الأمهات والأطفال نسبا أكبر من باقي المناطق، ولا تزال الفجوة الرقمية هائلة، بسبب ضعف خدمات التغطية بشبكة الهاتف والأنترنيت، بالإضافة إلى وضعية المرأة في المناطق الجبلية ،فهي ليست على ما يرام، وحتى تمثيليتها المفروضة بالقانون في المجالس المنتخبة، لا تزال رمزية في الغالب، مما يسبب حسب المتدخل هجرة ونزوحا يكاد يكون جماعيا، ولا سيما في أوساط الشباب، من المناطق الجبلية نحو المناطق الحضرية في السهول، بحثاً عن ظروف أفضل. من جانب آخر، استحضر حموني المجهودات العمومية للدولة، لاسيما من خلال برامج (PAGER/PERG/PNRR)؛ معتبرا إياها برامج محمودة، لكنها غير كافية، مستدلا بضعف الربط بشبكة تطهير السائل الذي يقل من 10 بالمئة. في هذا الصدد، دعا حموني إلى تكاتف الجهود، حزبيا وجمعويا ومؤسساتيا، لأجل المساهمة الإيجابية في رفع هذه التحديات، وتوصيل مطالب الساكنة في الوسط الجبلي، ولاسيما من خلال النهوض بالبحث العلمي المتوافق مع خصوصيات المناطق الجبلية (مثلا البحث الزراعي والغابوي وتكنولوجيا تدبير الماء وتجميعه)؛ وكذا الحفاظ على التنوع البيولوجي والأنظمة الإيكولوجية؛ الارتقاء بكافة الخدمات العمومية (الصحة، التعليم، الماء، الكهرباء، تطهير السائل، الطرق، الأنوية الجامعية، الداخليات، الأحياء الجامعية، التشغيل… إلخ). كما دعا المتحدث نفسه إلى ضرورة تسويق التراب الجبلي، لجذب الاستثمار الخاص، وفق خصوصيات المناطق الجبلية: يجب أن نقطع مع المنطق الذي يجعل من المناطق الجبلية مجرد منبع للموارد التي يذهبون بها إلى مدن أخرى من أجل تصنيعها؛ بالإضافة إلى اقتراح يهم التوطين المحلي للاستثمارات الذي من شأنه أن يخفف من البطالة الواسعة. في نفس السياق، يرى حموني على أن هناك ضرورة، أيضا، للاستثمار العصري في النباتات العطرية، وفي المنتوجات الغابوية، وفي الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتعاوني، وفي الصناعة التقليدية؛ وكذا الاستثمار في الصناعات الثقافية (يمكن تحويل عدة مناطق جبلية إلى مواقع للإنتاج السينمائي الوطني والدولي)؛ فضلا عن إمكانية تحويل المناطق الجبلية إلى كنز حقيقي فيما يتعلق بالسياحة الجبلية، التي عرفت عدد من البلدان كيف تستثمر فيها؛ وذلك إلى جانب استحضار خصوصيات المناطق الجبلية في التخطيط الترابي وتهيئة المجال ووثائق التعمير؛ والقطع مع التدبير المركزي لشؤون المناطق الجبلية. من جهة أخرى توقف حموني عند ضرورة الرفع من الأرصدة المالية العمومية المخصصة لتنمية الوسط الجبلي، مشددا على وجوب الحرص على الحكامة الجيدة في الإنفاق والبرمجة؛ وكذا في الانفتاح على التعاون الدولي، لاسيما عبر عقد اتفاقيات توأمة بين أقاليم جبلية ببلادنا مع مناطق جبلية ناجحة ومتميزة بتنميتها في عدد من بلدان العالم؛ (في بوليفيا؛ مونتينغرو؛ بولونيا؛ إسبانيا؛ السويد؛النرويج؛إيطاليا، سويسرا …..)؛ للاستفادة من الخبرات؛ فضلا عن ضرورة الاستفادة من خبرات واستثمارات مغاربة العالم، وخاصة منهم الذين ينحدرون من هذه المناطق الجبلية؛ وكذا إصدار إطار قانوني ومؤسساتي خاص بتنمية المناطق القروية والجبلية. وتوقف حموني في كلمته، عند المقترح الذي وجهه حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب من أجل إحداث مجلس وطني للمناطق الجبلية، كمؤسسة عمومية، ووكالات خاصة بالكتل الجبلية الرئيسية في بلادنا؛ حيث قال إننا نقترح من خلاله عقود برنامج بين "المجلس" وبين وكالات الكتل الجبلية المختلفة، من أجل تفعيل خطة وطنية لحماية وتنمية المناطق الجبلية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والإيكولوجية؛ على أساس مجموعات تضاريسية تسمى في هذا القانون "بالكتل الجبلية": كتلة الأطلس المتوسط؛ كتلة الأطلس الكبير الشرقي إلى حدود إقليم فكيك؛ كتلة الأطلس الكبير الأوسط؛ كتلة الأطلس الكبير الغربي؛ كتلة صغرو؛ كتلة الأطلس الصغير؛ كتلة زرهون؛ وكتلة الجبيلات. المناطق الجبلية وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية بدوره، قال جلال المعطى، عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية والمهتم يالقضايا البيئية والمجالية إن المناطق الجبلية تشكل إحدى الانشغالات الكبرى لما لها من دور بارز في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية على المستوى الوطني. وتكمن أهمية المناطق الجبلية ودورها في التنمية، حسب المعطى في كونها تغطي 26 بالمئة من مجموع المساحة الوطنية؛ فضلا عن 25 بالمئة من مجموع السكان حسب إحصاء سنة 2014. وتتميز المناطق الجبلية يقول المعطى بكونها تتميز بغنى مواردها الطبيعية وأهميتها البيئية وتنوع أوساطها الجغرافية (حوالي 62 % من الغابات) وكذا ب 80 بالمئة من المخزون المائي الذي يساهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد الوطني، فضلا عن كون هذه المناطق تتميز برصيد تاريخي وثقافي هام يساهم في تنويع و إغناء الموروث الحضاري المغربي. وتوقف المعطى عند مجموعة من الإكراهات والمشاكل البنوية التي تعرفها هذه المناطق شخصها الهشاشة وضعف الجاذبية؛ تأثير التغيرات المناخية؛ ضعف المساهمة الاقتصادية 5 بالمئةمن الناتج الداخلي الخام؛ وكذا ارتفاع معدل الفقر بالجبل بنحو 22 بالمئة مقارنة مع المعدل الوطني 11,7 بالمئة. وأبرز جلال المعطى مميزات السلاسل الجبلية للأطلس المتوسط، والأطلس الكبير، ثم الأطلس المتوسط، والريف، وخلص بعد هذا التشخيص إلى أن ضعف نسبة النمو السكاني والكثافة السكانية بالمناطق الجبلية مرده إلى تراجع الجاذبية الديمغرافية، مما يسبب في عجز النمو الديموغرافي أقل من المتوسط الوطني 1,25 بالمئة بجل المناطق الجبلية حيث سجل 0,9 و0,8 و0,6 و0,4 بالمئة على التوالي بكل من الأطلس المتوسط، والأطلس الكبير، الأطلس الصغير والريف ، كما سجل هيمنة المدن الصغرى والمتوسطة بالمناطق الجبلية، معتبرا أن معدل التمدين ضعيف بالأطلس الكبير سنة 2014؛ حيث بلغ 22 بالمئة بالمقارنة مع المعدل الوطني. وأوضح المعطى أن معظم الجماعات الترابية تعاني بالمناطق الجبلية من ارتفاع معدل الفقر ما بين 15 و80 بالمئة، وارتفاع معدل الفقر بالجبل 22 بالمئة مقارنة مع المعدل الوطني 11,7 بالمئة، وكذا ارتفاع معدل الهشاشة بمعظم المناطق الجبلية حيث يتراوح ما بين 20 و45 بالمئة. وبعد لفت المتدخل إلى بعض البرامج الرسمية التي حاولت مقاربة الجبل، منها المخطط الشمولي لمحاور تهيئة الأطلس المتوسط، ثم برنامج التنمية المجالية المستدامة للأطلس الكبير، وأيضا برنامج التنمية المستدامة للأطلس الصغير، خلص إلى أن هناك خللا في مقاربة البعد الزماني بالبعد المجالي، موضحا أن المقاربة السليمة عليها أن تنطلق من المدى القريب الذي يتطلب أن يشمل ضمن اهتمامات التراب الجماعي، مستوى التنمية البشرية باعتباره مدخلا لتدعيم مشاريع التنمية المحلية، ومحاربة الفقر والهشاشة، تحسين جودة الخدمات الأساسية، ودعم المخططات الجماعية للتنمية. وعلى المدى المتوسط، يرى المعطى على أن هناك حاجة لتنويع الأنشطة الاقتصادية وتأهيل الكفاءة المحلية، وتدعيم المشاريع المندمجة ضمن مستوى النمو الاقتصادي والتنافسية، ثم الانتقال إلى المدى البعيد ضمن المستوى المؤسساتي والتشريعي، عبر وضع إطار قانوني ومؤسساتي بهدف استدامة مسلسل تنمية الجبل. وبعد أن استعرض جلال المعطى مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالجبل والاختلالات على مستوى فهم خصوصيا المناطق الجبلية، حيث سوء الفهم الكبير مجاليا بين العالم القروي وعالم الجبل، استعرض مجموعة من الاقتراحات التي تدخل ضمن الممكن والمتجلية وذلك من خلال تنمية المناطق الجبلية تكتسي صبغة المصلحة الوطنية (التخلي عن النظرة التجزيئية)، التزام قوي للدولة وتفعيل آليات التضامن (Péréquation)، الواجب الوطني، النجاعة الاقتصادية والمحافظة على الأوساط الطبيعية. وأكد المتحدث أن ذلك يجب أن يتم انطلاقا من المبادئ والمرتكزات الأساسية والتي حددها في العدالة المجالية: الحد الأدنى المجالي، التضامن المجالي بين المنبع والسافلة، العدالة الجبائية، سياسة عمومية للكتل الجبلية وتقاطعاتها في أدوات التخطيط الجهوي والإقليمي. يشار إلى أن هذا اللقاء الذي التأم السبت الماضي بأزرو عرف نقاشا غنيا ومثمرا ساهم فيه عدد من المتدخلات والمتدخلين، كما عرفت ضمن مخرجاتها تسليم دعم تكريم المعتقلين السياسيين لمجموعة أزرو، بمثابة تذكار من فريق التقدم والاشتراكية سلمه رئيس الفريق رشيد حموني للرفيق نيتلحو كريم عضو مجلس رئاسة الحزب والمعتقل السياسي السابق نيابة عن المجموعة. كما يشار إلى أن هذا اللقاء يأتي كمساهمة من قبل حزب التقدم والاشتراكية بأزرو في إغناء النقاش العمومي حول هذا المجال المهم في المغرب، حيث يتوخى حزب التقدم والاشتراكية من هذا اللقاء ملامسة مختلف الإشكاليات المتعلقة بالجبل وآفاق التنمية المستدامة بها وذلك استمرارا لمبادراته دعوة حساسيات سياسية واجتماعية وثقافية مختلفة إلى الدلو بدلوها، في أفق صياغة تصور متقاسم يؤسس ويؤشر على ترافع جاد ومسؤول من أجل الإنصاف والعدالة الاجتماعية والمجالية.