رغم عدم ترخيص السلطات الإدارية للمسيرات والوقفات الاحتجاجية المنددة بغلاء المعيشة، فإن ذلك لم يحل دون إقامة هذه الاحتجاجات بهذه المنطقة أو تلك، كما أن موقف مصالح وزارة الداخلية لم ينجح في إخفاء حالة الاحتقان الواضحة وسط المجتمع، ولدى فئات واسعة من شعبنا، وذلك جراء تدهور القدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية. إن الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تعاني منها العديد من الأسر المغربية لم تكلف حكومتنا نفسها عناء إدراك مخاطرها وتداعياتها المحتملة عن الاستقرار المجتمعي ببلادنا، وهذا ما يفرض تجديد دق كل نواقيس التنبيه والتحذير مرة أخرى. لقد أقدمت الحكومة، ولو بشكل متأخر، على تفعيل بعض الإجراءات الجزئية، وأعلنت عن لجان اليقظة، وهي، في كل الأحوال، خطوات إيجابية، ولكن المشكلة تكمن في افتقار الحكومة لرؤية شمولية بشأن إصلاح الإختلالات البنيوية لمنظومة الأسعار، وتموين السوق بالمواد الأساسية، ومحاربة الاحتكار والمضاربات ومنع ارتفاع الأثمنة في السوق، كما أنها لا تمتلك رؤية استشرافية للتصدي للأزمات ومعالجة تداعياتها، وليست لها الإرادة القوية لتغيير المحددات البنيوية والهيكلية لتوجه الفلاحة المغربية، وذلك بما يتيح توفير الأمن الغذائي المحلي لشعبنا أولا، بدل المبالغة في الإغداق على الفلاحة التسويقية الموجهة للتصدير وحدها... أسعار المواد الأساسية، توفير كل الحاجيات المطلوبة في الأسواق ومحاربة المضاربة والاحتكار بشأنها، التصدي لارتفاع أسعار المحروقات، العمل لتلبية حاجيات شعبنا أولا من المواد الفلاحية...، هذه واجهات الاستنفار المطلوب اليوم من الحكومة، والمداخل الضرورية لتحسين الوضع المعيشي لشعبنا، وبالتالي للتخفيف من حدة القلق والحنق المتفشيين في البلاد. لا أحد اليوم ينكر الاحتقان الاجتماعي الواضح وسط شعبنا، وذلك جراء تنامي غلاء المنتجات والمواد الاستهلاكية وتدهور القدرة الشرائية، وأيضا بسبب لامبالاة الحكومة بما يمكن أن ينجم عن هذه الأزمة الاجتماعية الصعبة من تداعيات وآثار، ولمصلحة بلادنا ومستقبلها، من الضروري التدخل المستعجل من لدن الحكومة لمواجهة تجليات المعضلة الاجتماعية والمعيشية، وفي نفس الوقت تأمين الحضور السياسي والتواصلي للحكومة لطمأنة الشعب، ولكي يستعيد ثقته. الحكومة، وكما طالبت قوى عديدة بذلك، مدعوة لإعمال إجراءات شجاعة وشمولية وهيكلية لتحسين الظروف المعيشية لشعبنا، ومطالبة بالتوجه نحو اللوبيات الريعية، ونحو الاختلالات البنيوية ذات الصلة بالسوق الوطنية ومنظومة الأسعار ومحاربة المضاربة والاحتكار، وأن تحرص على تموين السوق بالمواد الاستهلاكية الأساسية، وأن تخفف من ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية والفلاحية، وأن تهتم أكثر بمقومات الأمن الغذائي الوطني والاستقلالية الطاقية والفلاحة الموجهة للسوق الداخلية. إن الأزمة الاجتماعية وتنامي الغلاء وتدهور القدرة الشرائية، كل هذا لن يختفي فقط ببعض الإجراءات الحكومية الجزئية، أو بالصمت الحكومي والامتناع عن التواصل المنتظم والمقنع، أو أيضا ببعض التصريحات المعلقة في الهواء التي يدلي بها بعض الوزراء، ولكن الحل يوجد في الإرادة السياسية الواضحة، وفي القرارات الشجاعة والشمولية، وفي التخطيط الاستشرافي للمستقبل، وفي الانتصار لتطلعات شعبنا ومصلحة بلادنا أولا وقبل أي شيء آخر. ومن دون وعي حكومي بالمخاطر والتداعيات، وإذا لم تتخذ إجراءات حقيقية لإعمال الحلول، فإن القلق والحنق سيتواصلان وسط شعبنا حتى لو لم يتم الترخيص لاحتجاجات في الشارع.