في الأيام الأخيرة، بدأ بعض وزراء "حكومة الكفاءات" عندنا يتسابقون فيما بينهم لنفي وجود زيادات غير مبررة في أسعار مواد غذائية أو تأكيد حدوث تراجع فعلي في ذلك أو انخفاض في الأسعار، وهم لا يبالون، في ذلك، ألا أحد يصدقهم، أو أن ما يرددونه لا يثبته واقع السوق. وزير يعلن عن خرجاته الميدانية لبعض الأسواق ويقدم توقعاته لحدوث الانخفاض في الأسعار، ويحدد المدة والتاريخ لذلك، وآخر يدعو الصحفي الذي سأله عن سعر اللحوم إلى مرافقته إلى السوق لاقتناء ذلك بثمن أقل... هذا الأسلوب التواصلي العجيب يضاف إلى إصرار الحكومة منذ مدة على تقديم التبريرات والتشخيصات لواقع الغلاء، كما لو أنها مركز بحث أو وسيلة إعلام، وينسى وزراؤنا أن دور الحكومة هو صياغة الحلول وإعمالها، وجعل الناس يحسون بأثر ما يتخذ من إجراءات على حياتهم المعيشية اليومية. التعاطي الحكومي مع تفاقم الغلاء ينم عن الافتقاد إلى الحد الأدنى من الجدية، ويؤكد غياب الإحساس بالمسؤولية تجاه الأوضاع الاجتماعية لشعبنا. الجميع اليوم يتفق على أن ما سمي مخطط المغرب الأخضر يستوجب إعادة صياغة محدداته وأهدافه وبرامجه وأفقه... الجميع، أيضا، يتفق على أن رهان الأمن الغذائي الوطني يجب أن يحتل مكانة استراتيجية أكبر في منظومة الاهتمام الحكومي، وفي مخططاتنا الفلاحية والصناعية والتخطيطية الوطنية... الجميع يلفت اليوم إلى معضلات بنيوية في قطاعات: الفلاحة، الماء، الصناعات الغذائية، سياسة التصدير واتفاقيات الشراكة، التجارة الداخلية...، وهو ما يفرض رؤية مختلفة، ويتطلب التفكير في حاجيات وانتظارات شعبنا أولا. هذا الأفق يفرض التوجه نحو تفاصيل مشكلات واختلالات مختلف السلاسل الإنتاجية والأنظمة، ونحو التسويق والأسعار، ونحو السماسرة والمضاربين ولوبيات الريع، وذلك من أجل تنفيذ إجراءات شجاعة وهيكلية من شأنها إنتاج الحلول وتحقيق الأهداف. من دون سياسة اجتماعية جريئة وواضحة الخطوات والبرامج والأهداف، سيبقى سلوك الحكومة وتصريحات وزرائها بلا أي جدية أو مصداقية أو إقناع. الحكومة مطالبة اليوم بتدخل ناجع ومتكامل لتفعيل إجراءات مستعجلة بغاية حماية ودعم القدرة الشرائية للأسر المغربية، وبالحرص على توفير التموين اللازم للسوق الوطنية بكل المواد الاستهلاكية الضرورية، وأن تكون بأسعار معقولة، وخصوصا مع اقتراب حلول شهر رمضان، وأن تبدي جدية أكبر تجاه استياء المواطنات والمواطنين جراء تدهور قدرتهم الشرائية. إن عدم وعي الحكومة بحدة معاناة فئات واسعة من شعبنا بسبب تفاقم الغلاء، ولامبالاتها تجاه الاحتجاحات المتزايدة في أكثر من جهة ضد هذا الواقع، يكشف افتقادها إلى المسؤولية السياسية وبعد النظر تجاه مستقبل بلادنا، وأهمية استقرارها المجتمعي، علاوة على ضعف الجدية لديها... أما الوزراء الذين لا يجدون في عقولهم وألسنتهم سوى"التشيار" بأسعار غير موجودة في الواقع، وترديد حكايات في لقاءاتهم الصحفية والدعوة إلى مرافقتهم إلى السوق، أو التباهي الفج بأنهم، بدورهم، يلجون السوق ويعرفون الأسعار، فكل هذا لن يجدي، ولا يقنع الناس، وإنما، عكس ذلك، يجعلهم يسخرون من عبثية هذا الخطاب الحكومي الضحل جدا. بعض الجدية مطلوب أيها السادة... محتات الرقاص