دعا الكاتب والناقد محمد برادة إلى إعادة النظر في مقاييس الكتابة الروائية وإلى تقييم الطريقة التي طلت تكتب بها الرواية لمغربية على اليوم. وقال براد «نحن مطالبون بأن لا نظل على الطريقة التي نكتب بها الرواية وكأن العالم لم يتغير». جاء ذلك في كلمة له بمناسبة تكريمه من طرف جمعية مهرجان الرشيدية يوم الجمعة الماضي في إطار فعاليات الدورة الخامسة التي نظمت تحت شعار «تافيلالت أيقونة ثقافة الصحراء». وأضاف محمد برادة قائلا: «في الستينيات كنا نكتب الرواية اعتقادا منا أنها وسيلة لتعميق الوعي والمعرفة، بمعنى أنها لا تقوم على سرد حبكة من الوقائع فقط،ولكن ما يعطيها شرعيتها هي أن الروائي يجمع كل التفاصيل ليصوغ منها رؤية للحياة» مشيرا إلى أن الرواية لا يجب أن تصاغ على شكل أطروحة تقريرية بل عليها أن تستعرض الاختلاف والتنوع بنوع من الحياد وبشكل يعطي الكلمة لكل صوت متميز ويترك الحرية لمن ينتقد. وفي نظر برادة فإن الوضع الذي يوجد عليه الأدب المغربي ليس وضعا سهلا بالنظر إلى الشروط الموضوعية والمتمثلة في استمرار ارتفاع نسبة الأمية ومشاكل التوزيع وضعف المقروئية ، وأيضا بالنظر إلى التحولات الكبرى التي عرفها العالم في مجال تكنولوجية المعلومة. مشدد على ضرورة تشجيع القراءة واحتضان القراء للإبداع كشرط أساسي لازدهار الأدب ، مشيرا إلى الجيل الذي ينتمي إليها كان مملوءا بالأمل عكس ما يلاحظه على جيل يوم الذي يسيطر عليه اليأس مرد ذلك في نظر محمد برادة هو انسداد الأفق أمام جيل الشباب وعدم توفرهم على امكانيات تحقيق الذات انطلاقا من التعليم، مبرزا أن المغرب بعد مرور أزيد من خمسين سنة على الاستقلال لازال يعيش مشكلات متناسلة وعلى رأسها التعليم، فالهم الذي كان يسكن محمد برادة وأقرانه من المثقفين هو بناء مغرب الاستقلال الذي يستوعب تطلعات من قدموا التضحيات في سبيله. وقد أجمع ثلة من النقاد والأدباء، خلال لحظة التكريم، على أن محمد برادة الروائي والناقد والمبدع يمثل معلمة ومنارة ثقافية لجيل بكامله، فالمحتفى به وفق شهادة الأديب مبارك ربيع،يمثل قوة فكرة وعمق إرادة مشيرا إلى أن هذا الرجل التقدمي المعروف بمواقفه الهادفة إلى الرقي بالمجتمع، كان يجسد مفهوم الريادة في كل أبعاده انطلاقا من هم التأسيس الذي ظل يسكنه من ستينيات القرن الماضي، ويتضح ذلك بحسب مبارك ربيع بشكل جلي في الوضع الثقافي المغربي الذي يحمل بصمات محمد برادة الذي استطاع أيضا أن يربط الجسر بين المشرق العربي والمغرب، فالمحتفى به يقول مبارك ربيع» رجل سياسة يعبر عن مواقفه السياسية والأيديولوجية والفكرية بواسطة الثقافة». واعتمد الدكتور محمد الوالي على عملية الاسترجاع لنسج شهادته في حق النقاد والأديب محمد برادة كأستاذ وشم شخصية المتحدث وساهم في تشكيلها الفكري والثقافي باعتباره كان أحد طلبته في كلية الآداب والعلوم لإنسان بفاس خلال سنوات السبعينات، وكانت لحظة التكريم بالنسبة لمحمد الوالي هي لحظة وفاء وعرفان لبرادة العاشق للحياة إلى درجة الافتتان. من جانب قال الدكتور حسن اليوسفي، «إن محمد برادة يمثل منارة ثقافية وهو أيضا سلطة ثقافية لأنه اقترن بذلك المثقف صانع الأفكار» مشيرا إلى أن مجموعة من المدارس العربية تعرف عليها المشهد الأدبي المغربي عن طريق محمد برادة،مؤكدا على السلطة الثقافية التي يتمتع بها الرجل اكتسبها من تداخل الأبعاد في شخصيته باعتباره مبدعا وناقدا ومثقفا بالإضافة إلى كونه عارف بنبضات الحقل المغربي، باعتباره مفكر ومنظرا سياسيا عارفا بمنعطفات الثقافة العربية الحديثة وهو ما جعل «مفهوم الأديب ينطبق على الرجل بشكل عام» على حد تعبير حسن اليوسفي الذي اعتبر أن الأدب بالنسبة لمحمد برادة يتأسس على ركيزتين جماليتين وهما جمالية الأدب وجمالية التعبير وأن القوة يستمدها من ابداع برادة تتفاعل مع المستجدات فالأدب بالنسبة أليه يتأسس على جمالية من علاقاته مع الأجناس الأخرى منها الفلسفية والسياسية والمستقبليات.. واعتبر الدكتور محمد أمنصور أن التجربة محمد برادة الروائية، هي تجربة مليئة بالحياة وبقيم التفاؤل، وأن جمالية الكتابة الروائية للمحتفى به تستمد جماليتها من كونها «روايات الشهوة والمتعة وفي نفس الوقت روايات المعرفة والعلم، تنبذ الشعبوية الفجة وتحتفي بهموم المثقف الحداثي». وذكر محمد أمنصور أن صدور رواية «حيوات متجاورة» لصاحبنا محمد برادة هو إعلاء من شأن الحياة والانتصار لها، وممارسة»التحريض» على نسيان السلبيات والتركيز على ما هو ايجابي، لأن مشروعه، يصيف أمنصور «يمجد الحياة وقيمها الحديثة»، وذلك ما أكده الدكتور حسن بحراوي الذي قال «إن محمد برادة هو الوحيد الذي اعتنق الحداثة الفكرية عندما ركن آخرون للصمت ووقعوا ضحية اليأس الأدبي». واختار الدكتور رشيد اترحوت الحديث عن محمد برادة انطلاقا من رواية «لعبة النسيان» أو ما أسماه ب «مجازات التمثيل السردي في «لعبة النسيان» مرويات الجسد نموذجا « مشيرا إلى أن المحتفي به انطلاقا مما كتبه منذ «لعبة النسيان» يبدوا وكأنه يقود الكلام نحو حتفه البليغ ويمنح اللغة حدادها الجميل وذلك الصمت المسبوك ببحة الخوف ومجد التردد». وذكر أترحوت أن محمد برادة رغم طول اشتعاله في التعليم لم يكن أبا لأحد بالمعنى الفرودي للكلمة ولم يكن يشيخا يصطنع المريدين بما أوتي من سلطة معنوية وجاه رمزي، فقد كان الرجل حسب أترحوت صديقا للحياة ووفيا لوعود الغد وغبار المستقبل. ومن جهة قدم الباحث عبد الله بريمي قراءة في عنوان رواية «حيوات متجاورة» الحاصلة على جائزة المغرب لعام 2010،وتناول مفهوم التجاور في بعده الديني ثم بعده التداولي وبعد ذلك في بعده النقدي, وحاول استجلاء العلاقة بينها على المستوى البنائي ثم الفرضيات التي تصبها الرواية انطلاقا من القراءات التي تتوخى التعدد. كما وقف عبد الله بريمي عند القيمة التي أضفاها مفهوم التجاور في خلق نوع من الانسجام، على صورة الكتاب التي تعكس جسدا أنثويا يضع حجابا، كأنه يخفي مزيدا من الأسرار. يشار أن محمد برادة أصدر عددا كبيرا من الدراسات النقدية والترجمات والمجاميع القصصية والروايات، يذكر منها «محمد مندور وتنظير النقد العربي» و»الرواية العربية» و»لغة الطفولة والحلم: قراءة في ذاكرة القصة المغربية» و»سلخ الجلد» و»لعبة النسيان» و»الضوء الهارب» و»أسئلة الرواية، أسئلة النقد» و»مثل صيف لن يتكرر» و»ورد ورماد» هذا فضلا عن ترجمة «من المنغلق إلى المنفتح» لمحمد عزيز الحبابي و»حديث الجمل» للطاهر بنجلون و»في الكتابة والتجربة» لعبد الكبير الخطيبي و»الدرجة الصفر من الكتابة» لرولان بارت و»قصائد تحت الكمامة» لعبد اللطيف اللعبي.