بعد مفاوضات طويلة وصعبة تجاوزت بكثير الموعد المحدد، اختتم مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب27) صباح أمس الأحد بعدما أقر نصا- كان محور نقاشات محمومة- يتم بموجبه إحداث صندوق لتعويض الدول الفقيرة المتضررة من التغير المناخي من دون إعادة تأكيد أهداف جديدة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة. وبعد أعمال استمرت أكثر من أسبوعين انتهى مؤتمر المناخ الذي نظمته الأممالمتحدة في منتجع شرم الشيخ المصري على البحر الأحمر بعد تأخر دام أكثر من يوم جاعلا منه أحد أطول مؤتمرات المناخ. وقال رئيس المؤتمر وزير خارجية مصر سامح شكري "لم يكن الأمر سهلا" لكن "نفذنا مهمتنا في نهاية المطاف". وأقر إعلان ختامي أتى ثمرة الكثير من التسويات، يدعو إلى خفض "سريع" لانبعاثات غازات الدفيئة من دون تحديد أهداف جديدة مقارنة بكوب 26 العام الماضي في غلاسغو. وأسف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لكون مؤتمر الأطراف فشل في وضع خطة "لخفض الانبعاثات بشكل جذري". وأكد غوتيريش "كوكبنا لا يزال في قسم الطوارئ. نحتاج إلى خفض جذري للانبعاثات الآن وهذه مسألة لم يعالجها مؤتمر المناخ هذا". كذلك، أعرب الاتحاد الأوروبي عن خيبة أمله. وقال نائب رئيسة المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانس في الجلسة الختامية للمؤتمر "ما لدينا ليس كافيا كخطوة للأمام (..) ولا يأتي بجهود إضافية من كبار الملوثين لزياد خفض انبعاثاتهم وتسريعه" واكد "خاب أملنا لعدم تحقيق ذلك". إلا أن هذه النسخة من المؤتمر تميزت باعتماد قرار وصف بأنه "تاريخي" من قبل مروجيه، حول تعويض الأضرار الناجمة عن التغير المناخي التي تتعرض لها أفقر دول العالم. ورحب محمد ادوو مدير منظمة "باور شيفت أفريكا" غير الحكومية والداعم الكبير لإنشاء الصندوق، بهذه الخطوة قائلا "في بداية المباحثات لم تكن مسألة الخسائر والأضرار على جدول الأعمال حتى. والآن دخلنا التاريخ". وكاد ملف "الخسائر والأضرار" يفشل المؤتمر برمته قبل أن تحصل تسوية بشأنه في اللحظة الأخيرة تبقي الكثير من المسائل عالقة لكنها تقر مبدأ إنشاء صندوق مالي محدد لهذا الغرض. وقالت الناشطة الأوغندية الشابة فانيسا ناكاته "لا يمكن بعد الآن تجاهل الخسائر والأضرار في الدول الضعيفة رغم أن بعض الدول المتطورة قرت تجاهل معاناتنا". وكان النص المتعلق بخفض الانبعاثات موضع نقاشات حادة إذ نددت دول كثيرة بما اعتبرته تراجعا في الأهداف المحددة خلال المؤتمرات السابقة ولا سيما إبقاء هدف حصر الاحترار ب1.5 درجة مئوية مقارنة بما قبل الثورة الصناعية "حيا". لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدا اكثر تشاؤما بشأن هذا القرار، حيث اعتبر وهو يعلق على الفكرة، على هامش مشاركته في قمة الفرنكوفونية في تونس، السبت، أن إنشاء صندوق لتعويض الدول النامية عن "الخسائر والأضرار" التي تتكبدها من جراء التغير المناخي هو حل "غير كاف إلى حد بعيد". وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي إن "فكرة إنشاء صندوق فقط هي في أسوأ الأحوال غير مناسبة، وفي أحسن الأحوال غير كافية إلى حد بعيد". وأضاف "حالما نواجه مشكلة نستحدث صندوقا (…) ماذا عن الحوكمة؟ من سيساهم بالأموال؟". ولا تسمح الالتزامات الحالية للدول المختلفة بتاتا بتحقيق هدف حصر الاحترار ب1.5 درجة مئوية. وتفيد الأممالمتحدة بأنها تسمح بأفضل الحالات بحصر الاحترار ب2.4 درجة مئوية في نهاية القرن الحالي، لكن مع وتيرة الانبعاثات الحالية قد ترتفع الحرارة ب2.8 درجة مئوية وهو مستوى كارثي. فمع بلوغ الاحترار حوالى 1.2 درجة مئوية حتى الآن، كثرت التداعيات الكارثية للتغير المناخي. في العام 2022 توالت موجات الجفاف والحر والحرائق الضخمة والفيضانات المدمرة ما ألحق ضررا كبيرا بالمحاصيل والبنى التحتية. وقد ارتفعت كلفة هذه الظواهر المناخية القصوى بشكل مطرد. فقدر البنك الدولي ب30 مليار دولار كلفة الفيضانات التي غمرت ثلث أراضي باكستان على مدى أسابيع فيما بلغ عدد المنكوبين الملايين. وتطالب الدول الفقيرة الأكثر عرضة للتداعيات مع أن مسؤوليتها محدودة جدا عموما في الاحترار، منذ سنوات بتمويل "الخسائر والأضرار" التي تتكبدها. ولكن المعركة لن تنتهي مع إقرار الصندوق في شرم الشيخ إذ أن القرار لم يحدد عمدا بعض النقاط التي تثير جدلا. وستحدد التفاصيل العملانية لهذا الصندوق لاحقا بهدف إقرارها في مؤتمر الأطراف المقبل نهاية 2023 في الأمارات العربية المتحدة، مع توقع مواجهة جديدة لا سيما على صعيد البلدان المساهمة إذ تشدد الدول المتطورة على أن تكون الصين من بينها. وشكلت أهداف خفض الانبعاثات موضوعا شائكا في كوب27 أيضا. فقد اعتبرت الكثير من الدول أن النصوص التي اقترحتها الرئاسة المصرية للمؤتمر تشكل تراجعا عن التزامات بزيادتها بانتظام اتخذت العام الماضي خلال كوب26 في غلاسغو. وأسفت لورانس توبيانا إحدى مهندسات اتفاق باريس للمناخ في 2015 لكون "مؤتمر الأطراف هذا أضعف واجبات الدول في تقديم التزامات جديدة أكثر طموحا". تضاف إلى ذلك مسألة خفض استخدام الطاقة الأحفورية المسببة للاحترار التي بالكاد أتت وثائق المؤتمر على ذكرها. وتم ذكر الفحم العام الماضي بعد مناقشات حادة، لكن في شرم الشيخ عارض "المشبوهون الاعتياديون" على ما قال أحد المندوبين، ذكر الغاز والنفط. والمملكة العربية السعودية وإيران وروسيا هي من أكثر الدول التي تذكر في هذا المجال. إلا أن تطوير مصادر الطاقة المتجددة ذكر للمرة الأولى إلى جانب مصادر الطاقة "المنخفضة الانبعاثات" في إشارة إلى الطاقة النووية