إجهاد مائي جد مقلق وأزمة مائية لم يعرفها المغرب منذ الثمانينات، والحل الوحيد المتاح هو إحداث قطيعة صريحة مع نموذج هدر الموارد المائية وهي ليست مسؤولية الدولة فحسب، بل كذلك القطاع الفلاحي في كل أبعاده، فقد تراجعت معدلات ملء حقينة السدود إلى 24 في المائة على الصعيد الوطني. جلالة الملك يدعو إلى ضرورة التعاطي بجدية مع إشكالية تدبير الموارد المائية وشدد جلالة الملك محمد السادس في خطابه إلى أعضاء البرلمان خلال ترؤسه لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، على ضرورة التعاطي بجدية مع إشكالية تدبير الموارد المائية حاضرا ومستقبلا. ونبه الخطاب السامي، إلى إشكالية تدبير الموارد المائية التي تطرح نفسها بإلحاح، بالنظر لوجود عدة عوامل منها الاستغلال المفرط لمصادر المياه الذي يفوق وتيرة تجديد الموارد. وكان التقرير الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2019 قد توقف عند تزايد الطلب على الماء بشكل يفوق الكميات المتوفرة سنويا من الموارد المتجددة من المياه العذبة، في نفس الوقت تزايد الاستهلاك المفرط للموارد المائية الجوفية، دون التقيد الصارم بما يقتضيه القانون لاستغلال الموارد المائية، فضلا عن الضعف المسجل على مستوى فعالية آليات المراقبة، في الوقت الذي حافظ فيه المغرب على أمنه المائي منذ عقود، وذلك لتوفره على عدة خصائص من أهمها موقع المغرب وخاصياته الجغرافية والمتمثلة في عدم مشاركة موارده المائية مع أي من دول الجوار، وهو ما جعل قراراته بخصوص سياساته المائية تطبعها الاستقلالية ولا تخضع لأي املاءات إقليمية، ولا تتأثر بالسياسات المائية لدول الجوار، ورغم هذه الخاصية الفريدة التي يتميز بها المغرب إلا أنه دخل بدوره في مرحلة الاجهاد المائي لأسباب يتداخل فيها ما هو طبيعي كندرة التساقطات وتوالي دورات الجفاف، بما هو بشري والمرتبط بالاستعمال المفرط للموارد المائية واستنزافها بطرق لا عقلانية. لقد تناول خطاب جلالة الملك إشكالية تدبير الموارد المائية التي تطرح نفسها بإلحاح حاضرا ومستقبلا، حيث أكد جلالة الملك أن الإجهاد المائي هو هيكلي بالدرجة الأولى، و من هنا أهمية إطلاق البرامج والمبادرات الأكثر طموحا، واستثمار الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة في مجال اقتصاد الماء، وإعادة استخدام المياه العادمة، وهو ما شدد عليه تحديدا جلالة الملك في خطابه، مما سيمكن المغرب من تدارك خطر هذا الإجهاد المائي، والعديد من المعطيات الحديثة كشفت عن أرقام منذرة في ما يتعلق بالعجز المائي المسجل في مختلف الأحواض المائية للمغرب فالعديد من المحددات فاقمت العجز الأخير في الموارد المائية بالمغرب، على غرار العوامل المناخية، والطلب القوي على هذه المادة الحيوية والقصور على مستوى الحكامة والاستغلال المفرط للمياه الجوفية في مجال الفلاحة، نبغي تغيير نظرتنا لقيمة وفائدة المياه، فبالإضافة إلى كونها موردا لخلق القيمة المضافة والنمو الاقتصادي، يجب رفعها إلى مرتبة المواد الخام وموارد الطاقة غير المتجددة، مثل الغاز والنفط. كما ينبغي التأكيد على أن حصة المغاربة اليوم من المياه تقدر ب600 متر مكعب فقط للفرد، وهو أقل بكثير من 2600 متر مكعب في سنوات الستينيات، وبذلك، فإن المغرب يعتبر في وضعية عجز حسب تعريف الأممالمتحدة، ف85 في المائة من المياه الصالحة للشرب تستخدم في الفلاحة. ونتيجة لذلك، سيكون من الضروري الابتكار في الإنتاج الفلاحي عبر التخلي عن زراعات الفاكهة والخضروات "التي تستهلك المياه بشكل كبير وتنتج القليل من القيمة المضافة"، وللإشارة فالأمر لا يتعلق بالفواكه الحمراء مقابل الطماطم أو البطيخ الأحمر مقابل التمور، إنها مسألة موازنة لا غير، فالمغرب يتوفر على الكفاءات والأدوات اللازمة لتسقيف المساحات وتكييف الأراضي مع الزراعات وليس العكس. وهناك عنصر آخر يتعين أخذه بعين الاعتبار، وهو أن قربنا الجغرافي من أوروبا يجعل صادراتنا الفلاحية تنجم عنها انبعاثات أقل لثاني أكسيد الكربون، وبالتالي فإن هذه الصادرات ستواصل الارتفاع، مما يجعل حل مشكلة المياه أصعب، وقد مكن البرنامج الاستعجالي للتخفيف من آثار شح الأمطار الذي خصص له غلاف مالي قيمته 10 مليارات درهم من تخفيف آثار الأزمة، لكن دون وقف النزيف بالعالم القروي. فأمام هذه الكوارث المناخية والتي ستصبح دائمة، تستحق المعادلة الاقتصادية للماء برمتها قرارات جديدة. تعبئة الشباب من أجل المناخ بالتوازي مع هذه الوضعية المائية الاستثنائية تنظم الجمعية الوطنية مغرب أصدقاء البيئة مخيم العدالة المناخية المغرب،لقاء وطني لتعبئة الشباب في مواجهة تغير المناخ، وتجمع شبابي للتكوين وتقوية القدرات تنظمه جمعية مغرب أصدقاء البيئة مع شركائها في الطريق للمشاركة في قمة المناخ بشرم الشيخ (COP27)، ومحطة تكوين وتدريب للقرب لفائدة الشباب في القضايا البيئية والمناخية وفي تقنيات التواصل الجديدة، وفرصة لوضع استراتيجية عمل الشباب من أجل المناخ. وباختصار يعتبر مخيم المناخ آلية لاكتساب الشباب للأدوات اللازمة للفهم العلمي للتغيرات المناخية. فتغير المناخ اليوم هو التحدي الرئيسي الذي يواجه البشرية على الرغم من صعوبة تحديدها، إلا أن عواقب هذه الظاهرة متعددة ولا رجعة فيها وتتجاوز قدرة الاستجابة للنظم البيئية والبشر مما قد يؤدي إلى خطر التغيير أو التدمير الدائم. والمغرب مثل العديد من دول العالم يتأثر بشدة بهذه الظاهرة، وقد تم تحديد بالفعل العديد من الآثار المناخية على المستوى الوطني والتي تهم تدهور المنظومات البيئية الهشة في مقدمتها الغابات والساحل والواحة، ويمثل اعتماد اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1992 الأساس لتحديد وسائل تحفيز التنمية المستدامة على المستوى العالمي، حيث بناء على مخرجات هذه الاتفاقية و على بروتوكول كيوتو واتفاق باريس التاريخي تم تنفيذ العديد من المبادرات والإجراءات منها ما يهم المغرب ومنها ما شمل القارة الإفريقية مبادرات أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله خلال القمة الإفريقية المنعقدة على هامش قمة المناخ (COP22) التي نظمها المغرب بمدينة مراكش، وتظل هذه الجهود المبذولة تواجه تحدي تسارع تغير المناخ، وفي هذا الإطار كان المغرب من بين الدول السباقة إلى تحيين المساهمات المحددة وطنيا حيث رفع التحدي المناخي إلى 45.5 في المائة. لماذا تنظيم مخيم العدالة المناخية بسيدي قاسم؟ لأن الإجهاد المائي والجفاف يهددان باختفاء النظم البيئية الهشة على الصعيد الوطني، وتزداد التهديدات على التنوع البيولوجي وعلى تحقيق الآمن المائي والغذائي، ولأن تغير المناخ والتدهور البيئي يشكلان بالفعل مشكلة خطيرة في جميع جهات المغرب، مما سيؤدي إلى ارتفاع مؤشرات الهشاشة على مستوى أكثر من منظومة بيئية ويعرض للخطر قطاعات حيوية جد مهمة منها القطاع الفلاحي العمود الأساس للاقتصاد المغربي، ولأن مخيم العدالة المناخية المغرب هو فرصة للشباب القادمين من جميع ربوع المملكة للتدريب وتقوية القدرات عن قرب في القضايا البيئية والمناخية، ورشات في تقنيات التواصل الجديدة، ولاكتساب الأدوات اللازمة لمواجهة التغيرات المناخية. لكل هذا تنظم جمعية مغرب أصدقاء البيئة مع شركائها لقاء وطنيا للشباب من أجل المناخ تحت شعار : "في الطريق إلى قمة المناخ COP27 بشرم الشيخ.. الشباب يتعبأ من أجل رفع تحدي تغير المناخ" أيام 29 و30 أكتوبر الجاري، بمركز الندوات والاستقبال بمدينة سيدي قاسم. وسيؤطر هذا اللقاء الوطني مجموعة من الشباب والخبراء والباحثين من باقي ربوع المملكة المغربية للوقوف عند أهم تحديات تغير المناخ بالمغرب والمجهودات المبذولة من طرف المملكة المغربية في سبيل مواجهة استنزاف المنظومات البيئية الهشة. سياسة مائية مغربية متجددة تنفتح على الموارد المائية غير التقليدية عمل المغرب منذ سنوات الثمانينيات على بناء 149 سدا بطاقة استيعابية تبلغ 19 مليار متر مكعب، وكان المغرب بذلك في طليعة بلدان القارة الإفريقية وبلدان جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط، كما جعلت التحديات المناخية وتراجع التساقطات المطرية هذه السدود أقل فعالية، وعلاوة على ذلك، ينبغي تقييم كلفة وأرباح صيانتها وتنظيفها. وثمة مشاريع أخرى جارية مثل تحويل أنهار اللوكوس وسبو نحو أم الربيع وتانسيفت. ولنتوقف قليلا عند بناء 20 مصنعا لتحلية مياه البحر في مختلف جهات البلاد، بهدف يزيد عن مليار متر مكعب سنويا في أفق سنة 2050، هذه المصانع مفيدة بالفعل بالنسبة للفلاحة وتزويد المناطق الحضرية بالمياه، لكن من شأنها أيضا التأثير سلبا على المنظومات البيئية البحرية وعلى الأنشطة السياحية، بينما لا يوجد سبب للتشكيك في هذه الابتكارات، خصوصا من خلال اتخاذ البلدان الرائدة كمعيار مثل سنغافورة التي تحقق اكتفاءها الذاتي من الماء بفضل إضافة موردين، المحيط والمياه العادمة، العنصر الآخر الذي ينبغي أخذه في الاعتبار في ما يخص هذه الابتكارات الكبرى، هو معالجة 86 في المائة من المياه العادمة واستخدامها في الإنتاج الفلاحي. وفي المغرب تتم معالجة أقل من 5 في المائة ب70 مليون متر مكعب فحسب، فقد تطلبت هذه الإنجازات استثمارات ضخمة في البنيات التحتية التكنولوجية والبحث والتطوير. تسارع تغير المناخ يحول دون تنزيل العدالة المناخية ووفقا لأحدث تقرير مناخي صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التي أنشأها برنامج الأممالمتحدة للبيئة المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في عام 1988، يتسبب تغير المناخ في اضطراب خطير وواسع النطاق في الطبيعة ويؤثر على حياة مليارات الأشخاص حول العالم، على الرغم من الجهود المبذولة للحد من المخاطر، واليوم، يعيش ما يقرب من نصف البشرية في منطقة خطر. لقد عرضت الظواهر المناخية المتطرفة الملايين من الناس لانعدام الأمن الغذائي والمائي الحاد، لاسيما في إفريقيا وآسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية والجزر الصغيرة والقطب الشمالي، وهي الأماكن التي لم تساهم إلا قليلا في تغير المناخ. وتؤكد إنكر أندرسون، خبيرة البيئة والاقتصاد التي ترأس برنامج الأممالمتحدة للبيئة أنه ''عندما يكون هناك تأثيرات مناخية – ومحاصيل لم تعد كافية لإعالة الناس هناك، سترى انهيارا بيئيا داخليا، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انهيار مجتمعي، كما يمكن أن يؤدي إلى الإجرام أو الهجرة الخارجية أوالصراع الداخلي، العدالة جزء أساسي من المناقشة البيئية''، وتؤكد أننا: ''عندما نعلم أن واحدا من كل ثلاثة مواطنين أفارقة يواجه شح المياه، فإننا نفهم عدم المساواة المناخية، ثم نفهم أن هؤلاء الأشخاص الذين هم جيراني هنا في نيروبي ينتجون انبعاثات منخفضة للغاية من ثاني أكسيد الكربون''، مشيرة أننا ''عندما تسافر إلى جزر المحيط الهادئ، ستدرك بشكل واضح الظلم الناجم عن ذلك كله. هذه دول لم تكن لها يد فيما يحدث من حيث تغير المناخ لكنها تشعر بالعبء الأكبر''، وتحذر قائلة: ''لكننا سنشعر جميعا بهذا العبء الأكبر، كل ما في الأمر أن البعض يشعر بذلك عاجلاً وبشكل أصعب من الآخرين، ولذا، نعم، الحديث عن الخسائر والأضرار أمر بالغ الأهمية ويفرض ضغوط شديدة على العالم فيما يتعلق بمسألة العدالة''. ويفيد تقرير برنامج الأممالمتحدة للبيئة الموسوم بتقرير فجوة الإنتاج بأنه على الرغم من الطموحات المناخية المتزايدة والتزامات الصافي الصفري، لا تزال الحكومات تخطط لإنتاج أكثر من ضعف كمية الوقود الأحفوري المتسقة مع الحد من ظاهرة الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030، ومع تفاقم تأثيرات المناخ، سيكون توسيع نطاق الاستثمارات في القدرة على تحمل التغيرات المناخية ضروريا للبقاء. في الوقت نفسه، يعد التخلص من الوقود الأحفوري أو "الهيدروكربونات" أمرا أساسيا من أجل كوكب صحي. وتوضح أندرسون أننا ''عندما ندعم الهيدروكربونات، فإننا لم نفهم أن تكاليف هذا الدعم أعلى بكثير من الدعم في حد ذاته. فكر في الأمر، الأطفال المصابون بالربو بسبب أبخرة العادم، تآكل السواحل حيث لا يستطيع الصيادون أو الصيادات تأمين سبل عيشهم. فكر في الأمر، فيضانات مستمرة، وحرائق غابات. ما هي التكاليف؟ تشرح أندرسون: "هذه تكاليف مجتمعية''، مؤكدة أن ''علينا أن نفهم، مع ذلك، أن البلدان النامية التي تقع فوق كومة من المواد الهيدروكربونية التي من المحتمل أن تكون مصدر ربح لها، وعدم إنصافهم في التخلي عن ذلك يعني أن هذه الأموال يجب أن تكون مطروحة على الطاولة لمساعدتهم على إجراء تلك التحولات''. وفي عام 2009، التزمت البلدان المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار سنويًا لدعم العمل المناخي في البلدان النامية بحلول عام 2020، لكنها لم توف بذلك، وتقول أندرسون: "العلم لا جدال فيه، كل ما نحتاجه هو الشجاعة السياسية"، و"إنها مسألة شجاعة القادة والمصالح الاقتصادية التي يمكن أن تسلط في بعض الأحيان ضغطا على قادتنا عند صنع القرار"، وأضافت: ''لا يمكنك الانتظار حتى عام 2045، لتقول حينها 'واحسرتاه، يبدو أن هذا صحيح''، الآن نريد الانعطاف، عليك القيام بذلك في عامي 2022 و 2023 حتى تتمكن من وضع شبكة أمان لأولئك الذين ستتأثر وظائفهم، من أجل تحقيق هذا الانعطاف بأمان، حتى لا ترى ذلك التضارب الذي أحدثه وباء كوفيد لأنه كان مفاجئا للغاية نريد أن نحقق هذا التحول الآن''. هناك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة بشأن التمويل، والتكيف مع تأثيرات المناخ، والحد من الانبعاثات، لاسيما من جانب أكبر مصادر الانبعاثات، إن إجراء التحول الآن يعني التخلص التدريجي من الفحم؛ تحديد سعر الكربون؛ إنهاء دعم الوقود الأحفوري؛ وضمان الانتقال العادل إلى مصادر الطاقة المتجددة، واختتمت قائلة: ''هذه ليست مسألة يسار أو يمين أو سياسة. إنها مسألة عدالة بين الأجيال، نحن نصوت للمستقبل، نحن نصوت لأحفادنا''. قمة المناخ بشرم الشيخ فرصة للقارة الإفريقية للترافع عن القضايا الأكثر راهنية خلال سنوات عديدة من العمل لدعم القيادة السياسية الفعالة والحكم الرشيد في أفريقيا، رأيت كيف تواجه القارة تحديات هائلة، وخاصة أثناء جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19). لكن قضية رئيسية واحدة تظل موضع تجاهل إلى حد كبير: وضع أفريقيا في أزمة المناخ، من منظور مجتمعات عديدة في مختلف أنحاء القارة، صار تهديد المناخ وجوديا بالفعل، فقد أصبحت مساحات شاسعة من أفريقيا غير قابلة للسُكنى، ونال التدهور من احتياطيات هائلة من الثروات الطبيعية، الغابات الاستوائية، والأراضي الصالحة للزراعة، والأنظمة البيئية للمياه العذبة، والسواحل، وهذا ظلم عظيم، الواقع أن قارة أفريقيا هي الأكثر معاناة من مشكلة لم تساهم إلا بأقل القليل في جلبها. الأسوأ من هذا أن التحديات الخاصة التي تواجه أفريقيا، وكذا الإمكانات التي تتمتع بها القارة في المساهمة في جلب مستقبل منخفض الكربون، كانت موضع تجاهل في مناقشات المناخ العالمية خلال الفترة التحضيرية لمؤتمر المناخ كوب 27 (COP27) المقرر انعقاده في نونبر 2022 هذا العام، وتخذل أجندة المناخ العالمية الحالية شعوب أفريقيا بتركيزها على خفض الانبعاثات قبل أي شيء آخر، هذا الهوس بجهود التخفيف يتجاهل حاجة أفريقيا الملحة إلى تمويل التكيف وتعويض "الخسائر والأضرار"، علاوة على ذلك، تهدد التعهدات العالمية بوقف التمويل الدولي لمشاريع الوقود الأحفوري تدريجيا بعرقلة جهود التصنيع في أفريقيا، إذا استمر المجتمع الدولي في إسقاط مصالح أفريقيا من الاعتبار، فإنه يجازف بالحكم على 1.4 مليار إنسان بالتخلف الاقتصادي، وما يصاحبه من انعدام الاستقرار السياسي. لهذا السبب يشكل مؤتمر المناخ COP27 أهمية بالغة، تعد قمة هذا العام فرصة لصياغة أجندة مناخية شاملة تراعي سياق أفريقيا الخاص، وتدعم في ذات الوقت أيضا أهداف التنمية المعتمدة عالميا وتستفيد من قوة القارة كمصدر لحلول تغير المناخ. كيف يمكن تحقيق كل هذا؟ أولا، يتعين على بقية العالم، وخاصة الشمال العالمي، أن يعترف بنقاط الضعف الخاصة التي تعاني منها أفريقيا. تتكبد أفريقيا تكاليف أكبر على نحو غير متناسب نتيجة لتغير المناخ، ليس فقط بسبب سوء الحظ بل وأيضا لأنها تعاني من العديد من نقاط الضعف القائمة مسبقا، بما في ذلك الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، والسكان النازحين، والصراعات المسلحة، تخلق هذه المشكلات مُجتمعة حلقة مفرغة حيث يُفضي الافتقار إلى المرونة إلى زيادة حدة تأثير الأزمات الناجمة عن تغير المناخ، فيزداد بالتالي تآكل الأنظمة والبنية الأساسية اللازمة لإدارة المشكلة، علاوة على ذلك، من غير الممكن أن تقوم للعدالة المناخية قائمة في غياب عدالة الطاقة، إن أكثر من 600 مليون شخص في أفريقيا يفتقرون إلى القدرة على الوصول إلى الكهرباء، يجب أن تعترف مناقشات المناخ العالمية الشاملة بحق شعوب أفريقيا في الحصول على الطاقة، حتى الآن، لم يحدث هذا، ومن الواضح أن "الصفقة التاريخية" لإنهاء كل التمويل الدولي للوقود الأحفوري بحلول نهاية هذا العام، والتي أبرمتها 39 حكومة ومؤسسة مالية في إطار مؤتمر المناخ COP26 العام الماضي، تتعارض تماما مع هذا الحق، كما هي الحال في كثير من الأحيان، دأب الشمال العالمي على تطبيق معايير مزدوجة. ففي حين يعمل على تثبيط أفريقيا لمنعها من استخدام موارد الطاقة لديها لملاحقة هدف التصنيع، يواصل العديد من الموقعين على اتفاقية المناخ بغلاسكو كوب26 التوسع في استخدام الوقود الأحفوري في بلادهم، لتصحيح هذا الظلم، يجب أن نعمل على إيجاد توازن أفضل بين أهداف صافي الانبعاثات صفر، والقدرة على الوصول إلى الطاقة، وأمن الطاقة. من الواضح أن الجميع يجب أن يعملوا على زيادة نسب استخدام الطاقة المتجددة في أسرع وقت ممكن. لكن مصادر الطاقة المتجددة وحدها لن تكون كافية لسد فجوة الطاقة في أفريقيا في أي وقت قريب وتوفير الإمدادات التي يمكن التعويل عليها من الطاقة اللازمة للتصنيع، تحتاج أفريقيا إلى الوقت والاستثمار لتطوير مزيج متنوع من الطاقة يشمل مصادر الطاقة المتجددة إلى جانب الغاز الطبيعي، وهو وقود أحفوري أقل تلويثا نسبيا ومتوفر بغزارة في القارة، ومن الممكن أن يخفف من تقلبات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمخاطر التي يفرضها ارتفاع درجات الحرارة المناخية على الطاقة الكهرومائية. لن يتسنى لأفريقيا تحقيق أهداف التنمية دون سد فجوة الطاقة. ولتحقيق هذه الغاية، فإنها تحتاج إلى الغاز الطبيعي للعمل كوقود انتقالي. عندما ننظر إلى المستقبل، نجد أن أفريقيا تمتلك كل الأصول التي تحتاج إليها لتكون في قلب الاقتصاد الأخضر العالمي. على سبيل المثال، أفريقيا موطن لنحو 30% من الاحتياطيات المعدنية في العالم، بما في ذلك الليثيوم والجرافيت والكوبالت. ومع التحول العالمي إلى التكنولوجيات المنخفضة الكربون والكهربة، من المتوقع أن يرتفع الطلب على هذه المعادن إلى عنان السماء بنحو 500% بحلول عام 2050، ومن غير الممكن تلبية هذا الطلب ببساطة بدون المعادن الأفريقية، لكن الأمر يتطلب استثمارات أكبر لمعالجة تحديات الحكم في أفريقيا وضمان أن تكون الغلبة للشفافية والمساءلة والإدارة الفعالة للموارد، ومن الأهمية بمكان تجنب ما يسمى "لعنة الموارد" التي ابتليت بها العديد من البلدان المنتجة للنفط والماس في القارة، ويجب أن يسير هذا العمل جنبا إلى جنب مع إنشاء سلاسل القيمة المحلية لضمان توجيه موارد القارة نحو بناء ثروة عريضة القاعدة لشعوبها، يتمثل الجزء الأخير من الأحجية في تطوير موقف أفريقي مشترك، فلن تفعل المطالبة بمزيد من الاهتمام باحتياجات أفريقيا شيئا إذا لم تكثف الحكومات الأفريقية جهودها في ذات الاتجاه، ويجب أن يذهب المندوبون الأفارقة إلى مؤتمر المناخ COP27 (وكل المنتديات المتعددة الأطراف بعد ذلك، وهم يحملون صوتا واحدا يمثل كل شعوب القارة ويعرض حجتهم بوضوح وثبات، نحن لا نملك ترف تكرار الأخطاء التي ارتكبت في مؤتمر المناخ COP26، عندما تحدثت بضع دول عن القارة بأكملها، الواقع أن مؤتمر الأممالمتحدة لتغير المناخ في مِصر سيكون فرصة لتعزيز مصالح القارة الإفريقية.