كيف حضر تاريخ المغرب في المنظومة والمناهج التربوية والمقررات المدرسية؟ وكيف هو واقع تدريس مادة التاريخ في مؤسساتنا التعليمية؟ وما هو دور ومكانة وقيمة كتب التاريخ في تعزيز وتكريس الثقافة التاريخية ونشر الوعي التاريخي لدى أجيال المستقبل؟ وهل البرامج والمناهج المرتبطة بمادة التاريخ راعت الجانب التاريخي لبلادنا بطريقة خدمت حقا هذا التاريخ وأنصفته؟ ومن جهة أخرى، لماذا أغلب المختصين يجمعون على أن طريقة التعليم تجعل التلاميذ ينفرون من مادة التاريخ لاعتقادهم أنه حفظ فقط. في الواقع، معضلة المناهج التعليمية تكمن في طرق التدريس وليس في محتواها، مما جعل التاريخ يظل مجرد مادة ثانوية وهامشية لا تلقى اهتمام التلاميذ خاصة لدى تلاميذ الشعبة العلمية والتقنية والاقتصادية. إن مادة التاريخ تمثل واحدة من المواد ذات قيمة ومكانة كبرى في المنظومة التربوية. فهي تعكس جانبا مهما من مشروع المؤسسة التعليمية والذي يرتبط أساسا بالمجتمع والدولة. لقد ظل التاريخ وسيلة إقناع سياسي وورقة إيديولوجية، حاول أن يكتسب شرعيته من خلال تاريخ نظام الحماية والاستغلال الاستعماري على المغرب ونضال المغرب من أجل نيل الاستقلال.. وبالتالي، نحن امام تاربخ رسمي غير منزه عن الخلفيات السياسية لكون مدارسنا ظلت لعقود طويلة تحث تأثير هذه الثنائية. إن التوجه المدرسي في ملامسة المواضيع التاريخية سواء في مناهج مادة التاريخ آو في المحتويات التاريخية التي تضمنتها، يرتكز عادة على إبراز التاريخ المشرق والمضئ والذي يعكس وجها مشرقا من صفحات النضال الوطني في حين تغفل الوجه الآخر من التاريخ. إن واضعي البرامج التربوية ومؤلفي المقررات المدرسية يخضعون عند صياغة المقررات الدراسية إلى القوانين التوجيهية للوزارة الوصية على قطاع التربية والتعليم والتي تهدف إلى تكوين متعلم منسجم مع ماضيه بعيدا عن إثارة المواضيع المتعلقة بما يمكن تسميته بالتاريخ الأسود. لا ننكر أن مناهج التاريخ حاولت تقديم التاريخ المغربي بصورة بسيطة ومتسلسلة كرونولوجيا لكن الواقع يشير إلى أن التاريخ في مدارسنا مسه الكثير من الهفوات وظل مجرد مادة ثانوية لا تلقى اهتمام التلاميذ.. وما يعكس ذلك هو المعامل الضعيف جدا coefficient المتدني لمادة التاريخ والذي يتراوح بين 2 و3 بالشعبة العلمية والتقنية والاقتصادية. وقد سبق لأساتذة مادة التاريخ والجغرافية أن طالبوا وإلى الوقت الحالي بالرفع من المعامل عبر ملاحظاتهم في تقارير المجالس التعليمية لكن دار لقمان مازالت على حالها. إن الرفع من المدة المخصصة لمادة الاجتماعيات وكذا الرفع من معامل مادة الاجتماعيات، كفيل في نظري بالتفات التلاميذ والتلميذات للتاريخ كمادة دراسية جاذبة وجعلها من الأولويات. كما على مدرسي ومدرسات مادة التاريخ العمل على المزاوجة بين التاريخ النظري الجاف والممل والتاريخ التطبيقي الميداني وذلك بإخراج التلاميذ والتلميذات من الفصول الدراسية إلى زيارة المتاحف والم0ثر التاريخية مثل وليلي، مزغان، ليكسوس، وغيرها. فاتباع بعض الأساتذة طريقة التلقين ساهم في تعميق الصور النمطية السلبية لمادة التاريخ، هي من بين طرق التدريس الكلاسيكية التي ظلت لصيقة بالتاريخ رغم ما تسوقه له وزارة التربية والتعليم من محاولة إحداث ثورة في إطار تحديث المنظومة التربوية وطرائق التدريس. نحن اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة حقيقية للتاريخ في مناهجنا التربوية بعيدا عما دونه المؤرخون الرسميون للدولة المغربية بما يتجه نحو تعميق روح التساؤل وطرح الإشكاليات لا التلقين والتنزيه والتقديس. ولن يتحقق ذلك دون إعادة النظر في مناهجنا التربوية وذلك بإسناد مسؤولية صياغة البرامج التربوية وإعداد المقررات الدراسية للكفاءات التربوية وبمرافقة باحثين وجامعيين. إلى حدود الساعة لا زال التاريخ بعديد من مدارسنا تلقينا وسردا للأحداث. وعلى الباحثين في التاريخ أن يتقنوا تعليمية التاريخ didactique de l'histoire لقد منحت البرامج التعليمية فضاءا واسعا لتاريخ بلادنا لكن العبرة هنا ليست بالكم وإنما بالكيف. فالمعضلة قي المناهج التاريخية هي طرق التدريس وليس محتواها في الأساس. يعتبر التاريخ المدرسي مادة أساسية قي التكوين الفكري والمعرفي للتلميذ خلال كل الأسلاك التعليمية وذلك بتطوير وتنمية فكر التلميذ الاجتماعي وتفعيل حسه التاريخي وتزويده بالأدوات المعرفية والمنهجية لإدراك أهمية الماضي في فهم الحاضر والتطلع إلى المستقبل وتأهيله كذلك كمواطن غيور على تاريخ وطنه لحل المشكلات التي يواجهها مستقبلا.. في الواقع وبحكم تجربتي المتواضعة في تدريس مادة التاريخ، أقول بأن هناك فجوات تاريخية عديدة لم يغطيها تاريخ بلادنا عبر عصوره المختلفة خاصة الفترة المعاصرة خاصة مرحلة الحماية الفرنسية الإسبانية على المغرب واتفاقية ايكس ليبان وثورة الملك والشعب. إن التاريخ الرسمي لا زال هو السائد والطاغي بمختلف مقرراتنا الدراسية. وهذا النوع من التاريخ تغلب عليه الذاتية والعاطفية. فالبرامج الدراسية الحالية، لا يمكن للمدرس أن يعول عليها لتلميع صورة التاريخ. وأستخضر هنا ما جاء على لسان المغفور له الحسن الثاني في كتاب التحدي: l'incompréhension du présent naît à l'ignorance du passé وفي نفس الكتاب: n'a pas d'identité qui n'a pas d'histoire بقلم: خليل البخاري