الأولويتان الوطنيتان اللتان ركز عليهما خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة البرلمانية، وهما الماء والنهوض بالاستثمار، تجسدان وعيا ملكيا راسخا بمحوريتهما في الانشغال الوطني الراهن. معضلة الماء وما تعانيه بلادنا من إجهاد وخصاص على هذا المستوى تطرح العديد من التحديات أمام شعبنا اليوم، وتفرض إنجاز إصلاحات جدرية، وأيضا إحداث قطائع في بعض الإختيارات، كما أن النهوض بالاستثمار يندرج ضمن السعي لتمتين الاقتصاد الوطني، وأيضا لتوفير التمويل اللازم لتحقيق التطلعات والبرامج الاجتماعية، ومن ثم يعتبر تحسين الأوضاع الاجتماعية وجودة الحياة الهدف الرابط والمشترك بين القضيتين الأساسيتين الواردتين في الخطاب الملكي. لقد شدد جلالة الملك على الإنكباب على قضية الماء ضمن رؤى جديدة وشجاعة، وبكل الجدية والمسؤولية اللازمتين، ثم وضع الاستثمار ضمن ضرورات تقوية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحث على أهمية تعزيز جاذبية المملكة للاستثمارات الأجنبية والوطنية، وتوفير التمويل اللازم لمختلف البرامج والأوراش التنموية والاجتماعية. وبالنظر إلى السياقات الوطنية والخارجية المحيطة بزمنية الخطاب الملكي، فإن تركيز عاهل البلاد على القضيتين أعلاه، يعتبر أيضا تنبيها قويا ودق ناقوس خطر، جراء التحديات المطروحة اليوم من خلال: ندرة الماء، الجفاف، التغيرات المناخية، غلاء الأسعار وتقلبات الأسواق والسياسات، تفشي الأزمات الاقتصادية والتمويلية والتوترات الاجتماعية، وكل هذا يتطلب وعيا بمخاطره وتداعياته، ويفرض تغيير عدد من المقاربات والسياسات والرؤى، وإحداث قطائع في ذلك، وبالتالي التأسيس، في حالتنا الراهنة، لرؤية مختلفة لتدبير قضية الماء، ولتوجهات مغايرة بغاية تعزيز الاستثمار، وتقوية القدرات التنموية لبلادنا. يعني هذا، أن البلاد تعاني مشكلة واضحة في قضية الماء مثلا، وأن هناك أخطاء ارتكبت من قبل، ولم يعد مسموحا مواصلة اقترافها، كما أن المتطلبات الإقتصادية والإجتماعية لا يمكن تلبيتها الا بالمزيد من الاستثمارات المنتجة، وأن ذلك لن يتحقق إلا بسياسات تدبيرية ذكية وواعية والتقائية، وضمن مقاربة أخرى مختلفة. التنبيه الملكي موجه إذن للجميع، ويسائل، بدرجة أولى، التدبير العمومي الذي جرى ويتواصل، كما أنه يحث على تغيير المقاربات وتحمل المسؤولية تجاه مستقبل بلادنا وانتظارات شعبنا. لقد طرح الخطاب الملكي مداخل من أجل الحل، وارتكز إلى معجم الصراحة والواقعية، ودعا إلى تفعيل مقاربات وسياسات وتدابير طموحة وشجاعة انطلاقا من ذلك، كما حث على تحمل المسؤولية وتجاوز الأخطاء السابقة والنظر الصريح لواقعنا، ثم العمل من أجل إعمال الحلول العملية وتحقيق تطلعات المغرب والمغاربة. الآن تتجه أنظار المغاربة بداية إلى الحكومة من أجل معرفة رد فعلها وانخراطها في تطبيق التوجيهات الملكية، أي الإعلان عن رؤيتها الواضحة لتجاوز الأخطاء المقترفة من قبل بشأن معضلة الماء ومنظومة الفلاحة الوطنية، وسبل النهوض بالاستثمار ورفع العراقيل العملية والإدارية التي تضعف مناخ الأعمال، وبالتالي مدى قدرة حكومتنا الحالية على ابداع مقاربة مغايرة تستطيع تعبئة مختلف الفاعلين والمجتمع حولها من أجل إعمال حلول حقيقية للمعضلتين الواردتين في خطاب جلالة الملك. ظرفية الدخول السياسي والاجتماعي، ومناسبة دراسة مشروع قانون المالية الجديد، هي مقومات سياق مناسب للحكومة كي تعمل على بلورة سياسة عمومية جديدة تستحضر ما يشهده العالم من حولنا، وما يعبر عنه شعبنا من حاجيات وانتظارات، وتنطلق من توجيهات جلالة الملك والأولويات المتضمنة في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية، وتكون مبنية على الجرأة والشجاعة والصراحة، وأيضا على القطائع مع المخططات التي أدت ألى تفاقم المشكلات واقتراف... الخطايا، في التدبير وتحديد الأهداف والأولويات التي لم تكن كلها أولويات الشعب المغربي في حياته اليومية، وبالنسبة لمستقبله، اجتماعيا وتنمويا. محتات الرقاص