الحلقة الأخيرة يرى امحمد المالكي بان من ثوابت ممارسة أحزاب الحركة الوطنية، منذ التصويت على أول دستور 1962، عدم الربط بين مقاطعة الاستفتاء والمشاركة في المؤسسات التمثيلية، باستثناء تجربة 1970 التي قاطعتها ورفضتها دستورا ومؤسسات. بيد ان الجديد في عقد التسعينات يتمثل في الانتقال من المقاطعة إلى الامتناع 1992 -46 - ثم المشاركة- 47 - مما جعل دستور 1996 يحظى بما يشبه الإجماع % 99.53. 48 علاقة بالتقييم دائما يرى امحمد المالكي بان دستور 1996 لم يدخل تحويرات جوهرية على مكانة المؤسسة الملكية، حيث تمت المحافظة على اغلب الاختصاصات التي أقرتها الدساتير السابقة وكرستها الممارسة، باستثناء بعض التعديلات المحدودة التي لا تمس بنية السلطة وطبيعة توزيعها. كما أن الإصلاح الدستوري ذاته لم يسفر عن تغيير في مكانة المؤسسة الملكية وموقعها في المنظومة الدستورية والسياسية. 49 بل ويذهب إسماعيل العلوي إلى اعتبار دستور 1996 متأخرا وبه تراجع عن دستور 1992 بالنظر إلى الرجوع لنظام الغرفتين وباختصاصات متداخلة، سماها بثنائية برلمانية عرجاء :»ما حدث هو أن شبه إجماع حصل حول دستور 1996 إذا استثنينا موقف منظمة العمل الديمقراطي. في نهاية المطاف لم يكن دستور 96 مثل سابقه، إلا أن أغلب الأطراف توافقت عليه، وإن لم تسبقه مباحثات رسمية بشأن ما سيعلن عنه فيم بعد، أي حكومة التناوب التوافقي، أي لم تكن هنالك أي تحفيزات مضمونة. وكانت أبرز مؤشرات دستور 1996 في هذا الصدد، هو تلك الرسالة السياسية التي حملها من خلال حذف الثلث من مجلس النواب وخلق غرفة برلمانية جديدة، وكأن الحسن الثاني يرد على انتقاداتنا لطريقة انتخاب ذلك الثلث بإحداث برلمان ثان بأكمله ينتخب بتلك الطريقة، وبنفس صلاحيات مجلس النواب، باستثناء صلاحية منح الثقة للحكومة. لقد كان ذلك غريبا لكنه كان باديا أنه موجه بشكل رئيسي ضدنا. وبسبب هذه الولادة المعيبة، ها نحن منذ ذلك اليوم،أمام ثنائية برلمانية عرجاء فيها مضيعة للوقت وهدر للطاقات». 50 وحتى امحمد بوستة نفسه في حوار أجرته معه أسبوعية المشعل يعترف بان دستور 1992 أقوى وأفضل من دستور 1996، بل ويقول بأنه يذهب بعيداً إلى الوراء، ليقول»بإن دستور 1962 كان جد متقدم على الدساتير التي تلته، بما فيها دستور 1996 الذي يحكمنا الآن. لكن للأسف، وبحكم آثار الانفصال مع إخواننا، لم نكن على نفس الرأي، إخواننا الاتحاديون كانوا يطالبون بمجلس تأسيسي لوضع الدستور، وكان علال الفاسي رحمه الله، يقول لهم الآن الدستور موجود، فلا ينبغي أن نُعيد أسئلة من وضع الدستور؟ ومن منحه؟ لأنه يجب أن نخرج من حالة اللادستور إلى حالة الدستور، وحينها نخوض معركة من أجل إصلاحه وتغييره، وهي معركة طويلة النفس، لقد اعتبر السي علال، أن دستور 1962 يضع اللبنات الأولية والأساسية لخروج البلاد من حالة الفوضى إلى دولة المؤسسات، ومن داخل هذه المنظومة الدستورية يمكن أن نصلح ونغير الأوضاع، خاصة فيما يخص سلطة الوزير الأول واختصاصاته..».51 ومن جهته اعتبر محمد العربي المساري أن دستور 1996 لم يزد شيئا مهما على دستور 1992 باستثناء الغرفة الثانية، مع العلم أن الغرفة الثانية سبق وكانت معطى دستوريا سابقا بالمغرب. ورغم انه يقر بان دستور 1996 كان اول دستور يصوت عليه بالإجماع تقريبا من طرف أقطاب المعارضة الوطنية، إلا انه يقول:»على أن حجر الزاوية في كل هذا كان هوالتعديل الدستوري الذي حدث في 1992 والذي أتى متجاوبا مع كثير من مقترحات الكتلة، من حيث توسيع صلاحيات كل من البرلمان والحكومة، وجعل هذه تنبثق وجوبا من تصويت يحدث في مجلس النواب على البرنامج الذي يتقدم به الوزير الأول، الأمر الذي يستلزم وجود أغلبية سياسية».52 ألا يعتبر هذا اعترافا بصواب موقف علي يعتة؟ ألم يكن من الأجدى أن تقبل الكتلة بدستور 1992 وتواصل معاركها من اجل المزيد من الاصطلاحات، بدل أن تعزل علي يعتة وتهمشه هووحزبه فقط لأنه قرر اتخاذ موقف منسجم مع توجهاته دون أن يخالف روح ميثاق الكتلة. وحتى الملك الحسن الثاني أشار إلى إيجابيات دستور 1992، ولم يستبعد فكرة تعديل الدستور، باعتباره عملا بشريا»قابلا للتطوير والتعديل والتغيير»كلما توفرت الشروط الموضوعية لذلك، وفي مقدمتها التجربة والممارسة، والإختبار، مشخصا طبيعة التعديل53 وحدوده بقوله:»وأننا لنعلم شعبي العزيز، قمين بأن تتطلع إلى كل تغيير إيجابي لكننا نعلم أنك لا تقبل من أشكال الأداء الديمقراطي إلا ما يحافظ على تعاون المؤسسات السياسية في نسق متلائم وأداء متناغم».54 كخلاصة إذن نصل إلى أن أول تقارب حقيقي بين المؤسسة الملكية والأحزاب الديمقراطية الوطنية، كانت سنة 1992، بمناسبة التصويت على مشروع الدستور ، بقبول احد أقدم أحزاب المعارضة واوضحها اديولوجية، وأقواها شرعية بالتوافق والتقارب مع المؤسسة الملكية خدمة للصالح العام ودفاعا عن المطالب الحقة والمشروعة للجماهير الكادحة. خاتمة توالي الأحداث بعد ذلك أكد بما لا يدع مجالا للشك بان علي يعتة أصاب في موقفه، فقط كان ضحية شد الحبل والمبالغة في نوع من المزايدات السياسية بين من تبقى في الكتلة والمؤسسة الملكية. وكان من الممكن كسب المزيد من الوقت وتقديم نقطة انطلاق مرحلة التناوب التوافقي والتي يسميها علي يعتة الحل الوسط التاريخي، بعد قبول أحزاب المعارضة السابقة بتشكيل أول حكومة قطب الرحى فيها أحزاب اليسار. ويؤكد خالد الناصري كخلاصة جوهرية متعلقة بحقيقة الانتقال الديمقراطي بالمغرب: «أول حزب في اليسار المغربي وصل إلى الاقتناع بضرورة وحتمية التوافق التاريخي هوحزب التقدم والاشتراكية الذي ترجم قناعته في تصرف سياسي مضبوط، وذلك أنه انفرد وحده سنة 1992 من بين كل أحزاب اليسار والمعارضة على العموم، بمساندة الإصلاح الدستوري، خلافا للأحزاب الأخرى التي اتخذت منه موقفا سلبيا، وليس بسبب محتواه ولكن نظرا لمحيطه.. وكان ذلك مصدر خلاف جديد بين حزب التقدم والإشتراكية واحزاب الكتلة الأخرى، ولكنه أصر على موقفه معتبرا أن ما تم إقراره في مشروع الدستور المراجع يعتبر حلا توافقيا متقدما».55 كان علي يعتة مقتنعا بضرورة التوافق مع المؤسسة الملكية، على اعتبار أن البلاد بالفعل كانت مهددة بكارثة، وكان على أقطاب الحركة الوطنية كما على المؤسسة الملكية ان تحقق التوازن السياسي المطلوب في هذه المرحلة، توازن يضمن للجماعة السياسية ذلك الاستقرار الذي يسمح بتحقيق نوع من انواع الانسجام ولوالمؤقت، والتناسق ولوالجزئي بين مختلف مقومات الحقيقة السياسية كما يقول حامد ربيع56 . هوامش: 46 - باستثناء حزب التقدم والاشتراكية. – 47 - باستثناء منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وتسبب موقفها هذا في انقسامها وانشقاق الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة عيسى الورديغي سيلتحق لاحقا بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. – 48 - امحمد المالكي، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، مراكش، المطبعة والوراقة الوطنية، 2001، ط1، ص 348. – 49 - امحمد المالكي، مرجع سابق، ص 349. – 50 - إسماعيل العلوي:»أوراق من ذاكرة السياسة»، جريدة بيان اليوم،الدارالبيضاء، عدد 29-08-2010. – 51 - امحمد بوستة «لا تتركوا الملك وحيدا وسط المفسدين»في حوار مع أسبوعية المشعل عدد 7/2/2011. – 52 - محمد العربي المساري»دور الأحزاب في الممارسة المغربية»، جريدة الشرق الأوسط العدد 8123، 23 فبراير 2001. – 53 - امحمد المالكي، مرجع سابق، ص 340. – 54 - الحسن الثاني، الخطاب الملكي، 20 غشت 1996. – 55 - خالد الناصري، اليسار المغربي الواقع والآفاق، مجلة نوافذ، العدد4، يونيو1999،ص 18. – 56 - حامد ربيع، نظرية التطور الياسي،القاهرة، مكتبة القاهرة الحديثة، 1972، ط10، ص 14.