موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي شعباني، أستاذ باحث في علم الاجتماع ل«التجديد»:قيمة الدساتير تتمثل في تطبيقها وليس في صياغة بنودها
نشر في التجديد يوم 01 - 07 - 2011

قال الدكتور علي شعباني إن قيمة الدساتير لا تتمثل في صياغتها وجمال أسلوبها، وشمولية بنودها، بل تتمثل في تطبيقها. مؤكدا في حوار له مع "التجديد" أنه إذا لم يتم احترام وحماية روح وجوهر المشروع الجديد، وإذا لم يهيأ المناخ السياسي المناسب لفرز نخب سياسية جديدة متشبعة بمبادئ الديمقراطية والحرية والمساواة، وقادرة على خلق فرص لتطوير الممارسة السياسية، والابتعاد عن كل ما يعكر الحياة العامة، فمن الصعب القول بأن نص الدستور لوحده سيحول المغرب إلى بلد ديمقراطي.
وأوضح الأستاذ الباحث في علم الاجتماع أن الديمقراطية ثقافة وسلوك، معتقدات ومبادئ. وهي نبتة لا تعيش في تربة عير مناسبة، ويصعب استنباتها في أي مكان إذا غابت الشروط المواتية لاستنباتها وتطورها.
وبخصوص ما نص عليه الدستور من تعدد هوياتي للمغرب قال شعباني إن الهوية المغربية الحقة، هي التي تم تحديدها في ديباجة الدستور معللا ذلك بالقول أنه لم يكن من الغريب أن تستمر هذه التعددية في إطار الوحدة التي تجسدها الهوية المغربية في الوقت الراهن. فالانسجام في المجتمعات الحديثة صعب التحقيق، والوحدة العرقية وصفاؤها مستحيلة، ووحدة اللسان، في عالم متعدد اللغات، ومصالحه متداخلة، أصبحت غير مجدية.
في هذا الحوار حاولنا ما أمكن تسليط الضوء على عدد من القضايا التي غفل عنها السياسيين، والنقاش السياسي قضايا مرتبطة بالأساس بالمجتمع وما تم التنصيص عليه لحمايته.
في رأيكم، أي دور يمكن للدستور أن يلعبه في المجتمع؟
❒❒ يذهب الفقهاء الدستوريون على أن الدستور، عبارة عن وثيقة سياسية تحدد نظام الحكم، وتبين مرتكزات الدولة، وترسي دعائم المجتمع. وهو نوع من التعاقد الاجتماعي، يخرج المجتمع من حالة الفطرة، إلى دولة المؤسسات.
إن ظهور الدولة الحديثة بما لديها من سيادة وقوة سياسية، إنما يرجع إلى الاتفاق الحر، أو إلى التعاقد الذي يبرمه السكان مع النظام. ويعتقد بعض الدارسين أن حالة الفطرة كانت سابقة على التنظيمات السياسية والاجتماعية. وقد كان القانون الطبيعي هو الذي يحدد وينظم سلوك الناس في الحالة الطبيعية. لكن بعد ذلك، ما لبث الناس أن اتجهوا نحو بناء المجتمع المدني من خلال التعاقد. ومنذئذ تم استبدال القانون الطبيعي بقانون آخر إنساني، وبدأ الناس يتمتعون بحقوق مدنية وسياسية. وهكذا ظهرت الدساتير في كل المجتمعات الحديثة.
وبالرجوع إلى مسودة مشروع الدستور المعروض على استفتاء الشعب المغربي اليوم، نلاحظ بأن هذه الوثيقة أرادت أن تدرج مرتكزات أساسية، حددتها الوثيقة المقترحة للاستفتاء في عشرة: وسنقوم بمناقشة هذه المرتكزات فيما بعد، إن أردتم ذلك.
إنه دستور متطور، فضلا عن كونه يرمي إلى أن يكون دستورا لمؤسسات الدولة، فهو أيضا دستور للمواطن، يهدف إلى تنظيم وتحديث الدولة بالارتكاز على الجهوية وترسيخ ثقافة ممارسة المسؤولية بالمحاسبة.
إنه دستور أراد أن يتجاوز الاعتماد على فقهاء الدستور أجانب، لذلك فهو " دستور من صنع المغاربة من أجل جميع المغاربة.
إنه يعمل على تكريس ثوابت الهوية المغربية ذات الروافد المتعددة.
ترسيم اللغة الأمازيغية، إلى جانب اللغة العربية، مع العمل على تشجيع تعلم اللغات الأجنبية.
دسترة كافة حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا. وعزيز المساواة بين الرجل والمرأة بإقرار مبدأ المناصفة.
الفصل بين السلط في إطار نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية، مع تخويل المعارضة البرلمانية نظاما خاصا وآليات ناجعة.
- الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، تعمل على حماية الحقوق وتحرص على احترام القوانين.
دسترة مؤسسات أساسية لتعزيز المواطنة والمشاركة الديمقراطية.
تعزيز آليات الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد.
التكريس الدستوري لمغرب موحد والقائم على لامركزية واسعة.
من خلال ما سبق يمكن التكهن بأن ما يهدف إليه الدستور هو العمل على تنظيم الحياة السياسية في المجتمع وضمان حقوق المواطنين ومراقبة ومحاسبة المسؤولين، وهذه من الأدوار التي تهدف إلى تحقيقها المجتمعات الديمقراطية عبر العالم. والدستور هو بمثابة خارطة الطريق التي بدونها يصعب الوصول إلى الأهداف المنشودة، ويمكن أن يحق في حالة التنفيذ الجيد لمختلف مقتضياته نتائج باهرة، يستطيع أن يخرج المجتمع من حالة التخلف إلى حالة الرقي السياسي والاجتماعي والثقافي والحقوقي وغيره.
لكن قيمة الدساتير لا تتمثل في صياغتها وجمال أسلوبها، وشمولية بنودها، بل تتمثل في تطبيقها.
❒هل يمكن اعتبار هذا المشروع المعروض للاستفتاء الشعبي تعبير عن القوى السياسية الفاعلة في المجتمع، لأن البعض يرى فيه دستورا للتوافقات؟
على الرغم من أن مشروع الدستور الحالي المعروض للاستفتاء الشعبي، يذهب إلى كونه "دستورا "من صنع المغاربة من أجل كافة المغاربة"، فقد ظهرت بعض الأطراف تنادي بعدم شرعية اللجنة التي كلفت بإعداد وصياغة مسودة مشروع المراجعة الدستورية، لأن أعضاءها تم تعيينهم دون أن تكون هناك تمثيلية لمختلف الأطياف السياسية والنقابية والفكرية والاجتماعية في المجتمع. هذا بالإضافة إلى الظرفية السياسية التي جاء فيها اقتراح مراجعة الدستور المعمول به في المغرب، منذ التعديل الأخير التي تم سنة 1996.
لكن، النقاش لا يجب أن يمشي في هذا الاتجاه، بل يجب أن يركز على مضمون وثيقة المشروع المعروض للاستفتاء الشعبي. هل تستجيب هذه الوثيقة لما كان يتطلع إليه المغاربة أم لا؟ كيف يمكنها- حسب البعض- "دستورا للتوافقات؟
إن المتمعن الموضوعي في الفصول ال 180 التي جاءت في مسودة الدستور المراجع، سيجدها بدون شك، جد متقدمة عما كانت تحتويه كل الدساتير المغربية من أول دستور عرفه المغرب المستقل، إلى آخر دستور، الجاري به العمل إلى الآن ( تاريخ إجراء هذه المقابلة). فهو في الحقيقة ليس دستورا للتوافقات بقدر ما هو مشروع أدخل تغييرات أكثر مما كانت تطمح إليه بعض الأحزاب السياسية التي كانت تلوح من حين لآخر بإجراء تعديل الدستور المعمول به. فلا يخلو باب من أبوابه الأربعة عشر من إضافات وتغيرات جوهرية على كثير من فصوله، لا سيما فيما يتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، أو فيما يتعلق بسلطات البرلمان،أو في العلاقة بين السلط، وفي الارتقاء بالقضاء إلى سلطة قضائية، أو الجهات .والجماعات الترابية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والحكامة الجيدة ... الخ. إنه مشروع، لا شك أنه سيفتح أبواب واسعة أمام المغاربة من أجل تحقيق مجتمع ديمقراطي منفتح وطموح، وربما سيكون بداية الطريق لتحقيق هذه الأهداف، على شرط ألا يقف في وسط الطريق عند التنفيذ.
❒ هل الثقافة المغربية ثقافة ديمقراطية حتى نتحدث عن أن النص الدستوري وحده كفيل بجعل المغرب بلدا ديمقراطيا؟
❒❒ النص الدستوري وحده لا يمكن أن يجعل من المغرب بلدا ديمقراطيا. فالديمقراطية ثقافة وسلوك، معتقدات ومبادئ. والديمقراطية نبتة لا تعيش في تربة عير مناسبة، ويصعب استنباتها في أي مكان إذا غابت الشروط المواتية لاستنباتها وتطورها. وللديمقراطية علاقة وطيدة مع العقليات السائدة في المجتمع. وكلما كانت هناك عقليات متحجرة ومتطرفة ومتخلفة، كلما غابت الديمقراطية عن هذا المجتمع. وكما يقول المثل الشعبي: " لا يصلح العطار ما أفسده الدهر"، فالأمر كذلك فيما بين الدساتير والديمقراطية من علاقة. فلا يمكن لأي دستور، مهما كان متطورا أن يصنع بلدا ديمقراطيا، إذا ما كانت هناك عقليات، تحارب التغيير، منغلقة ومتطرفة، وتقف حجرة عثرة أمام التطور، وأمام التنفيذ الجيد لمقتضيات الدستور. فإذا لم يتم احترام وحماية روحه وجوهره، وإذا لم يهيأ المناخ السياسي المناسب لفرز نخب سياسية جديدة متشبعة بمبادئ الديمقراطية والحرية والمساواة، وقادرة على خلق فرص لتطوير الممارسة السياسية، والابتعاد عن كل ما يعكر الحياة العامة، فمن الصعب القول بأن نص الدستور لوحده سيحول المغرب إلى بلد ديمقراطي.
إن الديمقراطية فكر وممارسة. إنها ثقافة تؤمن بالحرية والمساواة، يجب أن تظهر في أول وأصغر خلية في المجتمع، إلى أن تصل إلى أعلى المؤسسات فيه. والمغرب، كان ولا يزال يعاني من الفكر الاستبدادي والممارسات التسلطية، وفرض رأي الأقوى، داخل بعض الأحزاب السياسية وعند الهيئات النقابية وحتى في بعض المنظمات والجمعيات المدنية. وهذه عوائق كبيرة أمام الديمقراطية، فهل وثيقة الدستور لوحدها قادرة على إبعاد هذه العراقيل والتحديات، ليتحول المغرب إلى بلد ديمقراطي؟
❒ جاء في المدخل الأول لمشروع الدستور، تنوع كبير في التعريف بالهوية المغربية. في رأيكم، لماذا هذا التعويم لمسألة حساسة بهذا الشكل؟
❒❒ عندما تقرأ الفقرة التي تعرف بالهوية المغربية الواردة في تصدير وثيقة مشروع الدستور المعروض لاستفتاء المغاربة، والتي جاء فيها: " المملكة المغربية دولة إسلامية، متشبثة بوحدتها الترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها. وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم التسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء"، قد يعتبر البعض لأول وهلة، أن واضعي هذه الفقرة على هذا الشكل، كانوا يهدفون إلى تعويم الهوية المغربية وإخفائها وراء هويات متعددة. إلا أن القارئ المتمحص، سيقف عند حقيقة مفادها بأن الهوية المغربية الحق، هي التي تم تحديدها في هذه السطور. المغرب مجتمع مركب، ووضعه الجغرافي والاستراتيجي جعل منه عبر التاريخ البعيد ممرا لكل الحضارات والثقافات والأجناس بمختلف دياناتهم ومعتقداتهم وألسنتهم وعاداتهم. ولم يكن من الغريب أن تستمر هذه التعددية في إطار الوحدة التي تجسدها الهوية المغربية في الوقت الراهن. فالانسجام في المجتمعات الحديثة صعب التحقيق، والوحدة العرقية وصفاؤها مستحيلة، ووحدة اللسان، في عالم متعدد اللغات، ومصالحه متداخلة، أصبحت غير مجدية. لذلك فإن هذا التعريف للهوية المغربية الوارد في مشروع الدستور الحالي، جاء ليعبر عن واقع الحال في المغرب، وليعترف بكل مكونات الهوية المغربية بدل التركيز على مكون واحد، وإقصاء مكونات وروافد أخرى، على عكس ما يعتقده البعض بأنه تعويم للهوية المغربية.
❒ ثير جدل كبير حول الهوية قبل صدور مسودة الدستور. هل يتعلق الأمر بعملية تقنية للجنة المكلفة بالتعديل، أم أن الأمر بالفعل يتعلق بتدافع حقيقي داخل تيارات متعددة في المجتمع المغربي؟
❒❒ لم يكن المجتمع المغربي في يوم من الأيام، ولا في حقبة تاريخية مر منها، مجتمعا ميتا. فقد كان ، ولا يزال مجتمعا تتفاعل بداخله تيارات فكرية وسياسية، وحتى دينية وعرقية، كل منها تدافع عن مصالحها وتطمح لتأخذ الصدارة في المجتمع. وهذه قضايا يؤكدها المؤرخون في كل كتاباتهم حول تاريخ المغرب. ولكن الذي جعل البعض يتحدث عن " الاستثناء المغربي"، هو هذه الاستمرارية والوحدة في إطار التعدد والاختلاف. وهذه التجاذبات فيما بين تيارات متعددة داخل المجتمع هي التي تنعش الحياة فيه وتساعد على تطوره وازدهاره. وهذه بالتالي، هي النواة الصلبة لكل الديمقراطيات.
صحيح، قد يكون من بين التيارات الفكرية والسياسية ما هو شوفيني أو متطرف وأناني، يعمل على إقصاء الآخر المختلف معه، وهذه ظواهر مرضية ومنحرفة، قد توجد في كل المجتمعات، بل قد تِؤخر تقدمها وتفسد معالم حضارتها. ولكن المجتمعات لا تؤمن إلا بما يخدم مصالحها، ويدعم استقرارها ويقوي دعائمها. وفي هذا الإطار بالذات، جاء التنصيص في مشروع الدستور الحالي على كل مكونات وروافد الهوية المغربية، ليقطع الطريق أمام كل تيار يريد إخراج المغرب عن مسار التنمية والتطور الذي يعمل جاهدا على المضي فيه.
❒ تم لأول مرة التنصيص الدستوري على مركزية الأسرة المنبثقة من رجل وامرأة. أي أهمية لدسترة هذا الأمر؟ وهل يمكن أن نعتبره خطوة استباقية من المشروع بهدف التصدي لكل ما من شأنه أن يمس استقرار الأسرة في المستقبل؟
❒❒ الخلية الأولى والأساسية في كل المجتمعات البشرية هي الأسرة، والأسرة كما يعرف الجميع مكونة من عنصرين أساسين هما: الرجل والمرأة، قبل أن يكون هناك أبناء. وبطبيعة الحال، لكي تستمر هذه الخلية في الحياة وتستقيم أمورها، لا بد من صيانة واحترام حقوق وواجبات كل عنصر من عناصرها. وفي هذا الإطار، يكاد يحصل إجماع بين كل من اطلع على مسودة مشروع الدستور المعروض حاليا على استفتاء المغاربة، على أن هذه المسودة جاءت بمبادئ من شأنها تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة بإقرار المناصفة. ويتجلى ذلك في العمل على تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى البيئية، ومحاربة كل لأشكال التمييز، سواء في مجال الانخراط في مختلف أسلاك الوظيفة العمومية أو في المجال السياسي والانتخابي.
وفي هذا السياق، نقرأ في الفصل 32 من مسودة الدستور المعروض على الاستفتاء الشعبي ما يلي: " الأسرة القائمة على الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع. تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها."
ويمكن أن نفهم من هذا النص، أن الدولة ستضمن الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، كما ستعمل على توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال في الأسرة القائمة على الزواج الشرعي. ويمكن أن نترك لذكاء القارئ ما سكت عنه هذا النص الدستوري.
❒ بخصوص التنصيص الدستوري على المجتمع المدني. كيف تقرؤون المتغيرات التي يمكنها أن تحدث فيه في المستقبل؟
❒❒ ينص مشروع الدستور المعروض لاستفتاء الشعب المغربي، على أن النظام الدستوري للمملكة المغربية يقوم على فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسئولية بالمحاسبة. ومن أجل تفعيل آليات الديمقراطية المواطنة والتشاركية، ومحاسبة ومراقبة المسئولين وعمل المؤسسات، كان لا بد من تعزيز النظام الدستوري للفاعلين في مجال الديمقراطية المواطنة والتشاركية. وذلك عن طريق ترسيخ الدور المركزي للأحزاب السياسية، وتخويل المعارضة البرلمانية نظاما حقيقيا، وإضفاء نوع من المرونة على آليات المراقبة البرلمانية، والتأكيد على الدور الفاعل للنقابات، والاعتراف بمكانة ودور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. باعتبار كل هذا رافعة أساسية للديمقراطية وممارسة المسؤولية، على الصعيد الوطني والجهوي والمحلي.ولن يتم ذلك بدون الاعتراف وترسيخ نظام ودور وسائل الإعلام، وحرية التعبير وحرية الصحافة.
إن النظام الديمقراطي لا يستقيم في غياب مجتمع مدني قوي، لأن الجمعيات والمنظمات الغير حكومية هي التي تعطي للنظام الدستوري صفة "الديمقراطية المواطنة والتشاركية". فلا تشارك ولا تعاون في المجتمعات الاستبدادية.
لكن الأمر لا يتوقف عند حد التنصيص على ذلك في الدستور، بل يتطلب الأمر تفعيل ذلك في الواقع، والعمل على أن تقوم الأحزاب السياسية والهيئات النقابية وفعاليات المجتمع المدني بالدور المنوط بها في تأطير المواطنين، وفي كل ما من شأنه تطوير الممارسات السياسية والاجتماعية التي تدفع وتحفز المواطنين للانخراط الفعلي في كل البرامج والمشاريع الوطنية والمواطنة. وأعتقد أن مشروع الدستور الحالي يتضمن كل الضمانات الممكنة لتحقيق هذه الغايات. بل يشكل تحديا حقيقيا أمام كل الفاعلين لبناء مغرب المستقبل.
❒ مشروع الدستور الجديد، نص كذلك على مجلس أعلى للشباب. هل يمكن أن نعتبر هذا الأمر رسالة واضحة من المشروع بالدور المهم للشباب في المجتمع؟ وما هي الآليات الأخرى الكفيلة بتدعيم هذا الدور إضافة إلى النص الدستوري؟
❒❒ جاء في الفصل 33 من مشروع الدستور الجديد، أنه يتعين على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق الأهداف الأساسية التي تهم الشباب وهي كما يلي:
- توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد.
- مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني.
- تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والابداعية في كل هذه المجالات.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، نص المشروع الحالي على إحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.
ويأتي كل هذا في خضم ما تعرفه حركات الشباب حاليا، من تقدم في الوعي، ورغبة في المشاركة الفعلية في بناء الوطن. وقد عبر الشباب عن هذا الوعي المتقدم، مع ما أطلق عليه ب"الربيع العربي"، منذ بداية السنة الجارية، بل وقبل ذلك بسنوات.
وقد كان الشباب دائما في طليعة المنادين بالديمقراطية والحرية والمساواة، والاعتراف الفعلي والحقيقي بما يختزنونه من طاقات خلاقة وإبداعية. لقد حان الوقت لكي تفتح الأبواب، وتتاح الفرص، أمام هذه الشريحة الهامة، عدديا ومعنويا. يجب أن يغيب عهد الحجر والوصاية على الشباب، وأن تتاح لهم إمكانية المبادرة، والإسهام في بناء المجتمع الذي يعتبرونه مشروعهم أيضا، فلا مجال بعد اليوم لتهميش أو إقصاء هذه الشريحة من بناة مستقبل الأمة.
❒ اللحظة التاريخية التي نمر به والتي جعلت الدستور واحد من النقاشات اليومية لعدد من المواطنين إذا ما أخذنا بعين الاعتبار النقاش التلفزي والإذاعي اليومي وغيره. هل يمكننا أن نعتبر هذا بداية لتصالح المغاربة مع النقاش السياسي؟ أم أن المر يتعلق بسحابة صيف وسيعود النقاش السياسي حكرا على أقلية؟
❒❒ إلى عهد قريب كانت ممارسة السياسة تدخل صاحبها للسجن، وتعرضه للمتابعات. وكان النقاش في الأمور السياسية محظورا، باعتبار أن "للجدران آذان تسمع بها". لكن اليوم عاد هذا الأمر مباحا ومتاحا لمن يعرف ومن لا يعرف شيئا في السياسة. ونتيجة لما آلت إليها الأمور، خاصة فيما أصبح يطلق عليه" عزوف الشباب عن السياسة"، أو تسجيل نسب جد مرتفعة لمقاطعي الانتخابات، أو الرافضين لتسجيل أنفسهم أصلا في اللوائح الانتخابية، ووصول بعض الأحزاب السياسية إلى حافة الموت، تم إسعاف الحقل السياسي بفتحه وإتاحة الفرص أمام كل راغب في ممارسة السياسة. وبذلك عادت الحياة، على ما يبدو، لهذا الحقل، وتم فتح أبواب الإذاعات والقنوات التلفزية العمومية للمناقشات والحوارات السياسية ، وطرح الكثير من القضايا السياسية والفكرية والاقتصادية لمناقشتها، وأحيانا بالبث الحي.
ومن الصعب أن نعتبر هذا مجرد سحابة صيف. بل إن الأمر في طريق الإنفتاح والتطور. ولم يعد مسموحا للمجتمعات الرجوع إلى الخلف. وحتى وإن اختارت بعض المجتمعات حياة الانغلاق، وأن تحرم شعوبها مما يجري في العالم ومن حولها، فلن تستطيع لذلك سبيلا. فالتكنولوجيات الحديثة في مجال الاعلام والتواصل، أصبحت متاحة وميسرة للجميع. كل الحقائق، وغير الحقائق، عادت منشورة على كل المواقع الاجتماعي في الأنتيرنيت، وأصبح مرتادوها يعدون بالملايين. وكم من ثورة أو مظاهرة أو تجمع تم الإعداد لها من خلال هذه المواقع.
❒ ما هي العوامل في نظركم، التي جعلت جزءا كبيرا من المغاربة وبإقرار آخر الانتخابات والتي بلغ فيها عدد المشاركين 37 في المائة فقط؟
❒❒ عندما لا تكون هناك مصداقية للعمل السياسي، وعندما تغيب الديمقراطية في اختيار من هو أهل للترشح، وعندما تكون العملية الانتخابية فاسدة من أساسها، ويسودها الفساد والتزوير. لا يمكن إلا أن نلاحظ مثل هذه النسب من المقاطعين، والممتنعين عن التصويت والمشاركة، في عملية لا طائل من ورائها. فإذا كان المواطن سيشاهد نفس الوجوه في المؤسسات المنتخبة، وهو يعرف أخلاقها، وممارساتها، ومواقفها جيدا، وطرق وصولها لهذه المؤسسات، فقد يختار مبدئيا، عدم المشاركة، وتزكية واقع لن يغير أي شيء. العديد من المغاربة أصبحوا لا يثقون في الأحزاب السياسية، لأنها خذلتهم، ولم يعودوا مقتنعين بخطاباتها، ولا بمن تقدمه لتمثيلها. لهذا تكون نسبة المقاطعة مرتفعة، خاصة إذا ما تحقق الحد الأدنى من الشفافية والنزاهة في نتائج الاقتراع.
لكن، ما يمكن تسجيله، هو أن الشباب المغربي، على غرار الشباب في العالم أصبح يبحث عن وسائل يؤطر بها نفسه ويحقق فيها ذاته، ويمكن أن نجد في حركة 20 فبراير، في المغرب، خير مثال على هذا الشكل الجديد للتأطير والتواصل بين الشباب، وتداول بعض القضايا السياسية أو غيرها بينهم. وهذا مما يمكن أن يؤثر على نسب المشاركة أو عدم المشاركة، في الاستحقاقات المستقبلية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.