تخوض قناة ميدي1 تي في، غمار البرمجة الرمضانية، لأول مرة في مسارها الإعلامي، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه جرى تحويلها من قناة إخبارية، إلى قناة شاملة، تنفتح على مختلف الانتاجات، سواء كانت درامية أو وثائقية أو ترفيهية أو غير ذلك. وما يلفت الانتباه، أنها جندت طاقما وازنا من الفنانين والإعلاميين،لتنشيط مختلف الفقرات التي أنتجت للعرض خصيصا في هذا الشهر الكريم. ولعل من بين الفقرات التي تتميز بها هذه القناة عن سواها من القنوات الوطنية، كونها كرست حصة يومية قارة، لتوثيق جانب مهم من تراثنا الثقافي الشفاهي، وهو المتعلق بفن الحلقة. حيث يتم القيام بجولات في العديد من مدن وقرى وطننا العزيز، بحثا عن ممارسي هذا الشكل من الأشكال الماقبل المسرحية، سواء كانوا رواة أو ممثلين أو مطربين أو غيرهم من الحلايقية. ويتم بهذا الصدد تسجيل مشاهد من أعمالهم، والإنصات إلى همومهم ومواقفهم ومشاكلهم والتعرف عن كثب على ظروف اشتغالهم وعيشهم. إلى جانب ذلك يتم استضافة بعض الباحثين في هذا المجال الفني، بالإضافة إلى بعض الفنانين المسرحيين والسينمائيين الذين سبق لهم أن اشتغلوا على هذا الفن الشعبي الذي يجري عرضه في الساحات العمومية. لم يقتصر دور منشطي هذا البرنامج التلفزي الموسوم بالحلقة، على عرض المشاهد الفنية ومناقشة الباحثين وغيرهم، بل تم الحرص كذلك على انتخاب مجموعة من أجود الحلايقة، حيث سيجري التباري بين ثمانية منهم، لتتويج أفضلهم، وتم تجنيد بهذا الصدد لجنة تحكيم مكونة من نخبة من المهتمين، يأتي على رأسهم المخرج السينمائي داوود أولاد السيد، الذي سبق له أن وظف فن الحلقة في بعض إنتاجاته، وبالأخص شريطه السينمائي الطويل باي باي السويرتي، فضلا عن أنه يتحدر من مدينة مراكش، حيث توجد أهم الساحات العمومية التي تحتضن الحلقة، ألا وهي ساحة جامع الفنا، التي تقرر منذ السنوات القليلة الماضية تصنيفها من طرف منظمة اليونسكو ضمن لائحة التراث العالمي. وطبعا فقد كانت هذه الساحة، من بين الساحات التي زارها طاقم البرنامج، ووثق مشاهد منها وانتقى بعضا من أجود فنانيها لخلق المنافسة بينهم وبين غيرهم من شيوخ الحلقة في مختلف مدننا. ويكتسي هذا البرنامج المميز بقناة ميدي 1 تي في، أهمية كبيرة، بلا أدنى شك، على اعتبار أنه يعمل على صيانة هذا الفن الشعبي القديم، من الضياع والاندثار من جهة، وتحفيز شباب اليوم على ممارسته وتطويره من جهة أخرى. وكما قال أحد الباحثين ضمن هذا البرنامج نفسه؛ فإن الأثر الذي سيخلفه برنامج الحلقة، لا ينبغي حصره في ما هو آني، بل يمكن أن نترقب ملامسة ذلك على مدى خمسين أو ستين سنة القادمة. وبلا شك؛ فإن فن الحلقة يعد من بين أصعب الفنون، على اعتبار أنه يجري في الساحة العمومية، حيث ينبغي على الحلايقي أن يقنع المتفرجين بما يقدمه، قبل حصوله على أجره، بخلاف المسرحيين الذين يقدمون عروضهم بالقاعات المسرحية، حيث شباك التذاكر يكون سابقا للعرض. فضلا عن ذلك؛ فإن الظروف التي يشتغل فيها الحلايقي عادة ما تضطره إلى القيام بمجهود مضاعف لتبليغ رسالته الفنية، أخذا بعين الاعتبار أنه لا يعتمد على هندسة الإنارة ولا على ديكور ولا على غير ذلك مما هو متوفر لدى المسرحيين الذي يقدمون عروضهم داخل المسارح. كما أنه يكون مضطرا للقيام بأكثر من وظيفة؛ فهو الذي يروي ويمثل وينظم صفوف المتفرجين ويطرد المشاغبين ويستخلص النقود، وغير ذلك من الوظائف التي يحملها على كاهله لوحده. إنها إذن مبادرة جديرة بالتنويه، هاته التي تولت قناة ميدي 1 تي في القيام بها، وحبذا لو أن غيرها من القنوات الوطنية، تحذو حذوها، لأجل توثيق جوانب من تراثنا الثقافي والتحسيس بقيمته والحث على صيانته والحفاظ على استمراريته.