حياة الأديب أو الفنان، حافلة بالذكريات الجديرة بأن تسرد ويطلع عليها العموم، بالنظر لوضعه الاعتباري والرمزي. وفي صلب هذه الذكريات، تبرز الوقائع الطريفة، التي – باعتبار طرافتها- تظل محفورة في الذاكرة وفي الوجدان. ولهذه الغاية، كان لبيان اليوم، اتصال بمجموعة من الأدباء والفنانين؛ لأجل نفض غبار السنين عن جملة من الطرائف التي عايشوها في محطات مختلفة من حياتهم اليومية. لفظة الطريف- حسب القاموس اللغوي- هي مرادف للحديث الجديد المستحسن، وهي كذلك مرادف للغريب والنادر من الثمر ونحوه، وحسب هذه الحلقات أن تكون ثمارا ذات مذاق طيب، في هذا الشهر الفضيل. الهاتف النقال فوق طاولة المقهى هناك طرائف عديدة لا تزال راسخة في ذاكرتي، غير أنني أود أن أقتصر على ذكر ما له علاقة بالهاتف النقال، مع العلم أنه سرق مني ما يقرب عشرة هواتف من هذا النوع، لكن قبل ذلك أشير إلى طريفة حول السلف والاحتيال. ففي إحدى المرات، كنت جالسا بالمقهى، فقصدني أحد الفنانين –أقول فنانا تجاوزا- وشاركني الجلوس حول الطاولة، وعندما حان وقت انصرافي، أبى إلا أن يدفع ثمن المشروب الذي تناولته، والذي كان سعره يساوي ثلاثين ريالا، في ذلك الإبان، مع العلم أن هذا الحدث مر عليه ما يربو عن خمسين سنة ونيف. وشكرته على تفضله بدفع ثمن قهوتي، غير أنني عندما أردت أن أودعه، بدأ يشكو لي ضيق ذات يده، وأخبرني بأنه ترك سيارته لأجل الإصلاح بمدينة سلا، وأنه محتاج إلى المال لهذا الغرض، ورجاني بأن أقرضه قدرا من المال ليحرر سيارته. فأجبته بنوع من المكر، بعد أن فطنت إلى ألاعيبه، بأنه ليس هناك مشكل، وانشغلت بالبحث في جيوبي عما يمكنني أن أقرضه له، وكم كانت مفاجأته عندما سلمته ثلاثين ريالا، وهو المبلغ نفسه الذي كان قد دفعه بدلا مني إلى نادل المقهى، بعد أن كان ينتظر مني أن أقرضه المبلغ الذي يحتاج إليه بكامله، أول على الأقل نصفه أو ثلثه، ثم حذرته قائلا: ما تبقاش تملغ معي! ** في يوم آخر بمدينة مراكش، كنت أضع الهاتف فوق الطاولة، بشكل مكشوف، فيما كنت منهمكا بكتابة بعض الخواطر، إذا بأحد الأشخاص يقف أمامي، دون سابق معرفة به، ويضع يده على الهاتف، ويخاطبني قائلا: - آسي أحمد، الهاتف لا يوضع هكذا فوق الطاولة بإهمال، فاللصوص قد تناسلوا بكثرة هذه الأيام، بينما أنت الآن تضعه هكذا، كما لو كنت تقول للقط:بش بش.. لقد ألقى على مسامعي محاضرة في كيفية الحفاظ على الهاتف النقال من السرقة، وشدد على القول إنه ليس من حقي أن أضع الهاتف بإهمال، أو أعرضه عنونة للاختطاف، وأنه يجب علي أن أكون حذرا وأن لا أغري اللصوص بسرقة هاتفي، لأنني مسؤول عنه. لقد وجه إلي من الإرشادات والنصائح ما طاب لي سماعه، كان يلقي محاضرته هاته وهو ممسك بهاتفي الذي كنت أضعه أمامي على الطاولة. شكرته على غيرته وتنبيهه إياي إلى عدم إهمال هاتفي النقال. غير أنه فاجأني بالقول: - هذا مشى! وهو يشير إلى هاتفي، ولم يكن يظهر عليه أنه كان يمزح، وهذا ما سأتبينه في ما بعد..