جلسة عمومية مشتركة للبرلمان لتقديم عرض أعمال المجلس الأعلى للحسابات    تحليل: تصاعد التوتر بين المغرب وأوروبا يفتح الباب أمام نفوذ روسيا والصين    حصيلة التسوية الجبائية الطوعية تتجاوز 127 مليار درهم    رقم قياسي.. 17.4 مليون سائح زاروا المغرب خلال 2024    الحكومة: حصيلة "التسوية الطوعية الضريبية" بلغت 127 مليار درهم    لقجع: العائدات الجبائية ترتفع ب35.9 مليار درهم في 2024    انتخاب جوزيف عون رئيسا للبنان    بريطانيا تحذر مواطنيها من السفر إلى الجزائر وتصف المغرب ب"الوجهة الآمنة"    وفاة الفنان محمد بن عبد السلام    الموسيقار المغربي محمد بن عبد السلام في ذمة الله    أما زال للجزائر دور تقوم به، حتى لا تزرع الفوضى؟    أخبار الساحة    الاتحاد المغربي للشغل يقاطع لقاء وزير الشغل    الذهب يتراجع بعد أن وصل لأعلى مستوياته في نحو أربعة أسابيع    وست هام يُعيّن غراهام بوتر مدربا للفريق    إقبال جماهيري غير مسبوق على تذاكر مباراة الجيش الملكي والرجاء الرياضي في دوري أبطال إفريقيا    حوض ملوية.. الإنتاج المرتقب للحوامض يفوق 192 ألف طن    مارلاسكا: دعم المغرب إثر فيضانات إسبانيا يعكس "عمق العلاقات" بين البلدين    عبد السلام الكلاعي يحكي الحب في "سوناتا ليلية"    وزير الداخلية الإسباني: دعم المغرب لنا في فيضانات فالنسيا يعكس "عمق العلاقات" بين البلدين    بسبب حملة مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل.. كارفور تعلن إغلاق فروعها في سلطنة عُمان    يربط إسبانيا بجنوب المملكة.. شركة ريان إير تدشن خطًا جويًا جديدًا بين مدريد والداخلة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    جواز السفر المغربي يسجل قفزة في التصنيف العالمي لعام 2025    وادي "السلسيون": كوميديا الفشل في زمن النيوليبرالية    أخذنا على حين ′′غزة′′!    "بوحمرون" يغزو أسوار السجون ويفتك بالنزلاء    وفاة الموسيقار محمد بنعبد السلام    مندوبية: رصد ما مجموعه 41 حالة إصابة بداء الحصبة بعدد من المؤسسات السجنية    533 عاماً على سقوط غرناطة آخر معاقل الإسلام فى الأندلس    حول الآخر في زمن المغرب ..    تايلور سويفت تتصدر مبيعات بريطانية قياسية للموسيقى    أسعار النفط تواصل خسائرها وسط ارتفاع مخزونات الوقود الأمريكية    أتليتيكو يستغل غياب البارصا والريال    إصابة جديدة تبعد الدولي المغربي أشرف داري عن الملاعب    المغرب إلى نصف النهائي في"دوري الملوك"    تعيين مهدي بنعطية مديرًا رياضيًا لأولمبيك مارسيليا    كأس الرابطة الانجليزية: توتنهام يفوز في ذهاب نصف النهاية على ليفربول (1-0)    مشروع قانون الإضراب.. السكوري: الحكومة مستعدة للقيام ب "تعديلات جوهرية" استجابة لمطالب الشغيلة    حصيلة حرائق لوس أنجليس ترتفع إلى خمسة قتلى    كيوسك الأربعاء | هيئات سيارات الأجرة تدعو لمناظرة وطنية للحسم في جدل تطبيقات النقل    المنصوري تشرف على توقيع اتفاقيات لتأهيل مدن عمالة المضيق الفنيدق    بعد إلغاء اجتماع لجنة العدل والتشريع لمجلس النواب الذي كان مخصصا لمناقشة إصلاح مدونة الأسرة    وفد عن مجلس الشيوخ الفرنسي ينوه بالزخم التنموي بالداخلة لؤلؤة الصحراء المغربية    الريف يتوشح بالأبيض.. تساقطات ثلجية مهمة تعلو مرتفعات الحسيمة    طنجة: ثلاث سنوات حبسا لطبيب وشريكه يتاجران في أدوية باهظة الثمن للمرضى    ترامب يقف أمام نعش الراحل كارتر    جيش إسرائيل يفتك بأسرة في غزة    الشرطة بطنجة تُطيح ب'الشرطي المزيف' المتورط في سلسلة سرقات واعتداءات    قريباً شرطة النظافة بشوارع العاصمة الإقتصادية    هجوم على قصر نجامينا يخلّف قتلى    لقاء يجمع مسؤولين لاتخاذ تدابير لمنع انتشار "بوحمرون" في مدارس الحسيمة    السجن المحلي لطنجة يتصدر وطنيا.. رصد 23 حالة إصابة بداء "بوحمرون"    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    منظة الصحة العالمية توضح بشأن مخاطر انتشار الفيروسات التنفسية    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام -3-    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طرائف أدباء وفنانين مغاربة: الأديب الدكتور محمد العمري 4/5
نشر في بيان اليوم يوم 07 - 08 - 2011

حياة الأديب أو الفنان، حافلة بالذكريات الجديرة بأن تسرد ويطلع عليها العموم، بالنظر لوضعه الاعتباري والرمزي. وفي صلب هذه الذكريات، تبرز الوقائع الطريفة، التي – باعتبار طرافتها- تظل محفورة في الذاكرة وفي الوجدان. ولهذه الغاية، كان لبيان اليوم، اتصال بمجموعة من الأدباء والفنانين؛ لأجل نفض غبار السنين عن جملة من الطرائف التي عايشوها في محطات مختلفة من حياتهم اليومية.
لفظة الطريف- حسب القاموس اللغوي- هي مرادف للحديث الجديد المستحسن، وهي كذلك مرادف للغريب والنادر من الثمر ونحوه، وحسب هذه الحلقات أن تكون ثمارا ذات مذاق طيب، في هذا الشهر الفضيل.
الأستاذ غضب مني فألحقني بحظيرة الحمير
عندما انتهيت من إعداد موضوع الدراسات العليا في الأدب المغربي، أصر الأستاذ عزة حسن على أن أسجل البحث مع مشرف مغربي لحساسية لم يكن لي علم بها. نزلت عند رغبته بعد ممانعة فخاطبت الأستاذ بن تاويت فلم نتفاهم ... لم يترك لي فرصة لتعريفه بالموضوع الذي اخترته بل أمرني أمرا بتحقيق فهرس اليوسي، ثم انتقل إلى السؤال عن بعض «الجحوش» و»الحمير» المذكَّرين والمؤنثين الذين كانوا يتلقون عنه النحو في فاس. كان الأستاذُ ابنُ تاويت يُعيد على الطلبة طلاسمَ المغني في النحو لابن هشام حول أدوات الاستفهام: هل، وأي، وغيرها. وكان الطلبة يضطرون لاستظهار أبوابٍ من المغني إلى حدود يوم الامتحان ثم ينسونها، فيصيرون حميرا كما قال.
فعلَ اللهُ خيراً بي وبالأستاذ بنتاويت حين لم يوافق مباشرة على المسلك السهل، لأني والأستاذ ابن تاويت، رغم احترامي له، ومحبته لي، باعتباري «بدويا قحا»، وحمارا أصيلا، مثلُ أواني الفخار؛ لا بد أن يَفصل بينها حاجز رَخوٌ وإلا كسَر بعضُها بعضا دون عمْد أو إصرار.
التقينا، بعدَ ذلك، في رحاب الكلية دون أن يُثير أحدنا الموضوع. ربما نسي الحكاية أساساً، وربما أوهمتُ نفسي أنه نسيها. لذلك لم استشعر أي حرج أو ارتياب عندما عُيِّن عضواً في لجنة مناقشتي.
قبل المناقشة بشهور جاءتني منه رسالة. طلب أن ألتحق به في تطوان. حملَها الأستاذ أحمد ممنون الذي التقى به في كلية الآداب بالرباط. قال ممنون إن الأستاذَ غاضبٌ مني إلى درجة أنه ألحقني بحظيرة الحمير الذين علفهم في فاس فأصبحوا يركلونه في الرباط.
وكما يُمكن أن يقع لكل طالب يستدعيه أحد الفاحصين لرسالته على غرابة هذا السلوك فقد توقعتُ الأسوأَ، ولم استهن بالأمر. اغتنمتُ عطلةَ نهايةِ الأسبوع وأخذت الحافلة مباشرة من البيضاء إلى تطوان. ومن محطة الحافلة إلى منزله. وجدتُه، رحمه الله، وحيداً في زاوية من الصالون، أمامه آلة كاتبة عتيقة سلحفية اللون، مقوسة الظهر، لمسها مرة فرنت رنينا حادا فتنحى عنها. كان الجُزءُ الأولُ من أطروحتي فوق «السَّدَّاري» (الكنبة)، والجزء الثاني مفتوح بين يديه.
أحضر إبريقا من الشاي كروي الشكل متعدد الألوان. وقبل أن يناولني كأسا منه بادرني بالقول: «ذكرتَ أنك لم تتمكن من الاطلاع على نسختي الموجودة بمكتبة تطوان(؟) لقد وجدتُ أحدهم حافَ عليها. الآنَ هي مرقَّمةٌ مُسجَّلة، يجبُ أن تعود للاطلاع عليها..»
تخيلتُ أن العملية ستُوقف المناقشة حتى أرجعَ إلى نسخته وأعيدَ طبعَ الأطروحة، فأصابني شيء من القلق والحزن. ولكي استطلع ما يفكر فيه قلتُ له:
سآخذها إن شاء الله بعين الاعتبار عند المناقشة وحين طبع الكتاب. فلم يعلق، فحمدتُ الله. «بعضُ الشرِّ أهونُ مِن بعضِ». وعندما عدتُ إلى النسخة وجدتُها لا تقدم ولا تؤخر فنسيتها.
انبسطَ قليلاً، فتحدثَ عن مَجمع اللغة العربية بدمشق، وسلمني عددين من مجلته، وتحدثَ عن الجراري و»معرفته»، ومحمد الفاسي و»سطوته»..ولعن كل اللصوص الذين سرقوا جهوده في التعريف بالأدب المغربي والأندلسي..الخ
اعتقدتُ أننا عدنا إلى الصفاء، فسألته، عن انطابعه العام حول ما أنجزتُه، فقال: أنجزتَ خمسين في المائة فيما يخص التحقيق، أما مقدمتك فجيدة. وفيها ما لن يسر بعضهم، ومن هنا خرج، مرة أخرى، لمحاكمة اللصوص والمتطفلين في نظره على الأدبين المغربي والأندلسي.
حين هممت بتوديعه، قربَ الباب الخارجي، فاجأني بالسؤال التالي:
أنت درستَ عندي في فاس؟ أنت من تلاميذي؟
قلتُ: نعم... درسنا عندكم كتاب المغني..
قال: ما اسمي؟
قلت: الأستاذ محمد بن تاويت.
قال: إذن لماذا تقول في رسالتك: «ابن تاويت التطواني؟»
قلت: لغرض التمييز عن ابن تاويت الطنجي.
قال: اسمي لا يلتبس بأحد...
لطيفة: أخبرني أحد الأصدقاء، في مرحلة إعداد الدبلوم، أنه ينوي التسجيل مع الأستاذ ابن تاويت في موضوع القصة المغربية أو شيء من هذا القبيل. فنصحته بأن يسجل معه تحقيقاً، فهو مدقِّق في هذا المجال وسيُفيده. قال ضاحكا: أستاذنا في حاجة إلى من يُحققه. إذا قبلَ أن أحققَه تحت إشراف أحد غيره كان ذلك في غاية الفائدة.
رحمة الله عليه، لقد تعلمتُ من مناقشتِه لي مقدارَ الغبن والضيم الذي يمكن أن يُحسَّ به طالبٌ باحث أمامَ مناقش يسُد عينيه عن مزايا عَملٍ بُذِل فيه جهد مُخلِص، ساعياً، بكل الوسائل، إلى إرباكه لإيقاعه في الخطأ، ومنعه من التعبير عن رأيه. لقد خطأني في مسألة كنتُ فحصتُها بعناية مع الأستاذ المشرف، وعندما حاولتُ التوضيح رفضّ الاستماع، قال: «اركز (وهي عبارة إذلال يستعملها حفظة القرآن حين يخطئ أحدهم)، إن لم تسكت سأبقى معك هنا إلى الصباح». وفعلاً استمرت المناقشةُ من الثالثة مساءً إلى حوالي العاشرة ليلا، وحين جاء مرسول من العميد يستعجله صرفه بعنف.
***
بعد تسجيل دبلوم الدارسات العليا كنت أنتقل إلى المكتبة العامة بالرباط أسبوعيا يوم السبت، ولم يكن الوقت كافيا .... كنتُ أتقاسم هذه المعاناة مع مجموعة من الزملاء القادمين من الدار البيضاء. طُرح المشكلُ على الأستاذ القباج فأعطانا امتيازاً غيرَ متوقع. أصبحَ بإمكاننا الدخولُ إلى المكتبة والخروجُ منها في أي وقت، من الصباح إلى المساء طوالَ أيام الأسبوع. يكفي الاتصالُ بالشاوش المقيم في المكتبة بَّا رَزُّوق الذي صار يُدخلنا من الباب الخلفي. مع تخصيص قاعة خاصة نحتفظ فيها بما نستخرجُه من وثائق وكتب حتى ننتهي منها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.