الإقبال غير المسبوق الذي تشهده مدن شمال المملكة، وخصوصا طنجة، وأيضا الوجهات السياحية الأخرى، مثل أگادير وضواحيها، وكذلك الحسيمة والسعيدية والمناطق الساحلية المجاورة لهما، يكشف حرص فئات واسعة من شعبنا على الاحتفاء بنفسها وبالحياة. بعد عامين متتاليين من الحجر بسبب الجائحة، أقبل الناس على ممارسة حقهم في الاصطياف والسفر، وسعوا للترويح عن النفس، ولو لأيام معدودات... يؤكد المراقبون أن طنجة مثلا تشهد هذه الأيام إقبالا لم يسبق أن شهدته من قبل، من حيث عدد المصطافين والزوار، وخصوصا المغاربة من مناطق مختلفة ومن مغاربة العالم، وهو ما جعل كل الوحدات الفندقية تعلن امتلاءها الكامل، وحتى المنازل والشقق المعدة للكراء صار صعبا العثور على إحداها فارغة طيلة الشهر الجاري. سحر طنجة وكامل جهة الشمال لا يزال جاذبا ومغريا، والتقاء الشمس والبحر يستمر في إغواء الزوار من كل المناطق والفئات. ما تشهده طنجة، ومناطق سياحية أخرى في بلادنا، هو، بلا شك إيجابي، ويساهم في إنعاش القطاع السياحي وإعادة التفاؤل والثقة للفاعلين والمستثمرين، ولكن هذا النجاح يفرض استخراج الدروس منه للمستقبل، وأساسا ما يتصل بالسياحة الداخلية. الفاعلون في القطاع، أرباب الفنادق والمطاعم وباقي الخدمات ذات الصلة، يجب أن يستثمروا عائدات هذا الصيف لمواصلة تأهيل البنيات السياحية وإعادة إصلاحها والإرتقاء بجودتها العامة. السلطات الترابية، من جهتها، مدعوة لبذل جهد أكبر على مستوى تنظيم أماكن الاصطياف، والتصدي لعدد من الممارسات العشوائية في محيط الشواطئ وقريبا منها، كما أنها مطالبة، في طنجة بالذات، ببلورة مخطط ذكي وهيكلي للحد من الاكتظاظ المروري، وتنظيم حركة التنقل والسير والجولان، علاوة على العمل التأهيلي المطلوب من المكتب الوطني للسكك الحديدية بالنسبة لمحطة طنجة، التي عانت هذه الأيام من اكتظاظ لا يطاق، واضطر الناس للمكوث في المحطة لساعات طويلة ينتظرون الوصول إلى شبابيك التذاكر. وطبعا هناك جهد تأطيري ورقابي يجب أن يتم على مستوى الأسعار في عدد من المرافق والخدمات. قد تكون هذه المشكلات هي نفسها بعدد من المدن الساحلية هذه الأيام، وإن بدرجات متفاوتة بين هذه المنطقة وتلك، ولكن المشترك بينها كلها هو الحاجة إلى إعمال مخطط استراتيجي وطني متكامل للارتقاء بالسياحة الداخلية، وبلورة منتوج للأسر المغربية ولمختلف فئات الزوار والمصطافين، يستطيع أن يستثمر هذا الإقبال الشعبي ويجعله مستداما. من جهة ثانية، ولتحفيز السياحة الداخلية، يجب كذلك تطوير جوانب أخرى تتعلق بالحركية التجارية المحلية وعروض التبضع التي تغري الأسر، ثم تطوير برمجة تنشيطية وثقافية وفنية، تتم صياغتها وتفعيلها بتعاون مع المهنيين والجمعيات الثقافية والمنظمات المدنية والمؤسسات ذات الصلة. في عدد من المناطق الشاطئية توجد فعاليات ثقافية وفنية محلية، وجمعيات، لها الكفاءة الضرورية، وأيضا التاريخ والمصداقية، وبالإمكان التعاون معها وتحفيزها ودعمها لإقامة تظاهرات ثقافية وفنية رصينة تشرف هذه الجهات، وتبرز ثراء تميزها الثقافي والحضاري. الموسم السياحي لهذه السنة، وما ميزه من إقبال شعبي، بالإمكان أن يكون تأسيسيًا لإستراتيجية جديدة في السياحة الداخلية، وأن تنكب، مختلف السلطات المعنية، مباشرة بعد انقضائه على تقييم مجرياته، والتفكير في معالم مخطط قادم، يجعل هذه الوجهات السياحية الداخلية جاذبة طيلة العام... إن ما جرى إنجازه من أوراش إصلاحية كبرى ومهيكلة، في طنجة والشمال وسوس ، بالإمكان البناء عليه والانطلاق منه لتصحيح بعض الاختلالات العملية والميدانية والتدبيرية، وأيضا لبلورة خطة تطويرية متكاملة للارتقاء، أساسا بالسياحة الداخلية، وملاءمة المنتوج مع الحاجيات والرغبات الفعلية للأسر المغربية، وأيضا مع قدرتها الشرائية.