تعتبر الأزمات المالية والإقتصادية إحدى أبرز الظواهر الإقتصادية التي يكون لها أثرا عميقا على حركة النشاط الاقتصادي وعلى العلاقات الاقتصادية الدولية. وتحتاج الأزمات المالية، مدة زمنية قد تكون طويلة جدا، للتعافي من آثارها السلبية، كما أنها تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعلم بشكل عام والدولة المعنية بشكل خاص.وأمست الأزمات المالية والاقتصادية من أبرز سمات العقود الأخيرة، مثيرة اهتمام اهتمام الكتّاب والباحثين والاقتصاديين وحتى السياسيين في مختلف دول العالم وتطور الفكر الاقتصادي الذي يتناول الأزمات ويبحث في مسبباتها وكيفية معالجتها. ولا غرو أن الأزمات الإقتصادية والمالية لها آثار سلبية عديدة تتعدى الجانب الاقتصادي ممتدة إلى الجوانب الأخرى كالسياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، لذا فإن دول العالم تحاول قدر الإمكان التخفيف من آثار هذه الأزمات. وفي هذا الصدد، سنحاول خلال هذه الفقرة اليومية طيلة هذا الفضيل، تسليط الضوء على أبرز الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم، مسلطين الضوء على سياقها وأبرز أسبابها ونتائجها. "أزمة سريلانكا" سنتطرق في فقرة اليوم، إلى أزمة اقتصادية حديثة وهي أزمة "سريلانكا"، حيث دخلت البلاد في أسوأ أزمة اقتصادية منذ حصولها على الاستقلال في عام 1948، بإعلانها الثلاثاء الماضي تعليق سداد جميع ديونها الخارجية. وتشهد البلاد تراجعا حادا للاحتياطي النقدي، كما قفز معدل التضخم لثلاث أضعاف، وارتفع الدين الخارجي وتراجعت الروبية مقابل الدولار. ونقلت وكالة رويترز عن وزارة المالية في سريلانكا أن جميع المدفوعات المستحقة لحاملي السندات والدائنين الثنائيين والمؤسسات المقرضة سيجري تعليقها حتى إعادة هيكلة الديون. وقال محافظ البنك المركزي المعيّن حديثا، ناندالال وييراسينغ، في بيان إن السلطات تسعى للتفاوض مع الدائنين، محذرا من تعثر محتمل. ماذا يحدث؟ تراجعت احتياطيات النقد الأجنبي لدى سريلانكا إلى 1.94 مليار دولار الشهر الماضي، بانخفاض 16% مقارنة بشهر فبراير. وتبلغ ديون سريلانكا الخارجية 51 مليار دولار، وفقا ل CNBC. ويتعين على الحكومة السريلانكية سداد فوائد بقيمة 36 مليون دولار على سندات دولارية مستحقة في 18 أبريل 2023، بالإضافة إلى 42.2 مليون دولار على سندات لأجل عام 2028، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرج. كما يتوجب على سريلانكا سداد سندات سيادية بقيمة مليار دولار في 25 يوليوز. ويرجع خبراء تحدثوا ل CNN ما يحدث لسريلانكا أنها أزمة استمرت لسنوات، مدفوعة بقليل من سوء الحظ وسوء إدارة حكومية كثيرة. وقال مرتضى جافيرجي، رئيس مركز أبحاث Advocata ومقره كولومبو، إن على مدى العقد الماضي، اقترضت الحكومة السريلانكية مبالغ ضخمة من المقرضين الأجانب لتمويل الخدمات العامة. وكانت فورة الاقتراض متزامنة مع سلسلة من ضربات على رأس الاقتصاد السريلانكي، من كل من الكوارث الطبيعية مثل الرياح الموسمية الغزيرة، إلى الكوارث من صنع الإنسان، بما في ذلك الحظر الحكومي على الأسمدة الكيماوية الذي أدى لانخفاض كبير في المحاصيل. ووفقا ل CNN تفاقمت هذه المشاكل في عام 2018، عندما أثار إقالة رئيس الجمهورية لرئيس الوزراء أزمة دستورية؛ وفي العام التالي قُتل مئات الأشخاص في الكنائس والفنادق في تفجيرات عيد الفصح عام 2019، ثم تبع ذلك في عام 2020 أزمة فيروس كورونا التي تضرر منها الاقتصاد العالمي أجمع. وفي مواجهة عجز هائل خفض الرئيس جوتابايا راجاباكسا، الضرائب في محاولة فاشلة لتحفيز الاقتصاد، لكن هذه الخطوة جاءت بنتائج عكسية، وخفضت من إيرادات الحكومة. دفع ذلك وكالات التصنيف الائتماني إلى خفض تصنيف سريلانكا إلى مستويات قريبة من التخلف عن السداد، مما يعني أن البلاد فقدت الوصول إلى الأسواق الخارجية. واضطرت سريلانكا إلى التخلي عن احتياطاتها من العملات الأجنبية لسداد ديون الحكومة، لتتراجع من 6.9 مليار دولار في 2018 إلى 1.9 مليار دولار الشهر الماضي. هذه الخطوة أثرت على واردات البلاد من الوقود والضروريات الأخرى، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار. والشهر الماضي قررت الحكومة تعويم الروبية السريلانكية، وهو ما يعني أن سعرها قد جرى تحديده بناءً على الطلب والعرض في أسواق الصرف الأجنبي. وكل هذه الخطوات كانت مصحوبة بارتفاع معدل التضخم 3 أضعاف مما دفع المواطنين للاحتجاج والتظاهر اعتراضًا على ارتفاع الأسعار وانقطاع الكهرباء نتيجة عدم وجود وقود. وسجل معدل التضخم في فبراير الماضي 17.5% مقابل 6.2% في سبتمبر الماضي، بحسب بيانات البنك المركزي في سريلانكا. مفاوضات الصندوق دخلت الحكومة السريلانكية في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي ودول أخرى للحصول على تمويل، وهذه الخطوة دفعت نيفارد كابرال محافظ البنك المركزي في سريلانكا للاستقالة مطلع الشهر الجاري. وقالت بلومبرج إن كابرال الذي يعد صانع سياسة مخضرم، يفضل تقليل الاعتماد على الديون الخارجية، خاصة من صندوق النقد الدولي. ونقلت رويترز عن وزارة المالية السريلانكية أمس أن الحكومة ستسرع المحادثات مع صندوق النقد الدولي لتتجنب تعثر شديد في سداد الديون. كما دخلت سريلانكا في مفاوضات مع الصين والهند للحصول على تمويل من كليهما.