تعود مستحقات الدين الخارجي لدول العالم الثالث، تقريبا بنسبة الثلث، إلى دول دائنة، ومؤسسات مالية دولية، وبنسبة الثلثين إلى دائنين خواص. بينما نجد نسبة كبيرة من مستحقات الدين الخارجي للبلدان الأكثر فقرا إلى البلدان الغنية، أو المؤسسات متعددة الأطراف، فيكون لها بالتالي سلطة تكاد تكون مطلقة على الحكومات الوطنية. يتحدث الناس منذ عقود عن أزمة ديون العالم الثالث، ويدعي البعض الرغبة في إيجاد حلول لها. وقد تتالت المبادرات الرسمية، بيد أن ديون الدول النامية ما برحت تتضخم، من حوالي 70 مليار سنة 1970 إلى 540 مليار سنة 1980 ، لتصل إلى 2800 مليار دولار اليوم، أي أنها تضاعفت 40 مرة في 35 سنة. لقد أضحت أزمة المديونية من الآن فصاعدا، من النوع البنيوي، بينما كانت تقدم في البداية على أنها أزمة سيولة نقدية أو إفلاس. بالمغرب أفاد تقرير لمديرية الخزينة أن المديونية الخارجية للمغرب تجاوزت في النصف الأول من السنة الجارية عتبة 191.6 مليار درهم، أي بزيادة 2.5 مليار درهم، مقارنة مع دجنبر 2011. وأضاف التقرير أن مبلغ السحب من القروض الخارجية بلغ 1.8 مليار درهم تم توجيهها لتمويل الميزانية، بينما تم توجيه 6.2 مليار درهم لمجهودات الإستثمار العمومية. وتتشكل مديونية المغرب في 71.6 في المائة منها من عملة الأورو، و8 في المائة بالدولار، و6.9 في المائة بالين الياباني، و 13.5 في المائة بباقي العملات. و تنضاف أعباء الدين الخارجي للمغرب إلى المديونية الداخلية التي وصلت في غشت الماضي إلى 348.9 مليار درهم، محققة ارتفاعا بلغ 10.7 في المائة منذ بداية هذه السنة، وذلك بفعل لجوء الخزينة إلى الإقتراض من سوق السندات في 2012 . وتفيد معطيات أخرى في التقرير أن العجز المالي تفاقم في ظرف 8 أشهر ليصل إلى 33.5 مليار درهم عند متم غشت المنصرم، وعزا التقرير أسباب العجز إلى ثقل تحملات صندوق المقاصة. لكن كيف دخل المغرب دوامة الديون ؟ وما هي السبل التي انتهجها المغرب للتخلص من هذا العبء الثقيل؟ في أواسط الستينات فشل المخطط الخماسي( 1960- 1694 ) وعرف المغرب أول أزمة مالية كنتيجة لعدم ملائمة المخطط للواقع المغربي، بحيث أن ¾ ميزانية التجهيز أصبحت تمول بالمساعدات الأجنبية. و في 24 يونيو 1964 سيتم التوقيع على أول اتفاق مع صندوق النقد الدولي، حصل المغرب بموجبه على تسهيلات مالية وصلت إلى 1.3 مليون دولار. وهو ما فسح المجال لإجراء أول تشخيص للإقتصاد المغربي من طرف صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وتقديمهما لتوصيات أكدت على ضرورة اعتماد المغرب على الفلاحة وتوجيهها نحو التصدير، الأمر الذي جعل المغرب ينهج سياسة السدود ويعتمد أساسا على الفلاحة ذات الدخل العالي الموجهة للتصدير قصد الحصول على العملة الصعبة لتسديد الديون. وقد ساهمت مجموعة من العوامل في دخول المغرب دوامة المديونية الخارجية: تدهور معادلات التبادل، تقلص الطلب الخارجي، ارتفاع فاتورة البترول، ضعف إجراءات السياسات الإقتصادية، سوء تدبير الشأن العام.. و شكل التطور غير الملائم لشروط الدين عاملا ساعد هو الآخر على تضخم مديونية المغرب. فقد انتقل معدل الفائدة من صفر تقريبا بالنسبة لبعض المساعدات ثنائية الأطراف إلى18% بالنسبة للقروض المتعددة الأطراف الممنوحة من قبل المؤسسات المالية الدولية. وهكذا صارت وضعية المديونية جد حرجة خلال سنوات الثمانينات والتسعينات. فقد انتقل الدين العمومي الخارجي من 750 مليون دولار سنة 1970 إلى 17.24 مليار سنة 1986 ، أي بزيادة بلغت 2300 % في ظرف 17 سنة. وفي سنة 1987 سيصل الدين الخارجي إلى 18 مليار دولار جاعلا المغرب أحد البلدان الأكثر مديونية في العالم. وانتقلت خدمة الدين من 1.6 مليار دولار سنة 1987 إلى 3 مليار دولار في 1990 . وبلغ احتياطي الدين بهذا التاريخ عتبة 25 مليار دولار. وأمام فشل المفاوضات ( غير المعلن) مع نادي لندن في نهاية 1989 بصدد تطبيق مخطط برادي بالمغرب، وبسبب صعوبات تمويل الإقتصاد، خصوصا خزينة الدولة، أصبح اللجوء إلى المديونية الخارجية ملحا أكثر فأكثر. وهكذا دخل المغرب الحلقة المفرغة للمديونية. لتطبق عليه ابتداءا من 1983 برامج التقويم الهيكلي والتي تمثلت في تقليص دور الدولة عن طريق خوصصة المؤسسات العمومية، والحد من تدخل الدولة في الإقتصاد، وخفض قيمة الدرهم، مما أدى إلى انهيار القدرة الشرائية، وارتفاع الديون الخارجية وخفض المصاريف العمومية (سياسة التقشف) من أجل تحقيق توازن في ميزانية الدولة على حساب القطاعات الإجتماعية ( تعليم، صحة، سكن، بنيات تحتية..)، ناهيك عن تجميد الأجور، وتسريح الموظفين، وتحرير الرساميل والتنازل عن مراقبة حركة رؤوس الأموال، وتحرير الصرف والأثمان، والتخلي عن مراقبة الصرف وتطبيق حقيقة الأثمان، وفتح الأسواق، وإلغاء الحواجز الجمركية، وخوصصة جميع المرافق العمومية، وتراجع الدولة عن التزاماتها، وسياسة الجبايات وما نتج عنها من تفاوتات اجتماعية . وفي سنة 1996 شرع المغرب في تطبيق سياسة التدبير النشيط للديون فيما يخص الديون العمومية الخارجية، وتهدف هذه السياسة من جهة إلى تحويل الدين إلى استثمار مع نادي باريس، تهم جزء من الدين ومشاريع متفق عليها، وذلك بتمويل مشاريع خاصة بشروط تفضيلية وهو ما ينتج عنه سيطرة الرأسمال على قطاعات استراتيجية، و من جهة أخرى إعادة تمويل الدين عبر تسديد الديون ذات سعر فائدة مرتفع قبل أن يحين أجل سدادها، واستبدالها بديون جديدة بسعر فائدة أقل، وكذا إعادة التفاوض بشأن القروض الموقعة مع بعض الدائنين، بهدف تقليص نسبة الفائدة الأصلية إلى مستويات تتلائم مع نسب الفائدة المعمول بها على الصعيد الدولي. وأخيرا عبر ميكانيزم تحسين بنية الدين العمومي من العملة الصعبة، خاصة تلك التي تم اقتراضها بالدولار الأمريكي والين الياباني لجَعْلها تتلائم مع السلة المرجعية للدرهم. وفي سنة 2010 اقترض المغرب1 مليار أورو من السوق المالي العالمي، بهدف تمويل جزء من عجز الميزانية، وذلك في إطار استراتيجية جديدة لتمويل الخزينة، تعتمد على الرجوع إلى التمويل الخارجي ببيع سندات الخزينة في السوق المالي الدولي، بدل الإقتصار على بيعها داخليا. هذه الإستراتيجية إن دلت على شيء فإنما تدل على فشل سياسة تحويل الديون الخارجية إلى ديون داخلية التي اعتمدها المغرب منذ بداية التسعينات. وفي إطار مواصلة سياسة التدبير النشيط وتطبيقها على الدين الداخلي لجأ المغرب في 2011 إلى تقنية تبادل سندات الخزينة في السوق الداخلية بمبلغ وصل 800 مليون درهم. وقد سدد المغرب بين 1983 و 2011 إلى الخارج ما يفوق 115 مليار دولار، أي ما يعادل 8 مرات دينه الأصلي، فخدمة الدين( فوائد+ حصة الدين الأصلي) تمتص سنويا حوالي 94 مليار درهم كمعدل لثماني سنوات الأخيرة. إن ارتفاع تكاليف الديْن وعودة المغرب للمديونية الخارجية، هو بمثابة إقرار بفشل خيار تحويل الديون العمومية إلى ديون عمومية داخلية، الأمر الذي يؤكد أن المغرب لازال يقبع في الحلقة المفرغة للمديونية، باعتبار أن كل الخيارات بما فيها المملاة من قبل المؤسسات المالية الدولية، وخاصة الوصفات الجاهزة المقدمة في إطار برامج التقويم الهيكلي، لم تكن ناجعة بل زادت الوضع تعقيدا، وأدت إلى تركيز الرأسمال الأجنبي بالمغرب، عبر سيطرته على كل القطاعات الحيوية للإقتصاد الوطني، ولا بديل إذن من الخروج من هذا النفق والحلقة المفرغة حسب أطاك المغرب، غير تعليق سداد خدمات الديْن وإجراء تدقيق نزيه وشامل لمجموع الدين العمومي المغربي( الخارجي والداخلي ) من طرف لجنة مستقلة بمشاركة خبراء دوليين وإلغاء الديون العمومية غير الشرعية والكريهة. فعلى عكس ما يدعيه الفكر الإقتصادي السائد الذي يزعم أن الدين الخارجي هو نصير التنمية في بلدان العالم الثالث، يبرز تحليل مديونية المغرب، أن الحقيقة عكس ذلك تماما، حيث يمثل تسديد خدمة الدين اليوم، أحد أهم العراقيل التي تقف في طريق تنمية البلاد، فقد وصلت مديونية المغرب إلى مستويات قياسية، ذلك أنها تمثل 58 في المائة من ناتج البلاد الداخلي، وقد خص قانون المالية لسنة 2012 خدمة الدين ب 14.75% من الميزانية العامة، مقابل % 14.58 لوزارة التربية الوطنية و % 9.73 لسبع قطاعات اجتماعية، الشيء الذي يفسر وبجلاء مراتب المغرب المتأخرة في سلم التنمية البشرية العالمي. مصادر المقال: 1- لنجر تحقيقا في المديونية_ منشورات مجلة possible 2- الميزانية العامة للدولة وثقل المديونية_ ميمون الرحماني _ مجلة possible_ العدد الخامس_ يونيو 2012 3- قانون المالية لسنة 2012 4- تقرير مديرية الخزينة 2012