عاشت المملكة، أول أمس الأحد، على وقع تظاهرات احتجاجية سلمية عارمة، شهدتها مختلف المدن والأقاليم، ضد التهاب الأسعار وغلاء المعيشة. وتزامنت هذه الوقفات الاحتجاجية التي دعت إليها الجبهة الاجتماعية المغربية بمعية مجموعة من الهيئات السياسية والمدنية، مع إحياء ذكرى تأسيس حركة 20 فبراير التي قادتها حركة شبابية إبان ما سمي ب"الربيع العربي" الذي اجتاح عددا من بلدان المعمور قبل 11 سنة. وعرفت الوقفة الاحتجاجية المنظمة بساحة محمد الخامس، المعروفة شعبيا باسم" ساحة الحمام" وسط مدينة الدارالبيضاء، مشاركة جموع غفيرة من المحتجين غصت بهم هذه الساحة العمومية قرب مقر الولاية، وإنزالا أمنيا مكثفا لجميع الأجهزة الشرطية. واستنكر المتظاهرون وعددهم بالمئات، الغلاء الفاحش الذي طال أسعار المحروقات بل وشمل حتى أسعار المواد الأكثر استهلاكا من قبل الفئات الاجتماعية التي ترزح أصلا تحت خط الفقر، مثل الزيت والدقيق، كما ردد المحتجون شعارات من قبيل "لا لغلاء الأسعار" و "لا صحة لا تعليم.. هذا مغرب الله كريم" و"صامدون صامدون.. للجواز رافضون". وحمل بعض المتظاهرين خلال هذه الوقفة، لافتات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية حركات اجتماعية، وتعبر عن رفض التوجه الحكومي لفرض الإدلاء بجواز التلقيح للدخول لمقرات العمل، ومناهضة التطبيع، فيما طالبت لافتات أخرى بالبنط العريض، برحيل رئيس الحكومة "أخنوش إرحل". وشهدت مدينة الرباط وقفة احتجاجية مماثلة شارك فيها العشرات من المتظاهرين السلميين، نددوا أمام البرلمان، بغلاء المعيشة والتهميش. ورفعت خلال هذه التظاهرة أيضا بعض شعارات "حركة 20 فبراير" مثل "إسقاط الاستبداد والفساد" و"حرية كرامة عدالة اجتماعية" و"علاش جينا واحتجينا.. المعيشة غالية علينا". هذا، فيما تناقل عدد من وسائط التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لمظاهرات احتجاجية سلمية في عدة مدن أخرى منها فاس ومراكش وطنجة وقلعة السراغنة. وأظهرت الفيديوهات عشرات المتظاهرين بساحات عمومية يشاركون في وقفات احتجاجية دعت إليها الجبهة الاجتماعية المغربية، وهم يعبرون عن جام غضبهم من الارتفاع المطرد الذي عرفته أسعار الحبوب والزيوت ومواد أخرى إضافة إلى أسعار المحروقات، مستنكرين في الوقت نفسه انكماش سوق العمل وانعدام فرص الشغل وتأثير ذلك على ملايين الأسر، خصوصا منها المعوزة التي تضررت كثيرا من رفع الدعم عن أسعار المحروقات، خصوصا وأن نظام المساعدات المالية المباشرة لهذه الفئة، والذي ترافق ورفع الدعم عن الكازوال، لم يتم اعتماده حتى اليوم. ويطالب المحتجون الحكومة بتحمل مسؤوليتها في الحفاظ على القدرة الشرائية للأسر، عبر تسقيف أسعار المحروقات، والتجاوب مع مطالب المواطنين. هذا، وفي تصريح إعلامي قال الطيب مضماض منسق "الجبهة الاجتماعية" إن "مطالب 20 فبراير التي عبر عنها الشعب المغربي في 2011 ما زالت قائمة، القضاء على الاستبداد والفساد، والمساواة والعدالة والحرية الاجتماعية". وأضاف مضماض أن الجبهة تطالب "بالتوزيع العادل للثروات المنهوبة سواء من طرف المافيات المحلية أو الشركات المتعددة الجنسيات". وأجمع عدد من المشاركين في الوقفة الاحتجاجية بمدينة الدارالبيضاء، في تصريحات لبيان اليوم، على أن الوضع الاجتماعي القائم، غائب تماما عن تفكير الحكومة التي لا يهمها في الوقت الحالي سوى فرض "جواز التلقيح" رغم المعارضة القوية التي يلقاه هذا التوجه، مؤكدين، أن الوقفة هي بداية لمسلسل نضالي جديد، وانتقدوا الزيادات في أسعار المواد الأساسية بأكثر بخمسين في المائة، ووصفوا هذه الزيادات بغير المسبوقة، مما يعد ضربا للقدرة الشرائية الضعيفة لأغلب المواطنين، وتعميقا لمأساة العديد من الأسر في غياب الدعم الاجتماعي. فيما انتقد متظاهرون آخرون، الأوضاع السياسية القائمة بقولهم إن الدولة تقمع حريات الرأي والتعبير من خلال المحاكمات التي وصفوها بالسياسية. وفي الوقت الذي تعمق التداعيات الاقتصادية للجائحة الفوارق الاجتماعية التي تعد معضلة أساسية في المملكة، تواجه حكومة عزيز أخنوش غضبا اجتماعيا عارما بسبب ارتفاع الأسعار، إضافة إلى المخاوف من تفاقم الأوضاع في ظل شح الأمطار مما يهدد بمردود ضعيف للقطاع الفلاحي. سعيد ايت اومزيد