التغيير هو أصل الحياة وسر استمرارها، وهو عكس الثبات. فلولا التغيير لما تعاقبت الأجيال وتتابعت الأحداث وظهرت حضارات واختفت حضارات وتنافست الأمم على السيادة والريادة والبقاء. ولما أحس الناس بمعنى لوجودهم نتيجة فقدهم أعظم سنن الكون الكامنة في التنوع والاختلاف بين الألوان والأشكال والأجناس واللغات واللهجات والأديان والطبقات. إن التغيير مطلب اجتماعي وضروري. يسعى إليه الأفراد والمجتمعات والأمم من أجل بلوغ أعظم مراتب التطور والإصلاح لكون التغيير ممهد لهما وسبيلا الى بلوغها. لكن من أين يبدأ التغيير؟ وكيف يتحقق؟ ومتى ينجح؟ إن الانسان قادر على النجاح والتفوق بذاته لا بالآخر. فإذا سعى للتغيير، فيجب أن يبدأ بذاته لا من الآخر، ويحرص على تحقيقه من أعماق ذاته قبل أن يفتش عنه لدى الآخر، لأن قوة الانسان الحقيقية كامنة في داخله أولا ومنها تكون آراؤه وقناعاته وأفكاره وتوجهاته التي ينبغي أن يؤمن بها ويدافع عنها. فليس من المعقول أن يلوذ الإنسان إلى الكسل ويحث الآخرين على الاجتهاد والعمل، أو أن يعتقد في الغش والتدليس طرقا نموذجية ناجحة لبلوغ الثراء، ثم يدعو الناس الى الأمانة والشرف والنزاهة. فالفيلسوف تولستوي أحد أعمدة الأدب الروسي في القرن 19 يقول: " الجميع يفكر في تغيير العالم، لكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه من الداخل" وأكد الزعيم الهندي غاندي نفس الفكرة بقوله:" كن أنت التغيير الذي تحب ان تراه في العالم". إن الصدق مع النفس بوابة الى فهمها وفهم النفس، سيسمح بتغييرها وكذلك بتغيير نفوس الآخرين لأن التغيير لا يأتي من الخارج أبدا. وواهم من يتصوره كذلك بل محرض على نشر ثقافة الاتكالية والخنوع والخضوع والرضا بالحاصل. إن التغيير الحقيقي يأتي من داخل الإنسان ومن قدرته على إدارة نفسه وسلوكه وقيمه ومبادئه وطموحاته. إن التغيير عندما يأتي من داخل الإنسان، يستطيع أن يغير ما حوله ويؤثر فيه تأثيرا عظيما. أما إذا أصر على انتظار التغيير من الخارج، فسيبقى طويلا في محطة الانتظار وسيظل يتقهقر حتى يتلاشى أمام نفسه ويضيع في عيون الآخرين. خليل البخاري