المرشح المثير للجدل للرئاسيات الفرنسية القادمة، إريك زمور، يمثل اليوم تجليا فاضحا للشعبوية الفجة التي تلف الساحة السياسية الفرنسية، والتي تقدم وجها آخر لفرنسا يجعلها غريبة عن نفسها. ويجعل الشخصية التلفزيونية المعروفة كما لو أنه أحد قادة الجماعات الدينية المتطرفة عندنا… هما وجهان لعملة واحدة اليوم بلا أي فروق في الشكل وفي الجوهر وفِي الأفق. لقد فرضت جائحة» كوفيد 19» العديد من القطائع والتغييرات في العالم كله، شملت أيضا السياسة، لكن في فرنسا يسعى زمور لقلب المعادلة، وترك بلاده استثناء لتعانق أفكار القرون الوسطى. زمور، الصحفي والكاتب المعروف منذ سنوات، لم يقدم للفرنسيين تصورات محكمة ورصينة عن واقعهم اليومي، ولم يتحدث عن أزمة الحوار الاجتماعي في فرنسا أو القدرة الشرائية للفرنسيين، ولم يتكلم عن البيئة والطاقة والناتو والاتحاد الأوروبي، ولكنه لخص كامل برنامجه الانتخابي في كراهية المهاجرين، خصوصا العرب والمسلمين، ورفض اللاجئين، ومعاداة النساء، والتحذير من المخاطر على»الهوية»، داعيا إلى»استرداد» فرنسا، والسعي لإنقاذها. لا يقول إريك زمور سوى هذا، ولا يفرط أيضا في لغة ومعجم يطفحان غالبا بالوقاحة… ليس الأمر اليوم مواجهة مع زمور بشأن الهويات أو إبراز لرد فعل العرب والمسلمين، ولكن الأمر أكبر من ذلك، وهو يتعلق بتمسكه وحنينه للماضي الاستعماري وأزمنة الفاشية والنازية… كل الشكليات والجزئيات والتفاصيل يهتم بها المرشح الظاهرة ليبرز ويؤكد شعبويته وماضويته، ولقد رفع شعارا منسوبا إلى نابليون (المستحيل ليس فرنسيا)، وفِي أحد تجمعاته استعمل ميكروفونا يذكر بالماضي الذي يبشر بالعودة إليه، وحتى عبارة (استرداد فرنسا) مستوحاة من أدبيات يمينية سابقة، ويزيد عن كل هذا كونه صاحب خبرة إعلامية وألف منصات التلفزيون، ويمتلك مهارات اللغة والكتابة، وكل هذا استغله اليوم ليكون فعلا ظاهرة نطت فوق رأس اليمين الجمهوري واليمين المتطرف… ما يروج له إريك زمور اليوم في تجمعاته وحملاته هو نفسه ما كان دائما يكتبه في مؤلفاته، وخصوصا في: (الانتحار الفرنسي)، سنة 2014، وفي كتابه الأخير: (فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة)، سنة 2021، وبسبب الكثير من أفكاره العنصرية البليدة والبدائية، خصوصا ضد العرب والمسلمين والمهاجرين واللاجئين والنساء، تعرض للعديد من الملفات أمام القضاء وأدين مرتين بالتحريض على الكراهية والعنصرية. تدني السياسة في فرنسا، وفِي زمن الجائحة عبر العالم كله، جعل اليسار هناك منكمشا وضعيفا، واليمين الجمهوري مرتبكا وحائرا، وأفضى كل ذلك إلى تلخيص النقاش العمومي في قضايا الهجرة والأمن الداخلي، وهو ما نجح إريك زمور في استغلاله جيدا، ليجر الساحة السياسية نحو تصوراته الفجة… ليس العرب والمسلمون والمهاجرون وحدهم اليوم من يرفضون وقاحة إريك زمور وعنصريته البدائية، ولكن فئات فرنسية عديدة بدورها تعارض أفكاره، وقد خرجت إلى الشارع للاحتجاج والتنديد بخطابه، ويسجل الفرنسيون أن زمور لا يعرض أي جواب بشأن مشاكلهم الحقيقية ذات الصلة بواقعهم الاجتماعي وأوضاعهم الاقتصادية، ولا يتحدث عن مشكلات البيئة والطاقة والأسعار، وعن أوروبا ودور فرنسا، ولكنه، في المقابل، يهدد التنوع الفرنسي، ويعادي حقوق النساء، وبالتالي يهدد فرنسا فكر الأنوار، ويستهدف الحريات… الديموقراطيون في العالم، وكل الغيورين على فرنسا الحريات يتطلعون إلى وقوف الشعب الفرنسي ونخبه المتنورة ضد تمدد العنصرية البدائية التي يمثلها اليوم إريك زمور، ويثقون في أن فرنسا لن تسمح بجرها نحو القرون الوسطى والماضي الاستعماري، وإنما ستصر على انتصارها للمستقبل. محتات الرقاص