أثار نص في مقرر مادة الاجتماعيات للمستوى الخامس ابتدائي جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي بين معارض ومؤيد، يتعلق الأمر بمقطع من نص مأخوذ من تقرير نشره أحد المواقع الإلكترونية حول تزويج القاصرات؛ ويسرد قصة طفلة اسمها عائشة، قدمت على أنها إحدى ضحايا تزويج القاصرات. وجاء في المقطع: "انتزعت عائشة من بين لعبها وسلمت إلى رجل ينتمي لقبيلة والدها،.. لم تلتق به إلا أمام القاضي الذي أبرم عقد زواجهما، وافق علال بأن يزوج طفلته لصديقه رغم أنها تصغره سنا ب 28 عاما، إذ يقول إن عادات قبيلته.. لا ترى البنت إلا في بيت زوجها كيفما كان سنها". اعتبر كثير من المعارضين أن توظيف إسم "عائشة" في هذه الواقعة، وسياق تزويجها داخل القبيلة، إسقاطا مقصودا لقصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة "عائشة"، ومنهم من اعتبر الموضوع تجنيا على الدين، واستهدافا واضحا لبيت النبوة بأسلوب الغرض منه ترسيخ أفكار مسمومة، بل بلغ الأمر ببعضهم أن قارن بين ما وقع والرسوم المسيئة التي نشرتها جريدة شارلي إبدو الفرنسية. نقاش الموضوع وتداعياته بلغت لخارج المغرب، إياد قنيبي الداعية الجهادي والذي كان مؤيدا لداعش، خرج بمنشور يعتبر فيه ما وقع كفرا وردة عن الدين، ويحث فيه المغاربة على التحرك ضد الجهات المسؤولة بالمغرب، نصرة للدين بزعمه، شيوخ مغاربة شاركوا منشور قنيبي تأييدا له وتحميسا لمتابعيهم، مما أثار جدلا ونقاشا ساخنا على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. صراحة استغربت لمثل كل هذه الضجة حول هذا النص، والذي أرى شخصيا أنه مصاغ بعمق وإتقان، وأن المثال تم اختياره بدقة بالغة، بل زاد استغرابي حين وجدت أن النص يحكي قصة واقعية بنفس الأسماء، وأن البنت تحمل اسم عائشة وأنها من منطقة دكالة المعروفة، علما أن النص مقتبس من موقع الجزيرة نت، فهل قناة الجزيرة المعروفة بعلاقاتها الوثيقة مع حركات الإسلام السياسي، هي أيضا جزء من المؤامرة على الإسلام والمسلمين، بأي منطق يفكر هؤلاء الناس، لا يتوقفون عن البكائيات، واعتبار كل ما يقع بالكون مؤامرة عليهم، وكأنهم قوة عظمى يهابها العالم ويخافها، في الوقت الذي لا تجد فيه رواجا لهذه النظريات إلا في الدول المتخلفة والضعيفة. ثم لنتحدث بشيء من الجرأة والواقعية، رواية زواج النبي محمد بعائشة وهي في سن التاسعة، هل اخترعها المتآمرون على الإسلام، أليست هذه الرواية بكتابي البخاري ومسلم، واللذين يعتبرهما كثير من المسلمين كتبا مقدسة، وما بهما من نصوص قطعيات غير قابلة للنقاش أو الطعن؟ إذن كان الأولى مناقشة الرواية الموجودة في هذه الكتب، وربطها بمنظومة القيم التي كانت سائدة في ذلك الوقت، والسياق الاجتماعي الذي أنتجها، أو حتى تكذيب الرواية والطعن في صحتها، بدل التشبث بهذه النصوص التراثية، وفي نفس الوقت الإنكار على من يمثل بها. لكن المشكل أكبر من كل هذا النقاش، المشكلة أن غالب هؤلاء المستنكرين ممن أقاموا هذه الضجة، ليس لهم أي مانع من تزويج القاصرات، الفقه الإسلامي بكل مذاهبه واتجاهاته لا يمنع تزويج القاصرات، بل يبيح ذلك ويستدل له شرعا ببعض النصوص القرآنية وبمثل هذه الرواية، يصيبني القرف أحيانا وأنا أقرأ ما دونه الفقه الإسلامي حول زواج الصغيرات، لم يختلف الفقهاء في إباحة الزواج بالطفلة الصغيرة مهما كان سنها أو عمرها، بل حتى ولو كان عمرها يوما واحدا، وأنه لا يدخل بها الرجل إلا إذا كانت تستطيع المعاشرة الجنسية، أما مقدمات العملية الجنسية فلم يختلفوا أيضا في أن ذلك مباح ومشروع مهما كان سنها ومهما كانت بنيتها. مشكلة الفقه الإسلامي التقليدي أنه لم يكن يرى في المرأة صغيرة كانت أم كبيرة إلا أداة للمتعة الجنسية، ووسيلة لإرضاء رغباته وتحقيق شهوته، أما المرأة كانت صغيرة أو كبيرة، بالغة أو طفلة رضيعة، راضية أو مكرهة، مستعدة أم غير مستعدة، كل ذلك ليس بمهم أمام إشباع الغريزة الحيوانية للرجل، باعتباره محور الكون وأساس الحياة. قد لا يعنيني كثيرا ما جاء في هذا الفقه باعتباره نتيجة لواقع اجتماعي وتاريخي معين، ولكن المصيبة العظمى أنه لا زال يؤطر المجتمع، بل يؤطر حتى القانون نفسه، فرغم أن مدونة الأسرة حددت سن الزواج في 18 سنة، لكنها أباحت للقاضي السماح لمن هي أقل من ذلك بالزواج إذا رأى صلاحيتها للزواج، وهي الفجوة التي استغلها هؤلاء القضاة المتأثرون بهذا الفقه لتزويج آلاف الفتيات حسب الإحصاءات الرسمية، أكثر من 80 في المائة من طلبات الاستثناء تم قبولها، ما يعني أننا أمام مشكل ثقافي واجتماعي وديني. بدل النقاش حول نص مدرسي، كان أولى بنا الغضب على هذا الواقع الذي ينتهك حقوق هؤلاء الصغيرات ويغتال طفولتهن، كان أولى بنا الدعوة إلى القطع مع كل هذا الفقه بشكل نهائي، ودعوة المرجعيات الفقهية الإسلامية الكبرى لإنهائه، واعتباره مرتبطا بمرحلة زمنية لا تعنينا ولسنا ملزمين بها، كان أولى بنا الدعوة لتغيير مفهوم البلوغ من المعنى التقليدي إلى المعنى القانوني، رعاية للطفل واحتراما لحقوقه التي تطورت بتطور الزمان والعلم والحضارة، كان أولى بنا الدعوة لإلغاء الاستثناء الوارد في مدونة الأسرة وعدم السماح لمن هي أقل من السن القانوني مهما كانت الأسباب والدواعي، بل من المهم أن نناقش حتى إن كان سن 18 صالحا اليوم للزواج وتحمل مسؤولياته وتكاليفه المعنوية والمادية، كان أولى بنا فتح النقاش عن الطفلة القروية، وكيفية حمايتها وتعليمها ورفع مستوى عيشها، حتى لا يضطر والداها لبيعها لأول طارق على الباب، بل ولم لا الدعوة إلى سن قوانين رادعة لكل والد زوج ابنته وهي ما تزال في سن التمدرس، ولكل قاض خرق هذا القانون واغتال حقوق أي طفلة صغيرة، هذا ما يجب مناقشته برأيي، وليس نصا مدرسيا يريد البعض أن يحوله إلى رسوم شارلي إيبدو لأهداف أيديولوجية.