مهرجان كناوة وموسيقى العالم يودع عشاقه ويشد الرحال صوب دورة أخرى وضع المهرجان الدولي لكناوة وموسيقى العالم يوم أمس أوزاره مختتما فعاليات دورته الرابعة عشر التي توالت على مدى أربعة أيام بلياليها منذ الثالث والعشرين من يونيو الجاري، كانت مليئة بالعديد من الأنشطة الثقافية والعروض الموسيقية الراقية، التي تحتفي بالتراث الكناوي في علاقته بموسيقى العالم،عشرات الحفلات الموسيقية، لقاءات فنية بديعة، وحفلات مزج موسيقي خلاق، مواعيد، حوارات وليلات كناوية، حضور بالآلاف أمام منصات تتوزع في أنحاء المدينة كل ليلة تقدم عروضا ملونة للجميع دون استثناء أو إقصاء، موسيقى من كل الآفاق ولجميع الأذواق. فنانون بالعشرات قدموا من الجوار الإفريقي وآخرون من وراء البحار شدهم جميعا مشهد المدينة البحري وعطر التاريخ داخل أسوارها العتيقة، واستلهموا من جمال المدينة وبهائها عروضهم الموسيقية. وبما انه من المألوف أن تخبئ كل دورة إضافات ومفاجآت وأن تكون وفية لعنوان الشعار الذي تلتئم حوله، يمكن اعتبار هذه الأخيرة دورة افريقية خالصة كما يدل على ذلك عنوان «العودة إلى الجذور» عبر مشاركة افريقية من النوع الوازن، يتقدمها المغني العالمي ساليف كايتا اما عن المشاركة الكناوية المغربية فكانت جد متألقة من خلال حضور جيل جديد من الشباب وتجدر الإشارة أيضا إلى أنه صار للنساء موقع قدم على باب هذا التراث من خلال مجموعة بنات كناوية التي تخوض لأول مرة غمار المهرجان قادمة من مدينة مكناس. فقد شهد مساء الجمعة الماضي ببرج باب مراكش تقديم عرض فريد أمتعت خلاله الفرقة الكناوية النسائية، التي يرافقها المعلم عبد النبي المكناسي، جمهور مهرجان الصويرة كناوة وموسيقى العالم، بأدائها لمختارات غنائية مستوحاة من الريبرتوار الكناوي المتميز بقوة الإيقاعات، وعمق الكلمات المعبرة عن المعاناة والزهد وبساطة العيش. يعزف المعلم عبد النبي المكناسي، المنحدر من مدينة مكناس، على آلة الكنبري بمهنية عالية، وقد نجح في المزج بين الأغاني التقليدية وأساليب الموسيقى الكناوية العصرية. ويشرف هذا المعلم على إدارة ومواكبة فرقة بنات كناوة، التي استطاعت أن تفرض نفسها في عالم كناوة، الذي كان حكرا على الذكور، والتي تتشبث بالوفاء لتقاليد الفن الكناوي العريق المتمثلة في الرقص والغناء الكناويين. وبساحة الشاطئ (ميديتيل)، كان جمهور المهرجان على موعد مع عرض موسيقي أبهر الحاضرين الذين صفقوا طويلا لبراعة الفرقة الشابة (لا هالا كينغ زو) التي تضم راقصين للبريك دانس. ففي مزج فني جمع بين أصالة التراث الكناوي والرقص المعاصر، تألق المعلم الصويري عمر حياة وعدد من الموسيقيين الكناويين إلى جانب أعضاء هذه الفرقة التي تأسست في 2002، ولفتت الأنظار من خلال تتويج عالمي في مجال البريك دانس. أما ساحة مولاي الحسن، فقد مكنت جمهورها من اللقاء بفرقة دجاز راسين هايتي (الولاياتالمتحدة وهايتي)، والتي برعت في الأداء المشترك مع المعلم حسن بوسو، وذلك في إطار برنامج الإقامات الفنية التي يحتضنها المهرجان، لتحقيق اللقاء بين حضارات مختلفة تجمعها روابط الموسيقى. كما كان لعشاق الفن الكناوي على امتداد أيام المهرجان لقاء مع عدد من السهرات الموسيقية المعروفة بالليلات، والتي تحتضنها عادة كل من (دار الصويري) و(زاوية سيدنا بلال)، وتشهد أجواء روحانية تنتقل بالجمهور إلى عالم الفن الكناوي الأصيل. برمجة راقية تليق بسمعة المهرجان التي راكمها خلال سنوات 13 سنة، عرفتها الدورة التي استقبلت أكثر من «مْعَلَّمْ»، مثل عبد الكبير سلوم كبيبر الذي افتتح المهرجان مع المالي بابا سيسوكو كما شارك أيضاً حميد القصري، مع تقديم حفلة مزج بينه وبين فرقة Between worlds كما استضاف المهرجان هذه السنة، أصواتاً موسيقية مختلفة كفرقة «جاز-راسين هايتي» والمغني المالي الشهير ساليف كيتا كما سلفت الإشارة إلى ذلك، وقد شملت حفلات المزج الموسيقي أيضاً الفرق المغربية الشابة، وخصوصاً مجموعة «ضركة» التي قدمت عرضا خاصا بمنصة الشاطئ وعرضا آخر في لقاء مزج إلى جانب المعلم عبد الكبير مرشان، هذه المجموعة الشابة التي ما فتئت تتألق حفلا بعد آخر. من جهة أخرى قدم كبير طائفة كناوة المعلم محمود غينيا،عرضا كبيرا بمنصة الشاطئ ليلة السبت امتدت إلى صبيحة الأحد. يبقى أن نشير إلى أن مهرجان كناوة الصويرة، ليس مهرجان الاحتفاء بالموسيقى فقط، بل هو عبارة عن مهرجان للعديد من التعبيرات الثقافية التي تنسجم وتتكامل مع مضمونه، وكما جرت العادة بذلك، فتحت زوايا مدينة الصويرة التابعة للطائفة الكناوية أبوابها ك (زاوية سيدنا بلال)، طيلة أيام المهرجان، أمام حفلات الحضرة الكناوية التي تستعيد طقوسا ارتبطت بالفكر الديني الخرافي، ويقدّمها المهرجان للتعريف بتقاليد هذا الفن العريق بمبادئه وأصوله، من حيث أن موسيقى كناوة ليست مجرد موسيقى عادية، فهي طقوس مُحملة بثقل الأساطير والمعتقدات ومشحونة بالإرث الحضاري خاصة الأفريقي، إلى جانب بعض الموروثات الأمازيغية. وتعتمد فرق «كناوة» في موسيقاها على الاعتقاد بتخليص الأرواح من الشر ومخاطبة ملوك الجن انطلاقا من لون الثوب ولون الإيقاع الذي يعتمد على آلات خاصة مثل «الكَنبري» أو «السنتير» و(الطبل)، ثم «القراقب». أما عن باقي الأنشطة التي ميزت الدورة الرابعة عشر، أقيم معرض بالرواق الفني «عطيل» يحمل عنوان «آزور»، عرف عرض حوالي 20 من الأعمال الفنية التي أنجزها الفنان التشكيلي ورجل الجمارك محمد تهدايني، الذي يدعو الجمهور للسفر إلى عالم الجمارك من خلال لوحات تسلط الضوء على مختلف أبعاد هذه المهنة، كما تميز بعرض مخطوطات تمزج بين الخط واللون للمرة الأولى للتعبير عن عالم ملؤه الأحاسيس. كما أقيم برواق برج (باب مراكش)، معرض جماعي للصور الفوتوغرافية، تحت عنوان «نشوات»، وذلك في إطار فعاليات المهرجان. واستعرضت هذه التظاهرة الفنية 13 سنة من مهرجان كناوة، من خلال أزيد من 50 صورة تجسد كبار المعلمين على المنصة، والجيل الجديد ومواقع المهرجان، إلى جانب بعض اللحظات المعبرة المقتنصة. كما قدم المعرض لحظات قوية التقطتها عدسات كبار المصورين الذين رافقوا المهرجان منذ بداياته، كالمصور بيير إيمانويل راستوان ويوسف أمشير وألغو وسيف الدين أمين. دون الحديث عن فقرة شجرة الكلمات، يظل المهرجان ناقصا، وشجرة الكلمات هي عبارة عن لقاءات حميمية تجمع في جلسات شعبية بين الفنانين وجمهور مهرجان كناوة وتنظمها، منذ ست سنوات، الرابطة الفرنسية المغربية بالصويرة وعلى امتداد أيام الدورة الرابعة عشر، كان لعشاق الفنانين الضيوف، موعد يومي، بعد الظهيرة، لتجاذب أطراف الحديث والتحليق في سماء الإبداع تحت ظل شجرة الكلمات. ويعتبر ميكاييل فور مدير الرابطة أن هذا التقليد، هو احتفاء بعادات أصيلة تشترك فيها الحضارة الأنغلوساكونية والإفريقية، وتتمثل في استقبال ضيوف من كل الأجناس والأعمار بعد الظهيرة، واللقاء لتجاذب أطراف الحديث المتشعبة مع فناني المهرجان، لتبادل النقاش حول أصول استلهام الإبداع والفن، التي تكتسي أبعادا رمزية إنسانية وروحانية وميتافيزيقية. هذا، وعلى إيقاعات سنتير المعلم محمود غينيا والى جانبه كبار معلمي هذا الفن التراثي ودع المهرجان أصدقاءه على أمل اللقاء مرة أخرى والمهرجان اكبر من السابق ومدينة الصويرة أجمل وأكمل، لأن موكادور مدينة الرياح والنوارس بمقدار طيبة أهلها وبمقدار حجمها التاريخي والحضاري وموقعها الاستراتيجي وجمالها الأخاذ تستحق أكثر، فهي كانت دائما محطة أساسية للتبادل بين مختلف الأعراق،ما منح هويتها الأمازيغية المنفتحة على إفريقيا خصائص جديدة على رأسها القدرة الكبيرة على محاورة مختلف الثقافات.