كانت ثمة شقة؛ شقة أولى. كانت ثمة عمارة؛ عمارة أولى. كان ثمة سرير؛ سرير أول. وكان ثمة رجل؛ رجل أول. الشقة كانت في العمارة. وفي السرير كان ثمة رجل. رجل حقيقي، يحلم. ستكون ثمة شقة؛ شقة ثانية. ستكون ثمة عمارة؛ عمارة ثانية. سيكون ثمة سرير؛ سرير ثان. وسيكون ثمة رجل؛ رجل ثان. الشقة ستكون في العمارة. وفي السرير سيكون ثمة رجل. رجل متوهم، يحلم. إذا ما افترضنا إنه حدث تطابق كامل بفعل ما يمكن أن نطلق عليها اعتباطاً مسمى «الجاذبيات المتوازنة»، بين الزمن الفائت وزمن سوف نختلقه، بين المكان القائم ومكان سوف نختلقه، وبين الشخص الحاضر وشخص سوف نختلقه، فإن الشقة الأولى تصبح عندئذ موازية للثانية، وبالمنطق الخالص للبداهة، فإن العمارة الثانية تصبح مقابلة للأولى. وإذا ما شئنا التوغل قليلاً في كيد الرمال المتحركة للافتراض، فإن الرجلين معاً، الآن، يرقدان في سريرين مختلفين، لكنهما بالمقابل يعاقران حياتين متجاورتين في نفس الحلم. تقريباً في نفس الحلم، لكن بتزامن متباعد، إذا ما وددنا توخِّي الدِّقة المطلقة. الأول أو الثاني لايعرفان بعضهما. الرجلان لا يجب أن يعرفا بعضهما. الأول أو الثاني لايعرفان أنهما يقطنان في نفس الشقة الموازية. الرجلان لا يجب أن يعرفا أنهما يقطنان في نفس الشقة الموازية. الأول أو الثاني لايعرفان أنهما يسكنان في نفس العمارة المقابلة. الرجلان لا يجب أن يعرفا أنهما يسكنان في نفس العمارة المقابلة. الأول أو الثاني لايعرفان أنهما يحملان عبء نفس الحلم. الرجلان لا يجب أن يعرفا أنهما يحملان عبء نفس الحلم. الأول أو الثاني. الثاني أو الأول. الرجلان. كلاهما. كلاهما معاً يجب أن يكونا مثل شخص واحد. تماماً مثل ذلك الشخص الواحد الذي يظهر له وجهان كلما انتصب أمام المرآة كما في إحدى لوحات «أدوارد هوبر»، أو بالأحرى مثل صالتين سينمائيتين تجهلان أنهما تعرضان نفس الفيلم في التوقيت ذاته، لكن في مكانين متباعدين تماماً. الرجل الأول لايعرف مطلقاً. لن يعرف مطلقاً أن له القدرة على استيقاف العديد من الأحلام، التي كان يرسلها اللاوعي إلى امرئ آخر. لايعرف مطلقاً. لن يعرف مطلقاً أن بإمكانه في لحظة ما، غير محددة بالضبط، أن يصبح جزءاً من أحلام الثاني. والرجل الثاني لايعرف مطلقاً. لن يعرف مطلقاً أن له القدرة على استيقاف العديد من الأحلام، التي كان يرسلها اللاوعي إلى امرئ آخر. لايعرف مطلقاً. لن يعرف مطلقاً أن بإمكانه في لحظة ما، غير محددة بالضبط، أن يصبح جزءاً من أحلام الأول. فعلى سبيل المثال: إذا كان الرجل الأول قيد الحلم، قيد الجمود، قيد سكة الحديد، قيد نفق مظلم، ثوان قليلة قبل أن يمحقه القطار. القطار يمحق الرجل الثاني الذي عوضه في المشهد. أو مثلاً: إذا كان الرجل الثاني عرضة للخلاء، عرضة لظل مباغت من خلف كتف الطريق، عرضة لطعنة سكين، في اللحظة الحاسمة قبل الطعنة. الطعنة تصيب الرجل الأول الذي عوضه في المشهد. لكن بما أن المخاتلة هي من المواهب المضمونة للرمال المتحركة للافتراض، حدث أن كان الرجل الأول في خضم حلم بموجبه كان يطل من شرفة لما دفعه أحدهم من الخلف ليسقط. وبذات الموجب كان يتوقع أن يتهشم بلا رحمة على الأرضية، غير انه وجد نفسه وفق موجب مغاير يغرق في المياه كأنما هوى في بحيرة عميقة. إذا ما انتظرتم، في هذه اللحظة بالضبط، أن يأتي الرجل الثاني، فلن يحدث هذا على الإطلاق، ان أحدهم أوقف في غفلة منا- وبذات الاعتباط - صيرورة «الجاذبيات المتوازنة»، ولم تعد ثمة من شقة، أو ثمة من عمارة، أو ثمة من سرير، أو ثمة من رجل متوهم يحلم، في هذه اللحظة بالضبط، بأنه سوف يغرق بدلاً من الرجل الأول.