اعتبرت مداخلة مستشارا حزب التقدم والاشتراكية عبد اللطيف أعمو وعدي الشجري بمجلس المستشارين، أن حصر السؤال في تدابير موسمية لمواكبة مغاربة العالم قد لا يرتقي إلى معالجة عمق الإشكاليات المرتبطة ببلورة سياسة وطنية شاملة تهم الجالية المغربية في الخارج. وشددت المداخلة التي قدمها عبداللطيف أعمو أمس الثلاثاء خلال الجلسة الشهرية المخصصة لتقديم أجوبة رئيس الحكومة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، أن المغرب في حاجة اليوم إلى التزام حكومي وتشريعي صريح يوفر دعائم وضمانات تسمح بتعبئة المكتسبات المؤسساتية والاقتصادية والإستراتيجية لبلدنا وتعزز الروابط الثقافية والأواصر العاطفية التي تربط مغاربة العالم بوطنهم الأم. وقال أعمو خلال مناقشة "محور تدابير استقبال ومواكبة الجالية المغربية في الخارج في ظل الإكراهات الناتجة عن وباء كوفيد" بمجلس المستشارين، إنه آن الأوان لتوحيد وتجويد العرض الثقافي والهوياتي الموجه لمغاربة العالم. وفي هذا الاتجاه، تظهر جدوى فكرة إحداث وكالة مغربية للعمل الثقافي بالخارج لتوحيد مجهودات مختلف الفاعلين. وفيما يلي تفاصيل المداخلة: السيدة الوزيرة، السيدات والسادة المستشارون، يشرفني أن أتناول الكلمة باسم مستشاري حزب التقدم والاشتراكية في إطار الجلسة الشهرية لتقديم "أجوبة السيد رئيس الحكومة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة" في محور "تدابير استقبال ومواكبة الجالية المغربية في الخارج في ظل الاكراهات الناتجة عن وباء كوفيد 19". إن حصر السؤال في تدابير موسمية لمواكبة مغاربة العالم قد لا يرتقي إلى معالجة عمق الإشكاليات المرتبطة ببلورة سياسة وطنية شاملة تهم الجالية المغربية في الخارج. لذلك، فإن البقاء في حدود الكشف عن التدابير المتخذة، سواء كانت ذات طابع إجرائي أو موسمي، سيبقى دون جدوى، خصوصا أمام تنامي الوعي لدى مغاربة العالم وأمام سرعة التحولات الكمية والنوعية التي يعيشونها يوميا في بلدان المهجر، وفي بلدهم الأم على حد سواء. فالحديث عن الإجراءات المصاحبة لفتح الأجواء البحرية والجوية، إيذانا باستقبال مغاربة العالم، وتوفير أحسن الظروف وأكثرها ملائمة للاستقبال، في خضم الأوضاع المترتبة عن توتر العلاقة بين المغرب وجيرانه، لا يمكن أن تبعدنا عن عمق المعالجة، فيما يخص قطاعا حيويا ومؤثرا في المسار التنموي لبلادنا، وفق مقاربة شمولية، مندمجة وتشاركية مع مختلف الشركاء والمتدخلين. بالفعل، لقد طفت إلى السطح، ظرفية الإعلان الحكومي عن فتح الأجواء، إيذانا بانطلاق عملية "مرحبا 2021″، انطلاقا من المبادرة الملكية بإعطاء تعليماته إلى السلطات المعنية، ولكافة المتدخلين، للعمل على تسهيل عودة الجالية إلى المغرب، وتوفير الظروف الملائمة لاستقبالها. ولابد أن نشير هنا إلى حمولة هذه الالتفاتة، وما تحمله من إشارات ومن رسائل موجهة إلى كل المغاربة، تستدعي قراءتها في بعدها وفلسفتها، لتذكيرهم بالروح الوطنية لمغاربة العالم، والتي يرمز إليها موقفهم في الدفاع عن البلاد ومواجهة مختلف الأطماع، وكذلك الصمود وتقديم السند في زمن الجائحة. فإذا علمنا أن عدد المغاربة المقيمين بالخارج يناهز 5 ملايين نسمة، كلها طاقات نشيطة وفاعلة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في بلدان المهجر، وهي طاقات لها جذورها في التربة المغربية المتنوعة والغنية، وتمتد أغصانها في فضاءات إنتاجها وتفاعلها بالمهجر، وتسعى إلى جلب الخير والرخاء للبلاد، حيث تؤكد المعطيات الرسمية بأن تحويلات مغاربة العالم تجاوزت في السنة الماضية سقف 7,4 مليار دولار، (أي ما يمثل 6,5% من الناتج الداخلي الخام) وسط توقعات باستمرار هذا المنحى المتصاعد خلال العام الجاري. ويشكل المغتربون المغاربة قوة اقتصادية ومالية مهمة، بالنظر إلى ارتباطهم القوي ببلدهم، حيث تشير بعض الدراسات في المجال إلى أن مغاربة العالم من أكثر الجاليات المتعلقة ببلادها على المستوى الدولي. مما يحتم استثمار هذه الفرصة الثمينة بشكل جيد وفعال. السيد رئيس الحكومة، بعيدا عن الإشكاليات الظرفية، فأوضاع مغاربة العالم تحتاج إلى معالجة حقيقية مع مقاربة شمولية بمنظور تنموي متكامل، باعتبار مغاربة العالم قاطرة تنموية ورافعة اقتصادية واجتماعية وثقافية، بعيدا عن المجاملات ذات الطابع الاستهلاكي والحملات الموسمية الزائلة. ونحن اليوم في حاجة إلى رؤية جديدة وملائمة لاحتياجات وانتظارات هذه الشريحة المهمة من الشعب المغربي. السيد رئيس الحكومة، لقد أحدثت جائحة كورونا، التي عرفها العالم، والمغرب جزء منه، تحولا عميقا برز في كل الاتجاهات وعلى كافة المستويات، فأظهر بجلاء دور جاليتنا في المساهمة بحماس وانخراط كبيرين في الحفاظ على مكتسبات البلاد، اقتصاديا وماليا وفي دعم التضامن الاجتماعي والانخراط الكلي في التعبئة الشمولية التي عرفتها البلاد خلال 15 شهرا الماضية. ولم يتوانى مغاربة العالم لحظة في مواصلة جهودهم من أجل تعزيز ارتباطهم ببلدهم الأم. وهو ما ظهر بشكل جلي في مواصلة تحويلاتهم ودعم أسرهم والمساهمة في الانطلاقة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ولقد آن الأوان، للتأكيد على ضرورة تمتيع مغاربة العالم، بكامل حقوق المواطنة، تفعيلا للمقتضيات الدستورية الصريحة في هذا الباب (الفصول 16-17- 18– 30 – 163) ولم يعد هناك من مبرر لكي يحرم مغاربة العالم من المشاركة السياسية في شؤون بلدهم الأصلي. لقد آن الأوان، لكي يجد مغاربة العالم هنا في بلدهم، ما هم معتادون عليه من خدمات في بلدان الاستقبال، ولم يعد هناك من مبرر لكي ينظر إليهم فقط كيد عاملة جالبة للعملة الصعبة، بل كمواطنين يتمتعون بكامل مقومات المواطنة، ويمارسون حرياتهم الفردية والجماعية، مع التأكيد على المطالبة بحقوقهم وتمتيعهم بالامتيازات التي تتطلبها أوضاعهم الخاصة. السيد رئيس الحكومة، لقد آن الأوان لكي يؤخذ البعد الأفقي للقضايا المرتبطة بمغاربة العالم بعين الاعتبار، في أفق وضع سياسات عمومية شاملة ومندمجة، قادرة على تعبئة كفاءات المهاجرين في كافة الميادين، بوضع سياسة استقطاب لمغاربة العالم المتوفرين على مؤهلات عالية ويعملون في قطاعات عالية الكفاءة، كتكنولوجيا الإعلام والاتصال، والتكنولوجيا الحيوية، والبيوتكنولوجيا الطبية والطاقات المتجددة، … وغيرها من الاختصاصات الدقيقة، بجانب هيكلة منظومة البحث العلمي وربطه بالأولويات الإستراتيجية للبلاد. لكن السؤال المطروح، هو ماذا أعددنا كأرضية محفزة وجذابة لاستقطاب هذه الكفاءات؟ وهل هيئت الحكومة الأجواء لذلك، من خلال وضع إطار قانوني ومؤسساتي محفز لانخراط الكفاءات العائدة، قادر على أن يوفر لهم ظروف عيش واستقرار مماثلة لوضعيتهم المهنية ببلدان الاستقبال أو يقترب منها على الأقل؟ وهل الحكومة قادرة على توفير بنيات تحتية وبحثية في مستوى المنافسة الدولية الشرسة لاستقطاب الأدمغة والكفاءات؟ وهل بنيتنا الاقتصادية والاجتماعية والترابية قادرة على تقديم عروض جذابة وتنافسية للكفاءات العالية التأهيل؟ وهل بمقدورنا تحسين الأداء الاقتصادي وتجويد الخدمات العمومية في ظل مؤسسات، كثير منها، معطوبة أو متعثرة؟ إننا اليوم في حاجة إلى التزام حكومي وتشريعي صريح يوفر دعائم وضمانات تسمح بتعبئة المكتسبات المؤسساتية والاقتصادية والإستراتيجية لبلدنا وتعزز الروابط الثقافية والأواصر العاطفية التي تربط مغاربة العالم بوطنهم الأم. السيد رئيس الحكومة، لقد آن الأوان لتوحيد وتجويد العرض الثقافي والهوياتي الموجه لمغاربة العالم. وفي هذا الاتجاه، تظهر جدوى فكرة إحداث وكالة مغربية للعمل الثقافي بالخارج لتوحيد مجهودات مختلف الفاعلين في هذا المجال ودعم تعبئة مغاربة العالم، من أجل نشر الثقافة المغربية في الخارج. ولنا أن نتساءل، في ظل تعثر مسار ترسيم اللغة والثقافة الأمازيغية وإعمال طابعها الرسمي داخل المنظومة التربوية وداخل الإدارة، كيف لنا أن نقدم المثال ونؤسس لتعددية ثقافية تحترم الاختلاف وتجسد الفسيفساء المغربية الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية–الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية، وبمقوماتها الحضارية المشتركة في: الأرض واللغة والتاريخ والحضارة والثقافة والعادات والتقاليد والطموح … وغيرها، إذا لم نجند كل طاقات مغاربة العالم المتوفرة في كثير من بلدان المهجر. وهي طاقات واعدة وقادرة على حمل هذا المشروع والدفاع عنه، بما يقتضيه من جرأة واعتزاز وافتخار بالذات. وكيف لنا أن نشجع إنجاز منتجات ثقافية مغربية الجوهر بلغات بلدان الاستقبال دون السقوط في مظاهر الفلكلور والبهرجة والسطحية التي طغت لعقود على المنتوج الثقافي الموجه لمغاربة العالم بشكل عام؟ السيد رئيس الحكومة، إن الاهتمام بأوضاع الجالية المغربية بالخارج يقتضي إعمال مقاربة الإدماج الشمولي لكل مكوناته. ويظهر أن هذه المقاربة ما زالت بعيدة المنال أو غائبة في منطلقات الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء منذ سنة 2013. هذه الاستراتيجية التي لم تكن من صنع حكومتكم، ولا من صنع الحكومة التي قبلها. ويظهر أنها هيئت من منطلقات ومفاهيم ترجع إلى ما قبل تسعينات القرن الماضي، ولم يتم تحيينها بالشكل الملائم، رغم أن هناك عددا كبيرا من المجهودات في إطار العمل غير الحكومي، من خلال عدد من المنظمات الغير الحكومية وهيئات المجتمع المدني، تحاول نشر ثقافة التقارب والحوار والتعايش المشترك بين شعوب العالم، وضمنها المغرب. ونستحضر هنا دور الجالية اليهودية المغربية المتواجدة عبر العالم، والتي ظلت مرتبطة ارتباطا وثيقا ببلدها الأصلي المغرب، من خلال الحفاظ على أماكن الذاكرة وتثمين تراثها المادي وغير المادي، مع الاهتمام كذلك بالأوضاع الإنسانية لجميع المهاجرين الأجانب المتواجدين فوق التراب المغربي، من منطلق أن ما نتمناه لأبنائنا في بلدان المهجر من سعة عيش وكرامة، يجب أن نحرص أولا على منحه لمن يوجدون بين ظهرانينا. كما أن نظرتنا للهجرة من منظور المقاربة الاندماجية يجب أن ترتكز أولا على قيم الانفتاح والتوازن، لكي نساهم جميعا في خلق ديناميكية من شأنها تعزيز مساهمة جاليتنا بالخارج، والمهاجرين الأجانب المقيمين في المغرب بشكل سواء في المسار التنموي بالمغرب وتعزيز قيم السلم والتسامح والحوار مع محيطنا المباشر والبعيد. السيد رئيس الحكومة، لقد آن الأوان، لكي لا ينظر إلى دور المهاجرين المغاربة من زاوية التحويلات المالية فحسب، رغم أهمية مساهمتهم في تحقيق توازن ميزان الأداء. فمغاربة العالم يوجدون في أزيد من 50 بلدا، وهم جسور للتواصل وسفراء فوق العادة للحضارة والتاريخ المغربيين وللمنتجات المغربية ولعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، وهم فوق ذلك يساهمون في التقارب بين الشعوب من خلال عقد اتفاقيات شراكة في المجال الجمعوي والتضامني، وهم محفزون للعديد من برامج التوأمة بين مدن الضفتين. كما يوجد عدد منهم في مواقع التسيير والتدبير السياسي في دول الاستقبال. ويساهمون كذلك في إبرام شراكات بين الشركات والمقاولات في المغرب وفي دول الاستقبال. السيد رئيس الحكومة، لقد آن الأوان، لكي تجد الجمعيات وتمثيليات مغاربة العالم محاورا حقيقيا في مستوى تحديات المرحلة. فالدور الاستراتيجي للمجتمع المدني أكيد في تطوير السياسات التنموية، عن طريق تمويل مشاريع إنسانية أو تقديم مساعدات علمية وعملية في المغرب، وتنشيط القطاع الثالث للتنمية، الذي فصل فيه تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد. وتأتي هذه المشاريع غالبا على شكل شراكة بين جمعيات مغربية ومنظمات أو مؤسسات دولية. وتعد هذه الجمعيات حلقة وصل بين المغرب ودول العالم. فالجمعيات الممثلة للمهاجرين موجودة، لكن الحوار ظل ناقصا ومبتورا. السيد رئيس الحكومة، لقد آن الأوان، لتفعيل الحق الدستوري في الولوج إلى المعلومة، وتيسير تداولها وتحيينها، وعدم احتكارها، خصوصا في مجال الاستثمارات الإستراتيجية والاقتصادية، باعتبارها وجها من وجوه حرية الإعلام والاتصال، وبعدا تضامنيا، مرتبطا بحرية التعبير، وركيزة من ركائز الديموقراطية التشاركية والشفافية ومكافحة الفساد. ويجب الحرص على أن تكون المعلومة متاحة بشكل سلس لمغاربة العالم، كما يجب إتاحة مختلف الخبرات العلمية في المواضيع المرتبطة بالهجرة، والتي راكمها مجلس الجالية المغربية بالخارج، وجعلها في متناول الفاعلين العموميين والمؤسسات التمثيلية والمهتمين بقضايا مغاربة العالم. هذا بجانب تسهيل ربط الصلة وخلق الشبكات بين مختلف الكفاءات من أبناء الجالية المغربية في الخارج وإحداث قاعدة بيانات لمغاربة العالم وتحيينها في ظل الطفرة الرقمية التي أججتها أزمة وباء كورونا وتسهيل الاتصال مع حاملي المشاريع في المغرب، مع اعتماد آليات للمواكبة. وهو ما يحتاج إلى مبادرات تواصلية منتظمة لشرح الإطار القانوني والتنظيمي والمسطري المعتمد وطنيا وتوفير المعلومات الضرورية حول فرص الاستثمار في المغرب، على المستويين الجهوي والقطاعي. السيد رئيس الحكومة، إن الحديث عن بلورة استراتيجية وطنية طموحة ومندمجة لفائدة مغاربة العالم تقودها وزارة مكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج منذ شتنبر 2013 هي في مبادئها الموجهة، وفي برامج عملها القطاعية والأفقية وفي نظام حكامتها قد تبدو سرابا لعدد كبير من مغاربة العالم، في غياب حكامة شفافة، تكون موضوع تتبع وتقييم منتظمين، وفي غياب منظومة تواصلية واضحة وحاملة للآليات المبتكرة والضامنة لتحقيق الأهداف المنشودة. مما يستدعي إعادة النظر في المنهجية المتبعة والأسس التي اختارتها الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، باعتماد التحليل العلمي والموضوعي وتبني مقاربة شاملة وعرضانية تربط بين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ومغاربة العالم ينتظرون منكم تدابير حكومية ملموسة ودقيقة تستجيب بشكل فعلي وجريء للتحديات التي تطرحها قضية الهجرة، وبالخصوص الإشكاليات المرتبطة بمغاربة العالم، في حلهم وترحالهم، والتي تدمج أبعاد الروح الوطنية وروح التضامن وتعتمد مقاربة الاندماج الشمولي، على المستوى الإنساني والحقوقي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والقانوني، وكذلك على مستوى الحكامة العامة.