يسود الشلل تقريبا جل المحاكم المغربية منذ شهور، ويترقب المتتبعون أن تكون حصيلة السنة القضائية سلبية هذا العام. تكمن مظاهر الأزمة في سلسلة الإضرابات، التي تتوقف حينا وتستأنف بوتيرة أكبر، متى ظهرت نتائج الحوار غير مرضية ووعود الحكومة ملتوية. مسلسل الإضرابات وأشكال الاحتجاجات تتعدد مع تعدد النقابات الداعية لها، مرة تقودها نقابات تابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الوطني للشغل، وفي مرات كثيرة تؤطرها النقابة العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل. لقد فاقت أيام الإضرابات خلال الشهور الأخيرة المائة يوم، وأدت إلى ضياع مصالح المواطنين وإلى خسائر مالية باهظة. إلى غاية اليوم، لا شيء يلوح في الأفق كمؤشرعلى تدارك الهدر المسجل في محاكم المملكة. فمن جهة العطلة القضائية على الأبواب، وتمتد عمليا خلال شهري يوليوز وغشت، ومن جهة أخرى حركة الاحتجاج والتصعيد متواصلة. النقابة الديمقراطية للعدل، العضو بالفدرالية الديمقراطية للشغل، التي تتمتع بتمثيلية مهمة، جددت الدعوة إلى الاحتجاج، وأكدت الدخول في خطوات تصعيدية نوعية من أجل فك، ما تعتبره، الحصار المضروب على الملف المطلبي لشغيلة العدل. في بلاغ له، أصدره الأسبوع الماضي، قرر المكتب الوطني للنقابة الديمقراطية للعدل خوض اعتصام بكل محاكم المملكة، أمس، كما، دعا إلى خوض إضراب وطني لمدة 72 ساعة، ابتداء من اليوم وإلى غاية الخميس 16 يونيو الجاري مع تنظيم ندوة صحفية، سيعلن عن تاريخها في وقت لاحق. الندوة المرتقبة إما سيعلن فيها مسيرو النقابة المذكورة تعليق حركتهم الاحتجاجية، في حالة إذا ما حصل تجاوب ايجابي مع حركتهم، وإما سيتم فيها تسليط الضوء على الموقف الحكومي وبالتالي إعلان تنفيذ إضراب مفتوح. بلاغ النقابة الداعية للتصعيد يرى أن وزارة العدل، وعبرها الحكومة، اختارت الصمت أو الوعود، الأمر الذي أدى بنظرها لتواطؤ القطاعات الحكومية ذات الصلة بملفهم المطلبي. ويعلن البلاغ صراحة أن الاستمرار في الاحتجاج أملاه عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها، ومنها تمكين هيئة كتابة الضبط من نظام أساسي محفز ومحصن يترجم عمليا استثناءهم من القانون الأساسي للوظيفة العمومية ومن المرسوم المنظم لترقي موظفي الدولة في الدرجة والإطار. في هذا المضمار، تجدر الإشارة أن مجلس النواب صادق، في شهر ماي، على مشروع قانون ينص على إدخال إضافة على الفقرة الثانية من الفصل 4 من ظهير النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، بموجبها يتم تمكين هيئة موظفي كتابة الضبط من التوفر على نظام أساسي خاص. بالمقابل، وبعد مصادقة مجلس النواب على المشروع المذكور، طالبت النقابة من الوزير الأول بالتدخل العاجل، من منطلق موقعه الدستوري وباعتباره راعيا لاتفاق 14 فبراير، من أجل ضمان وفاء الحكومة بالتزاماتها ومعالجة الملف المطلبي «المؤيد بخطب ملكية واتفاقات جماعية جرى تجاهلها أو تباطأت الحكومة في تنفيذها»برأي بلاغ النقابة. أمام هذا الواقع، المؤلم بخساراته المتعددة، ليس من بديل سوى العمل على إيقاف النزيف الذي يعيشه واحد من القطاعات الحيوية. مداخيل المحاكم، خاصة التجارية والابتدائية، منيت بخسارة، والتكلفة المالية التي تضيع على الدولة بسبب ضياع أوقات العمل نتيجة الإضرابات جد باهظة. الحصيلة المالية تقدر عموما بعشرات الملايير لحد الآن. من جهة أخرى، إن تعطيل المحاكم بسبب الإضراب ترتب عنه تجميد إجراءات مختلفة من تنفيذ وبيوعات وخبرات. أما دوامة التأجيل في البت والحسم في ملفات المتقاضين فقد أضاع حقوق آلاف المواطنين. كل الخسائر المذكورة، تدركها الحكومة والوزارة الوصية على قطاع العدل. بدورهم، نقباء ومحامون حذروا في أكثر من مناسبة من جسامة الخسائر. من جانبهم، الداعون للاحتجاج والتصعيد واعون بفداحة الخسائر، في شقيها المالي واللاجراءاتي. إن شد الحبل بين المنتفضين والوزارة لن يقود سوى إلى الأسوء إذا فشلت المساعي للتوصل لحلول واقعية. ولكي لا تضيع حقوق أزيد من 12 ألف موظف وموظفة في آتون حسابات وأجندات ينبغي التحرك واستحضار المصلحة العامة التي تقود إلى معالجة حقيقية لأوضاع شغيلة العدل وحماية مصالح المتقاضين.