علقت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، في تفاعل أولي لها حول النموذج التنموي الجديد، بأنه "تصور لا يعكس المغرب الذي نريد"، ووجهت انتقادا لاذعا لعديد جوانب من التقرير، لكونه لم يتضمن حلولا جريئة تستجيب لمطلب المساواة والعدالة ، واغترف فيما يرتبط بمعالجة القضية النسائية، من معين ماضوي ومتجاوز، في تغييب تام لما نص عليه المتن الدستوري وللمرجعية الكونية خاصة الممارسة الاتفاقية التي انخرط فيها المغرب ويعد طرفا فيها, ووصفت الجمعية نص تقرير النموذج التنموي الجديد بالتجزيئي والانطباعي في كثير من محاوره، ومغرق في نظرية التنمية التي سادت خلال سنوات السبعينات ، و بل ومتجاوز من حيث التدابير التي اقترحها بالنسبة لحقوق النساء والتي يطبعها االتراجع بل تتخلف حتى عن تلك التي قدمتها مجموعة من المؤسسات الدستورية. واعتبرت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب قي تفاعل أولي لها حول النموذج التنموي الجديد المقترح، والذي أخضعته لقراءة من منظور الحقوق الإنسانية للنساء التي شكلت موضوع نضالات الجمعية وهدفها لعقود، " تقرير النموذج التنموي الجديد لم يأخذ بعين الاعتبار رصيد التجارب والخبرات التي راكمها المغرب في مجال تشخيص الأوضاع ورسم خارطة الطريق لعدد من القطاعات، والتي راكمها منذ صدور تقرير الخمسينية سنة 2005، قصد توظيفها في بناء نموذج تنموي جديد" وقالت"إن المغرب ليس في حاجة لإنجاز تشخيص آخر، وفي الشكل الذي جاء به في التقرير، الذي طبعه التجزيئ، واقتصر في بعض الحالات على "انطباعات" متجاوزة و أو غير مبنية على أساس"، مؤكدة أن البلاد في حاجة ماسة اليوم لمعرفة الأسباب التي حالت دون نجاح الرؤى والاستراتيجيات ومختلف أوراش الإصلاح خاصة على مستوى التنفيذ، معتبرة أن من شأن الإجابة عن هذا التساؤل المركزي إطلاق سيرورة حلقة فضلى لصالح التغيير". وأبدت الجمعية استغرابها، من اعتماد واضعي تقرير النموذج التنموي الجديد، على نظريات التنمية التي سادت في عقد السبعينات، والإغراق في تبني منهاج تحليل ومقاربات متجاوزة بل تم التخلي عنها في الغالب من طرف منظومة الأممالمتحدة ذاتها، هذا ومن أجل تدعيم منظورها لجأت باعتبارها جمعية للدفاع عن حقوق النساء إلى طرح تساؤل ثلاثي الأبعاد. وتساءلت في هذا الصدد حول مدى ضمان النمو الاقتصادي للقضاء على الفوارق بشكل تلقائي، خاصة منها تلك المتعلقة بالنوع الاجتماعي، وفي بلد مثل المغرب، واعتبار أن صلب التنمية، كغاية ومسار، يتمثل في تعزيز الحريات الفردية والجماعية وتقوية قدرات المواطنين والمواطنات بما يؤهل الجميع لتخطي الحواجز التي تحد من الفعل والمشاركة. فيما السؤال الثالث طرحت فيه باستغراب وضع اللجنة لتصور نموذج تنموي جديد ، دون أن يكون في إمكانه تفكيك منظومة التمييز القائم على النوع الاجتماعي انطلاقا من تحليل علمي وموضوعي واعتمادا على مقاربة شاملة وعرضانية تربط بين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي. وخلصت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، بناء على التساؤلات السالف ذكرها،إلى إثارة نقاط أولية متعلقة بتناول التقرير ل "للقضية النسائية"، مسجلة استناده في معالجته لأوضاع النساء على رؤية ومفاهيم من زمن آخر، منها اعتبار النساء " فئة"، مثل فئة الشباب وهي تتكون من الجنسين. في حين أن النساء لسن فئة ولا قضية اجتماعية – قطاعية تابعة لقطاع الأسرة والطفولة والأشخاص في وضعية إعاقة، كما هو الحال في بلادنا منذ عدة عقود. كما سجلت أن التقرير عمد، خلافا للدستور، إلى تغييب شبه مطلق للمرجعية الكونية من مضامينه، خاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي يعد المغرب بلدا طرفا فيها، في حين تطرق للخصوصية الدينية والثقافية بشكل متكرر من أجل تبرير المفارقة الماضوية مع التوصيات الخاصة "بتقوية" حقوق النساء وحرياتهن. ونبهت الجمعية، في هذا الصدد، إلى الاستعمال السياسوي للخصوصية الدينية حصرا حينما يتعلق الأمر بحقوق النساء، قائلة بشكل استفهامي" ألا تستحضر الخصوصية الدينية في النقاش السياسي، وبشكل حصري، إلا عندما يتعلق الأمر بحقوق النساء، وهل تتطابق باقي مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية مع التعاليم الدينية، ألم يتم إدراجها منذ زمن في التمايز الديني"، وفق تعبير الجمعية. وأفادت الجمعية أنه في الوقت الذي يدعو فيه التقرير إلى الإدماج، والمواطنة، وعدم التسامح مطلقا مع التمييز والعنف، فإن الإجراء المركزي المقترح في التقرير، والهادف إلى رفع نسبة المشاركة الاقتصادية للنساء من 18 في المائة حاليا إلى 45 في المائة بحلول عام 2035، يتجاهل في المقابل آليات الإقصاء المعقدة والعوامل الهيكلية التي تقاوم التفعيل، وهي التي جعلت المغرب يفقد ريادته في المنطقة ليحتل سنة 2020 ، وفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، المركز 148 بعد مصر و تونس وكذلك الجزائر. ولاحظت الجمعية في تعليقها الأولي، عدم تطرق التقرير للوسائل الكفيلة بمحاربة الفقر في أوساط النساء القرويات اللائي يشتغلن في أغلبيتهن الساحقة بدون أجر، وبدون إمكانية الولوج إلى منظومة الضمان الاجتماعي كحق خاص، ولا إلى الأراضي ووسائل الإنتاج، بينما يقوم التشريع المتعلق بالمواريث وبالأراضي الجماعية والحبوس، بالتمييز ضد النساء، بل واستبعادهن بكل بساطة عن التمتع بحقوقهن، وسجلت بامتعاض عدم تضمين التقرير أي توصية لفائدة مئات الآلاف من النساء المغربيات الفقيرات ضمن الأكثر فقرا. كما لاحظت، أن التقرير لا يعرض لمختلف أشكال التمييز القائمة على النوع الاجتماعي والمتعلقة بمنظومة المواريث، وبالإبقاء على زواج القاصرات، وتعدد الزوجات، في الوقت الذي تعتبر فيه غالبية النساء من كل المستويات التعليمية والشرائح الاجتماعية أن هذه المقتضيات تشكل مصدرا كبيرا لانعدام الأمن بالنسبة لهن ولأطفالهن، وأنها تمس بكرامتهن ومواطنتهن. وسجلت باستغراب اقتراح التقرير منح القاضي إمكانية النظر في الإذن بالتعصيب من عدمه على أساس كل حالة على حدة، منبهة إلى تحمله هذه التوصية من تناقض ، حيث يجعلها تدعو لسن قواعد مختلفة بالنسبة للمواطنات وفقًا لقدرتهن على التقاضي، فضلا عن مساهمتها في اكتظاظ محاكم الأسرة وفتح الباب للتجاوزات والفساد ولتعميق حدة الخلافات الأسرية . والملاحظات الثلاث الأساسية التي تضمنها بلاغ الجمعية حول تقرير النموذج التنموي الجديد،تتمحور حول تسجيل منحى تراجعي في التقرير من خلال العديد من الإجراءات المقترحة وتخلفها عن تلك التي تم طرحها في السنوات الأخيرة من قبل العديد من المؤسسات الدستورية مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وكذا الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري. فيما الملاحظة الثانية تتمثل في محافظة التقرير على عدة " مناطق رمادية " واكتفاءه، بالنسبة لحقوق النساء باقتراح تدابير متجاوز، أما الملاحظة الثالثة على التقرير فتتمثل في التزامه الصمت اتجاه مشاكل سياسية ومجتمعية حقيقية، الأمر الذي يساهم في فقدان الثقة من طرف المغربيات والمغاربة ممن يرون مجددا بأن مواطنتهم موضوع تنازلات وتوافقات. وأكدت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، على أنها تعتبر أن الرؤية الشمولية المنسجمة والمستقبلية للنموذج التنموي الجديد مطالبة بأن تتسلح بالشجاعة وبمسؤولية تسمية الأشياء بمسمياتها، وأن تقترح حلولا مهيكلة وجريئة لمختلف أشكال الظلم واللامساواة، وفقًا للتوجيهات الملكية بمناسبة تنصيب اللجنة المسؤولة عن إعداد النموذج التنموي الجديد. وبنبرة يعلوها الكثير من التشاؤم، قالت الجمعية" إنه بتصفح التقرير فإن إقرار نموذج تنموي جديد، بما للجدة من معنى، لازال بعيد المنال، وقد يتوفر في القرن المقبل. أما في الحال، فإن التصور الذكوري للتنمية لا يعنينا لأنه لا يعكس المغرب الذي نريده لفتيات وشابات اليوم وفي افق 2035″. وأضافت مستدلة على أسباب رفض التقرير الذي صاغته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، بالقول: "إن الأفق، بناء على ما يدعو إليه التقرير، لا يبدو منتشلا للمغربيات من قيود مدونة الأسرة، ومن الوصاية، والعنف والحد من حريتهن ومن قدرتهن على القيام بالاختيارات المتعلقة بحياتهن الخاصة وباعتبارهن مواطنات".