مقابلة مع عبد الحق نجيب حول الكتاب الجماعي «المغرب، مماذا نخاف؟».. حدثنا عن المغاربة والخوف؟ الخوف هو ما يمنعنا، نحن المغاربة، من الوصول إلى تحقيق ما يجعلنا نحن. مخاوف كثيرة بقدر عدد المغاربة. لكن موضوع هذا العمل الجماعي يتجاوز هذا الخوف الرئيسي الذي نشعر به جميعا، كل حسب تجربته الخاصة، كل وفقا لمقياسه الخاص، كل وفقا لبيئته وتجربة حياته. الغرض من الموضوع بالنسبة لي وصديقي العزيز نور الدين بوصفيحة، بالإضافة إلى المؤلفين ال 52 الآخرين في هذا العمل الجماعي، هو طرح أسئلة حول ما يعيق المسيرة الجيدة لبلد لديه كل مقومات النجاح والانخراط في ركب الحداثة دون أن ننسى، بالطبع، تقاليده، ولكن بالتخلص من العديد من العوائق الرجعية التي هي عوائق، وحدود، أصبحت شبه مشؤومة. لا أستطيع أن أتصور أن بلدي، هذا المغرب الذي أحبه، حيث عدت إلى العمل فيه، بينما كان لدي مستقبل آمن في الولاياتالمتحدة وفرنسا، لا يستطيع أن يحسم حساباته مع الماضي، بكل تجاوزاته وعثراته وانزلاقاته، من أجل بناء مجتمع متنور تسوده العدالة وتكافؤ الفرص . حيث نحارب جميعا، كل حسب مؤهلاته لاستئصال الجهل والفقر والأمية وفتح المجال نحو المزيد من الرؤى للأجيال القادمة التي يجب أن تجد، هنا، في وطنها في المغرب، آفاقا مفتوحة، وفرصا كريمة للعيش وخاصة الإحساس بالكرامة كفرد وكمواطن. في هذا الكتاب، أبدى كل منا رؤيته للمغرب اليوم كما يراه. وخاصة هذا المغرب الذي نحلم به جميعا، وهو مغرب أفضل. المغرب حيث يحترم المرء كرامة الإنسان. مغرب خال من الفساد والانتهاكات القانونية والتعسفات بكافة أنواعها.. مغرب نفخر به. لأن لدينا الكثير لنفخر به. لدينا تاريخ عظيم. لدينا تنوع ثقافي لا يصدق. نتمتع باستقرار سياسي كبير. لدينا موقع جغرافي فريد. لدينا القدرة على أن نكون قادة، ليس فقط في أفريقيا، ولكن في العالم العربي وحول البحر الأبيض المتوسط. إذن أين هو الخطأ؟ مماذا نخاف؟ معنا نوع من جغرافية الخوف. من بين 54 مؤلفا، لا توجد تجربة واحدة مشابهة لأخرى تماما. حدد الجميع مخاوفهم على حدة: الخوف من الجهل، الخوف من الظلم، الخوف من التعصب للقديم، الخوف من التطرف بكل أنواعه، الخوف من الصمت، والخوف من مصادرة الحريات الفردية، والخوف من عدم فهم أن المكان له مكانة مهمة في المجتمع، والخوف من فقدان دور الثقافة كرافعة للتنمية البشرية والإنسانية والاقتصادية.. الخوف من الفراغ السياسي، والخوف من الفجوة بين الحكومات التي تخلف بعضها البعض وتوقعات الساكنة، والخوف من الممارسات القاتلة، القادمة من عصر آخر والتي لا تزال في ملازمة بلد تطور، بلد اختار الكثير من التغييرات مع ملك مستنير، ملك يريد أن يوجه شعبه نحو النور. لكن هناك من ناحية رؤية الملك ومن ناحية أخرى الحكومات المتخلفة، التي لم تفهم بعد أن المغرب قد تغير، وأن الشباب لديهم أحلام يريدون تحقيقها. وأن المصالح الشخصية تسببت في ضرر كبير لهذا البلد. إذا لم نفكر في المصلحة العامة، وإذا نسينا أنه يجب أن يحصل كل فرد على فرصته في رقعة القيم، وإذا سمحنا بوضع الرداءة مثالا لجميع المستويات، فسنذهب مباشرة إلى الحائط المسدود. لدينا موعد هام مع التاريخ: أن نبني دولة صلبة، دولة موحدة، دولة أبية، دولة مزدهرة: ليس لدينا الحق في أن نخطئ الطريق. ما هي حالات الطوارئ الوطنية؟ تم تشخيص حالات الطوارئ لعدة سنوات. لكن عليها أن توضع حيز التطبيق. أولا، التعليم. لكن تعليم جدير بهذا الاسم. مدارس بها معلمون مؤهلون حقا، قادرون على جلب العلم والمعرفة، وقادرون على تدريب الأطفال وجعلهم يحبون الدراسة، معلمون يفكرون في الأجيال القادمة والإرث الذي يجب أن يتركوه. يجب أن يقال بصراحة: المدرسة المغربية فاشلة على جميع المستويات. فشل ذريع لعدم وجود سياسة تربوية في المغرب. نحن نبحر بالعين المجردة. لأنه لا يكفي بناء الجدران. علينا تدريب الأشخاص المناسبين أولاً. يجب أن نمنح المكان لمن يستحقه وللمؤهلين بالفعل. لا يمكننا الاستمرار في اللعب مع المستقبل بهذه الطريقة من خلال إيفاد أجيال كاملة من حملة الشهادات الجاهلين. هذه هي الحقيقة الصارمة: لدينا العديد من حاملي الشهادات، جزء كبير منهم من غير المتعلمين والجاهلين وحتى الأميين. وكما تعلم، يمكنك في هذه الأيام شراء شهادات مثل العديد من الأشياء الأخرى في المغرب. إن الحاجة الملحة اليوم هي إصلاح التربية والتعليم. المنظومة تجاوزها الزمن. نحن بحاجة لثورة تعليمية حقيقية في المغرب. كما أننا ما زلنا بحاجة ماسة إلى إصلاح حقيقي للنظام القضائي. فالعدالة هي عمود الديمقراطية ودولة القانون. نحن بحاجة إلى نظام صحي يدعم المواطنين ويهتم بالفئات الهشة. نحن بحاجة ماسة إلى شن حرب بلا رحمة على الفساد الذي ينخر المجتمع على جميع المستويات. نحن بحاجة إلى مراجعة جميع الأوراق السياسية ومعرفة كيفية إعادة توزيعها من خلال المراهنة على الأشخاص الأكفاء، وعلى الأشخاص المخلصين الذين هم فوق كل الشبهات، الأشخاص الوطنيين الذين يريدون خدمة هذه الأمة وليس الاستفادة منها. علينا إفساح المجال للشباب ووضع الذكاء في المقدمة . لأننا في المغرب نخاف جدا من الأذكياء، لذلك نحتفل بالابتذال على جميع الأصعدة على حساب الجودة والرقابة الحقيقية. من هذا المنظور، نحتاج للاحتفاء بالعمل الجيد، لإبراز الصرامة والعزم على خدمة هذا الشعب الذي يستحق أفضل منتخب، أفضل الوزراء، أفضل السياسيين على رأس الأحزاب السياسية الحقيقية. يجب علينا أيضا إعطاء المرأة مكانتها بجميع القطاعات. يجب أن يكون لديها نفس فرص الرجل. وإلا فإننا نضيع منعطفا آخر. يجب علينا أيضا أن نكافح ضد استغلال الخطاب الديني لأغراض سياسية. يجب أن نحارب الجريمة المتفشية والدمار الذي تسببه المخدرات في بلدنا. من أجل تحقيق ذلك، نحتاج بشكل خاص إلى وضع الثقافة في المقدمة، واعتبارها أولوية لأنها لم يعد بإمكانها أن تظل العجلة الخامسة للعربة. الثقافة حق للمواطن ويجب أن تكون مشروعا وطنيا ذا أولوية. لأن الشعب المثقف هو شعب مسؤول، يمكننا أن نبني معه المستقبل، ويمكننا أن نتحاور معه، ويمكننا وضع رؤى استراتيجية للتفاوض بشكل صحيح على جميع منعرجات الحداثة. من ناحية أخرى، فإن الشعب غير المثقف هو شعب خطير، غالبا ما يكون أصما ومناورا. مكان الشباب الشباب يحتل كل مكان في "المغرب، مماذا نخاف؟"، الشبيبة هي المستقبل. إنها فرصة رائعة للمغرب أن يكون لديه مثل هذا الشباب المهم. لكن الشباب بدون تكوين لا يساوي شيئًا ولا يمكنه بناء أي شيء. الشباب الذي يترك لنفسه هو شباب ضائع. يمكن للشباب المعطل أن يصبح عقبة حقيقية أمام بناء المغرب الذي نحلم به جميعاً. أنظر حولك، أنظر إلى واقع الشباب: المخدرات، والإدمان، والهدر المدرسي، والتشدد، والتطرف الديني… إلى أين نتجه هكذا؟ في مرحلة ما من التاريخ، عليك طرح الأسئلة الصحيحة والتوقف عن ترقيع الثقوب. هناك وضعية سيئة جدا يعيشها الشباب المغربي . يريد البعض أخذ باتيرا وعبور المضيق، والبعض الآخر يريدون تحقيق النجاح بسرعة كبيرة، عن طريق الجريمة إذا لزم الأمر. لا يزال البعض الآخر يريد أن يكون مشهورا لأنه يتم تنصيب أمثلة ومشاهير مزيفين لا يفعلون شيئًا للمجتمع. وآخرون يعيشون في عوالم افتراضية حيث يكون لدى العديد من الشباب المغربي أحلام ويفشلون في تحقيقها لأن الآفاق مسدودة. إذا لم تتغير الأمور بسرعة، فإن شباب المغرب الذي من المفروض أن يشكل فرصة للنهوض به، قد يصبح أكبر عائق له . كما نعلم، من المؤكد أن تعليم الشباب وتكوينهم مكلف، لكن الأمر يكلف مائة مرة أكثر عند تركهم جاهلين، تائهين، عرضة لتقلبات الحياة. من الضروري أيضًا التأكيد على حقيقة أنه لا توجد سياسة جديرة بمكانتها تعمل وفق فكر وتصور معين لمساعدة الشباب، ومنحهم الأمل، وإقناعهم أنه هنا في المغرب يمكننا صنع المعجزات. الشباب هو رهان لبناء دولة صلبة، دولة قوية، دولة ناجحة، طالما أننا لا نفهم ذلك في المغرب، فإننا نتراجع. أي مكان للثقافة؟ مواقفي من مكانة الثقافة في المغرب معروفة للجميع وقد عبرت عنها في عدة مناسبات في العديد من الصحف والمجلات المغربية. تحتل الثقافة المرتبة الأخيرة على جدول أعمال الحكومة المغربية. أستطيع حتى أن أقول إنه باستثناء عدد قليل من الشخصيات النادرة التي قامت بعمل جيد في قطاع الثقافة، فإن الباقي عبارة عن سلسلة من الإخفاقات المتتالية. بالتحديد لأننا نرفع الشعارات، لأننا نخدم المغاربة بخطاب منخفض المستوى وبالأحداث الهامشية. ما زلنا نعتقد أن الثقافة تعني المهرجانات. لكن المهرجانات ليست سوى جزء واحد من رؤية عالمية، يجب أن نركز أولا وبشكل عاجل على التعليم والمعرفة والتعلم من خلال إصلاح نظام التعليم الوطني الذي أصبح مبتذلا ومتجاوزا. علينا تكوين المهارات، ويجب أن نعطي الفنان مكانته، ونعزز المسرح، والموسيقى، والفنون التشكيلية، والرقص، والكوريغرافيا، والتصوير، والنحت، والتجهيزات، والفنون البصرية بجميع أنواعها… يجب أن نركز على المواهب من خلال إتاحة الفرصة للشباب لتحقيق أحلامهم. يجب علينا أيضا مراجعة هذا المخطط الغير فعال لصندوق الدعم السينمائي. يجب أن نتوقف عن دعم المستوى المبتذل المتفشي على جميع المستويات. يجب أن نتوقف عن الاعتقاد بأن "الضحك" على كل شيء وعلى لا شيء هو ثقافة. هذا غباء ولا يضحك أحدا. نحتاج أيضا إلى إعادة النظر في هذه الظاهرة التي تسمى "الكوميديا" عوض أن نجعل منها القاعدة. أولا، تلك ليست كوميديا، إنها في أحسن الأحوال نكات سيئة الذوق، مواقف هزلية مخادعة تتحدث كثيرا عن مؤلفيها. يجب أن نتوقف عن اعتبار المغربي معتوها وجاهلا. المغاربة لديهم ذوق. يحبون الجودة. إنهم يحبون المسرح الحقيقي، والأفلام الجيدة، والموسيقى الجيدة، ويتابعون العروض الجيدة بالملايين، ويريدون أن نقدم لهم الأفضل، لكن لا أحد يفعل ذلك. روح العصر تشجع الرداءة. وكلما ارتفعت التفاهة، زاد النجاح. ويتم تقييم الغباء كقاعدة وكمعيار للإبداع. إنه أمر خطير للغاية، هذا الانزلاق نحو غباء شامل. الشعب الذي لا ينتج الجودة هو شعب يحتضر. قريباً لن يكون هناك متسع للفنانين الحقيقيين، أولئك الذين يريدون رفع مستوى الإنسان بداخلنا وتقديم الجمال في عالم يزداد قبحا. أخيرا، أود أن أضيف أن الثقافة بمعناها النبيل أمر مخيف. نعم، الناس المثقفون هم أناس لا يسمحون للسياسيين غير الأكفاء بالتلاعب بهم. يشكل المثقف خطرا على كل من يريد تولي المناصب والاحتفاظ بها. الشعب المثقف هو أناس يتحدثون، ويقولون ما يفكرون به، ويحاسبون المسؤولين المنتخبين، ويمكنهم حل الحكومة بمجرد الرفض. الشعب المثقف هو الشعب الذي يبني المستقبل من خلال التفكير في المصلحة العامة لصالح الساكنة ولصالح البلد وإشعاعه الدولي.