أقدم حزبان ونقابة على إعلان الانسحاب من اجتماع «الآلية السياسية للمتابعة وتبادل الرأي والمشورة بشأن مراجعة الدستور» أول أمس، وذلك احتجاجا على «المنهجية المتبعة في مناقشة مسودة الدستور» بحسب تصريحات مسؤولي هذه الهيئات، وبعد أن لم تسلم لهم مسودة مشروع الدستور مكتوبة خلال اجتماع الثلاثاء. بغض النظر عن كون الانسحاب المذكور لم يؤثر على الاجتماع، حيث أن باقي الهيئات السياسية والنقابية واصلت الحضور، واستمعت إلى عرض رئيس اللجنة الاستشارية حول الخطوط العريضة للمسودة، فإن الانسحاب في حد ذاته يثير السؤال. ليس القصد هنا مصادرة حق أحد في تبني الموقف الذي يشاء أو اللاموقف حتى، ولا التدخل في أمور ومسلكيات هي في النهاية من صميم القناعات الخاصة بالأطراف المذكورة، ولكن طبيعة اللحظة التاريخية التي يحياها بلدنا، تفرض الارتقاء بالنقاش إلى عمق الأشياء، وليس تمريغه في منغلقات الشكليات. إن التحدي اليوم يرتبط بمدى استجابة الوثيقة الدستورية المقبلة لتطلعات شعبنا في الديمقراطية وتقوية دولة القانون والمؤسسات، أما الإصرار على ممارسة نوع جديد من «السكوب» يقتات فقط من تبسيطية الانسحاب، وكل يحسب لوحده، فإن ذلك يجعلنا كل مرة نعود إلى البدايات. لقد كشفت التصريحات الأولية لمسؤولي مختلف الأحزاب، أغلبية ومعارضة، على أن الخطوط العريضة التي قدمها رئيس اللجنة الاستشارية لامست مختلف الإشكالات الكبرى، كما أنها تتضمن أهم المقتضيات الواردة في خطاب الملك لتاسع مارس، والعديد من المطالب المتضمنة في مختلف المذكرات، وكل هذا سيجعل من محطة 2011 نقلة نوعية متميزة في أفق بناء مغرب ديمقراطي قوي بمؤسساته. إن التنصيص في الدستور الجديد على فصل حقيقي للسلط، وعلى استقلال القضاء، وعلى سلطة تنفيذية حقيقية للحكومة ولرئيسها، وعلى سلطات واسعة للبرلمان، وعلى إدراج منظومة حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا في النص الدستوري بما في ذلك مبدأ المساواة ودسترة اللغة الأمازيغية وأيضا دسترة آليات الحكامة والتقنين والمراقبة وغيرها من المطالب التي عبر عنها وكانت حاضرة في النقاش العمومي طيلة الشهرين الأخيرين، هذا هو ما يحدد الموقف من المشروع الذي سيعرض في النهاية على الشعب المغربي بواسطة استفتاء عام. ليس من الذكاء السياسي إذن بناء موقف أو اللجوء إلى الانسحاب بحجة عدم التوصل بنص المسودة مكتوبا يوم الثلاثاء، وإنما المطلوب اليوم هو الانكباب على مضامين الوثيقة وعلى عمق الأشياء وعلى تمتين تحالفات واسعة بغاية انتزاع أكبر عدد من المكاسب، كما أن المواقف النهائية للأحزاب الديمقراطية في مثل هذه القضايا الإستراتيجية تصنعها وتقرها الهيئات التقريرية لهذه الأحزاب. إن التحدي اليوم أمام بلادنا يوجد في العمق وليس في الشكليات. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته