تستشعر النساء اللواتي تعملن بالقرب من الموارد الطبيعية كالنباتات العطرية والغابة والماء والزراعة بتأثيرات تغير المناخ المباشرة كما يحس بها الرجال كذلك، بدرجات متفاوتة، لكن الملاحظ علميا أن النساء هن أكثر ضعفا من الرجال في مواجهة التغير المناخي، وهن الأكثر مواجهة وصمودا لمواجهة آثاره، والأنجح في التكيف معها. فالفرق بين الرجل والمرأة ملحوظ أيضا من حيث الأدوار التي تلعبها في المجتمع والمسؤوليات التي تتقلدها في مختلف القطاعات والإدارات العمومية، وكذا في صنع القرار والوصول إلى الأراضي والموارد الطبيعية والفرص والاحتياجات، حيث تتمتع النساء بإمكانية أقل من الرجال للوصول إلى الموارد الطبيعية وفي الولوج إلى اللجان الوطنية للماء والمناخ والتنوع البيولوجي التي من شأنها تعزيز قدراتهن على التكيف مع تغير المناخ. ويبقى تعرض المرأة المباشر لآثار تغير المناخ ناتج عن عدة عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية، فعلى الصعيد العالمي لا زالت النساء تشكل نسبة كبيرة من المجتمعات الفقيرة التي تعتمد على الموارد الطبيعية المحلية لكسب عيشها، لا سيما في المناطق القروية حيث تتحمل عبء المسؤوليات الأسرية مثل جمع الوقود للطهي والطعام والتدفئة وتحقيق الأمن المائي والغذائي. وفي الظروف المناخية القاسية مثل ظروف الجفاف والفيضانات، تميل النساء إلى العمل بجدية أكبر لتأمين سبل عيش أسرهن، مما يترك لهن وقتا أقل للتكوين والتعليم وتنمية المهارات لتحسين الدخل، حيث تبلغ معدلات الأمية بين النساء 55٪ مقابل 41٪ للرجال في القارة الافريقية. إن افتقار المرأة إلى الوصول إلى الموارد وعمليات صنع القرار إلى جانب محدودية حركتهن يجبرهن على العيش في أماكن يتأثرن فيها بشكل غير متناسب بتغير المناخ. وتمنع الأعراف الثقافية والمسؤوليات الأسرية النساء من الهجرة أو البحث عن ملجأ في أماكن أخرى أو البحث عن عمل عند وقوع أي كارثة مناخية، حيث يهدد هذا الوضع بزيادة العبء على النساء اللواتي يتعين عليهن السفر لمسافات أطول لجلب مياه الشرب والحطب، مما يجعل من تغير المناخ عامل ضغط إضافي يزيد من ضعفهن وهشاشة أوضاعهن. في المغرب وفي الواحات المغربية تلزم الظروف الاجتماعية والأعراف الثقافية، نساء مناطق الواحات بأداء مسؤولياتهن وأدوارهن لأنهن متميزات للغاية عن الرجال في الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فأغلب الدراسات تؤكد أن الأطفال والنساء هم المسؤولون بشكل رئيسي عن جلب المياه للأسرة، وتبقى فتاة الواحات هي المكلفة بالقيام بهذه المهمة الصعبة في ظروف الفيضانات أو الجفاف، حيث تخصص الفتاة في الواحة ساعات طويلة لجمع المياه أكثر من الوقت الذي تكريسه للتعليم والتكوين. ولتسهيل عملية التزود بالمياه بالواحة المغربية، يتم إعادة أنظمة المياه القديمة للري لاستعادة الأنظمة البيئية للواحات، ومساعدة المرأة المغربية الواحية على زراعة النباتات العطرية والطبية لأهميتها الاقتصادية والاجتماعية من جهة، ومن جهة ثانية لجعل محاصيل الواحات أكثر مقاومة للجفاف ولدرجات الحرارة المرتفعة. وتتميز الواحات بالإدارة المستدامة للمياه، من خلال الاستفادة من طبقات المياه الجوفية الطبيعية وتوجيه هطول الأمطار حيث ولعدة قرون تم اختيار أشجار النخيل الموفرة للمياه في الظل العميق والموائل الرطبة التي أوجدتها مظلاتها الكثيفة للزراعة والتي سمحت للبساتين والخضروات ومحاصيل العلف بالنمو في وسط الصحراء. ومع انخفاض هطول الأمطار من المتوقع أن تنخفض غلة المحاصيل في مناطق مختلفة من المغرب، وسيسبب هذا مشاكل عديدة للفلاحين المغاربة الذين يعتمدون على الزراعة في معيشتهم، ويرتبط هذا القلق ارتباطا وثيقا بمصير الواحات. فالمرأة نموذج الانتصار على تغير المناخ، إذ أظهرت قدراتها وكفاءتها في العمل بنشاط وفعالية وتعزيز أساليب التكيف والتخفيف عبر جمع المياه وتخزينها، والحفاظ على الغذاء وتقنينه، وإدارة الموارد الطبيعية، وهي مجالات تتقنها النساء تقليديا. وللحفاظ على هذا الموروث الثقافي ولتحسين قدرات النساء في مجال التكيف مع ندرة المياه في مواجهة التغيرات المناخية، ينبغي أن تشمل مبادرات التكيف تحديد الآثار السلبية لتغير المناخ على المرأة ووضع تدابير لمعالجتها لا سيما في المجالات المتعلقة بالمياه والأمن الغذائي والزراعة والطاقة والصحة وإدارة الكوارث مع مراعاة احتياجات أولويات المرأة بعين الاعتبار في المشاريع التنموية المحلية بالواحة وكذلك في تمويلها. فالمرأة الواحية المغربية مطالبة بأن تشارك في صنع القرار على المستويين الوطني والمحلي فيما يتعلق بتخصيص الموارد لمبادرات تغير المناخ، فالمياه هي في قلب التنمية المستدامة وهي ضرورية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية والطاقة وإنتاج الغذاء وسلامة النظم الإيكولوجية وبقاء الإنسان، كما أن المياه تعتبر في صلب عملية التكيف مع تغير المناخ حيث تضطلع بدور الرابط بين المجتمع والبيئة، إذ يراد من الهدف 6 من أهداف التنمية المستدامة ''ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع‘‘، في حين تشتمل مقاصد هذا الهدف على جميع جوانب النظم الصحية لتدوير المياه، وتحقيق تلك المقاصد سيسهم في إحراز تقدم على طائفة من أهداف التنمية المستدامة الأخرى، على وجه الخصوص تلك المتعلقة بالصحة والتعليم والاقتصاد والبيئة. محمد بن عبو (*) (*) خبير وناشط في مجال البيئة والتنمية المستدامة