التأقلم مع التغيرات المناخية من خلال جمع مياه الأمطار، وتطوير المزارع وتقنيات تثبيت التربة من التآكل الانطلاق من جماعة بودينار إلى دوار «بومعاد» ثمن دوار» تيزة». لا مناص من اختراق نهر أمقران الكبير. بقايا أشجار متناثرة، سيولات مائية تنساب بسكون، برك مائية ضحلة ساكنة في زوايا قصية، تبدو وكأنها نقط مائية يائسة وخجولة أمام شساعة النهر الكبير. على الجانب الأيسر يمر شريط مائي يشق طريقه بعناد وسط النهر الضخم كأنه حية تسعى نحو مكان معلوم، ينساب بسخاء يبدو أنه نابع من عين رقراقة بأعلى الجبل، تائه ومندفع بقوة يبدو أن لا ملجأ له إلا الارتماء في حضن البحر الأبيض المتوسط. قطيع ماعز جميل المظهر يميزه لون بني داكن يؤثث موكبه خرفان نهمة تبحث عن كلأ ومرعى يصد ملامح الهزال الذي بدا عليها. وتستمر السيارتان رباعيتا الدفع في الإسراع لبلوغ دوار بومعاد عبر الوادي أمقران مرة ذات اليمين وأخرى ذات الشمال بحثا عن مسلك ميسر إلى الهدف المنشود: إنه دوار «بومعاذ» لتعقبه زيارة دوار «تيزة» في اليوم الموالي. رجل منهمك في غربلة حصى ورمال وسط النهر يرفع رأسه ليستكشف ماهية السيارات القادمة، إذ لم يجمع صاحنا سوى ركامين صغيرين من الرمل... وأخيرا، بعد ما يزيد عن خمس وأربعين دقيقة إلا بمحاذاة نهر أمقران، منفذ يخرجنا من النهر على حافة الوادي نحو أعلى الجبل لتبدأ معاناة الالتواءات تلو الالتواءات مع الغبار الكثيف المتناثر، يحجب الرؤية بعض الأحايين.. ويستوجب التمهل لتسلق الجبل عبر الطريق الضيقة للوصول إلى الدوار/ القمة، حيث يقطن ساكنة الدوار ليتراءى أخيرا وليس آخرا من الأعلى شموخ الوادي الكبير، نهر أمقران. دوار تيزة يستند ساكنة دوار «تيزة» على مزروعات جبلية تقليدية عبر محاصيل سنوية من الحبوب والبقوليات، أشجار الزيتون وأشجار بعض الفواكه وتربية المواشي. لكن تغير المناخ أثر سلبا على الزراعة التقليدية حيث أضحت أقل ربحا وأكثر تهديدا للنظام البيئي المحلي. إذ تدهورت التربة الطينية الخصبة بالمنطقة بفعل التعرية وملوحة الأراضي والمياه الجوفية الناجمة عن ارتفاع مستوى البحر الأبيض المتوسط. وتتعرض الأرض، مورد عيش الساكنة، إلى خطر تآكل التربة والفيضانات والجفاف مما يقلص الأراضي الصالحة للزراعة ويسبب تدمير الغطاء النباتي، ومعه المحيط البيئي والبنية الأساسية، مما يؤدي التالي إلى تفشي الفقر واللجوء إلى الهجرة خاصة في صفوف الشباب. وتعاني ساكنة دواري بومعاد وتيزا من الأمطار الغزيرة (عواصف الأمطار الاستثنائية) التي تسببت في فيضانات مدمرة لنهر أمقران الشهير الذي يعزل معظم دواوير جماعة بودينار عن مركز الجماعة، لكن مقابل ذلك تشهد المنطقة أيضا فترات جفاف شديد يؤثر تأثيرا سلبيا على الساكنة التي تعتمد على الموارد الطبيعية والزراعة. التكيف مع التغيرات المناخية والحفاظ على الموارد وكانت دراسة ميدانية لفريق بحث مشروع «أكما» قد سجلت وقع ارتفاع مستوى سطح البحر وتأثيراته الهامة من حيث ملوحة المياه الجوفية والتربة الساحليتين. مما سيؤثر على مستوى عيش ساكنة المنطقة وعلى النظام الإيكولوجي وسيزيد من هشاشة البنية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة. وهكذا فإن التكيف مع تغير المناخ وتحسين حياة ساكنة دواري «بومعاد» و»تيزة»، في جماعة بودينار في منطقة الريف الشرقي (بين الحسيمة والناظور، وبالقرب من ساحل البحر الأبيض المتوسط)، وفق برنامج تشاركي بين ساكنة الدوارين المتباعدين وبين برنامج التأقلم مع التغيرات المناخية عبر جمع مياه الأمطار، وتطوير المزارع وتقنيات تثبيت انجراف التربة، شكل محورهذه الدراسة العلمية من قبل مشروع التأقلم مع التغيرات المناخية ACCMA، وذلك بغية تعزيز صمود النظام الإيكولوجي المحلية وفك العزلة وتعزيز القدرات المحلية. ويؤكد البروفيسور عبد اللطيف الخطابي، منسق مشروع ACCMA وأستاذ المدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين، أن التوقعات المستقبلية لتغير المناخ تنص على تزايد درجة الحرارة وانخفاض هطول الأمطار وزيادة الجفاف مع بروز عدم التوازن بين العرض والطلب على المياه. وتقدر نسبة انخفاض هطول الأمطار في فصل الربيع في منطقة الدراسة بنحو 30%، والتي سوف تؤثر بشكل كبير على الزراعة المحلية، وبالتالي على موارد المجتمع المحلي. ويهدف مشروع الدراسة المنجزة، يضيف الخطابي، إلى تحسين القدرة على التأقلم للسكان المحليين وتحسين ظروف المعيشة من خلال تكييف الممارسات الزراعية وإدارة المياه، وبناء القدرات عبر إجراءات تبادر إلى تطوير أنشطة المدرة للدخل. نتائج ومنجزات وضعت استراتيجيات دقيقة لتدبير الماء والتربة من أجل تأقلم جيد مع الجفاف والتعرية حيث اختيرت ممارسات زراعية تتكيف مع تغير المناخ يتم تنفيذها بالتعاون مع السكان في أفق تعزيز التحسين المستدام لظروفهم المعيشية، وذلك من قبيل اختيار أنواع أشجار يسهل تكييفها مع ندرة المياه وملوحة التربة والتعرية كالزيتون والخروب واللوز والتين. واعتماد تقنيات زراعية بديلة تساعد على تنمية المزروعات ذات قيمة عالية مضافة. هذا ناهيك عن إنجاز خزان لجمع المياه الموجودة في القرية، وحفر خزانات أخرى ونهج نظام الري بالتنقيط فضلا عن اختبار وتنفيذ تقنيات للحفاظ على تربة مستدامة.. ومن أجل تعزيز قدرة المجتمع على مواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ عمل مشروع «أكما» على إجراء ورشات عمل تدريبية للساكنة المستهدفة لاكتساب الخبرات والمعارف المتعلقة بتغير المناخ على مستوى إدارة المياه، وصيانة خزانات مياه الأمطار، وتنفيذ صيانة المستدامة للزراعات المحلية كل ذلك من أجل تحسين مستويات معيشة السكان والحد من الفقر والهشاشة لدى الأسر والحد، أو بالأحرى تقليل، من الهجرة إلى المدن ومواجهة مخاطر تآكل التربة وبالتالي حماية النظام البيئي والزراعة المحلية. مثبطات وحواجز لا تتيسر الممارسات الجماعية في موقع دوار «تيزة»، وذلك لتباعد المنازل لكن يمكن التغلب على هذه العقبة عن طريق التعبئة المكثفة للمجتمعات المحلية على أساس ممارسات محلية للتضامن. وهناك أيضا حاجز ثقافي يتمثل في العرف المحلي في عدم إشراك المرأة رغم أنها تلعب دورا رئيسيا في إدارة الموارد الطبيعية ومعرضة جدا لتأثيرات تغير المناخ. لكن جمعية «تافضنة من أجل التنمية والتضامن» المحلية باتت تعمل على تشجيع وتنظيم أنشطة للمرأة، في مناسبات متنوعة ومع فعاليات نسوية مختلفة. دوار «بومعاد» ومعاناة المرأة من التغيرات المناخية في مجتمع زراعي وتستهدف دراسة مشروع «أكما» نساء دوار «بومعاد» وتعزيز قدرتهن على تكيف مجتمعهن الزراعي المحلي مع آثار التغيرات المناخية خصوصا تحدي تناقص الموارد المائية وتدمير الغطاء النباتي وفقدان التربة والمحاصيل والماشية، وتدمير البيئة والبنية الأساسية. وسيساعد المشروع على تحسين إدارة وتخزين الموارد المائية. من خلال تسهيل الحصول على الموارد المائية للنساء والحد من عملهن الشاق لجلب المياه، وتحسين ظروفهن المعيشية فضلا عن استفادة المزارعين الذين سيتم تسهيل إمداداهم بمياه للري. وتمثل النساء حوالي 75% من سكان الدوار، ذلك لأن معظم الرجال في المهجر، بشكل مؤقت أو دائم، للبحث عن عمل في مكان آخر. وتستند سبل العيش على الزراعة التقليدية عبر المحاصيل سنوية كما لساكنة الدوار أنشطة زراعية واسعة متنوعة على مستوى تربية الأغنام والنحل، ومصائد الأسماك والتجارة، تساهم بدرجة أقل في مصادر الدخل. حيث أن المرأة تسهم إسهاما كبيرا في الإنتاج الفلاحي بمختلف مراحل الزراعة: الزراعة والري وإزالة الأعشاب الضارة والحفاظ على الحقول والحصاد والتخزين للمنتجات الزراعية. ويعاني دوار «بومعاد «من عدم صلته بشبكة الماء الشروب، وتقع بعض المنازل على بعد 1.5 كيلومتر من مصدر الماء ويمكن للمرأة أن تنفق ما يصل إلى ساعة ونصف من الوقت في اليوم الواحد لجلب المياه. قصد الاستخدام في الشرب والأعمال المنزلية، والزراعة و الري. ويوضح البروفسور عبد اللطيف الخطابي أن المرأة بدوار بومعاد تعاني كثيرا بفعل انعكاس التغيرات المناخية على حياتها مباشرة وذلك من خلال إدارتها للموارد الطبيعية، وبالتالي فهي الأكثر تصديا لآثار تغير المناخ. بعملها الشاق بجمع المياه من مسالك طبيعية وعرة مما يقلص أنشطتها أخرى. ذلك أن المرأة، على عكس الرجال، لا يمكنها مغادرة القرية للبحث عن مداخيل معيشية الأخرى فهي تعتمد على الموارد المحلية أمام انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية المحلية فضلا عن أن لها فرصا ضئيلة للتعليم، مما استرعى اهتمام مشروع» أكما» لجلب دعم فرص كبيرة للساكنة خصوصا المرأة لتطوير مهارات جديدة وأنشطة متنوعة بمشاركة جمعيات محلية. وسيساعد هذا المشروع النساء على التعامل مع جميع هذه العوامل مختلفة من الهشاشة.. من خلال برنامج محو الأمية للنساء والفتيات من القرية. وإنشاء خط أنابيب لاستقبال المياه من المصدر والمياه المستخدمة في الري ثم تشييد حوض صغير بالقرب من مصادر المياه. ثم نهج نظم الري بالتنقيط على قطع تجريبية من أجل تعزيز إدارة المياه المتناقصة. وكذا فسح المجال للنساء لتحسين معرفتهن بتغير المناخ وتنفيذ التقنيات الزراعية الرشيدة وإدارة المياه من خلال تبادل التجارب ومعلومات عبر زيارات لمواقع المشاريع الأخرى..