‘رأس المدرات الثلاثة' بشمال الناظور من أجل استدامة مصادر الرزق والتكيف مع التغيرات المناخية محمد التفراوتي | المغربية الهوامش القاحلة، والقرى الساحلية النائية، مناطق تزخر بالفقر والهشاشة الاجتماعية كما تحتضن أنظمة بيئية حية وموارد طبيعية ساحرة، ضروريتين لمصادر عيش سكانها، لكنها تبقى ضئيلة وهشة . قد يضطر الإنسان إلى العيش في أرض شديدة الانحدار، صخرية، قاحلة، ومالحة، أو قد يلزم بالعيش قرب مياه يزداد اصطياد الأسماك فيها صعوبة، لكن كيف السبيل للتأقلم مع عناصر الحياة التي تطالها تأثيرات التغيرات المناخية والبيئية المتسارعة بوتيرة مقلقة . كيف السبيل لإبداع مبادرات تمنح الفرص والمعرفة وضمان الحصول على الموارد واستثمار الجهود المشتركة بين الباحثين والمزارعين والصيادين الفقراء، رجالا ونساء، من أجل استدامة مصادر الرزق والتكيف مع التغيرات المناخية … قدم مشروع “أكما” للتغيرات المناخية دراسة مستفيضة وتشخيص دقيق عن أهم منطقة في الشمال المتوسطي المغربي تحوي أجمل منطقة رطبة مصنفة ضمن اتفاقية «رامسار» الدولية للأراضي الرطبة، إنها رأس ورك، أو بما تسمى المدرات الثلاث وبالفرنسية (Cap des 3 Fourches). رأس ورك هي صخرة شاطئية شامخة، أو نتوء جبلي مخترق، نحو 20 كيلومتر ، ساحل البحر المتوسطي، على بعد 25 كيلومتر من شمال الناظور، وعلى مشارف المستعمرة الإسبانية مليلية، وعلى بعد مائة كيلومتر من الحدود الجزائرية، يمتد على مساحة 8000 هكتار، ثلثا مساحته بحرية . يروم المشروع إلى تعزيز قدرات تأقلم سكان منطقة “تبودة” بالجماعة القروية بني شيكر، مع تأثيرات التغيرات المناخية، وتطوير هشاشة النظم البيئية المحلية المهددة بفعل التغيرات المناخية المتفاقمة. اختار المشروع مقاربتين محوريتين رئيسيتين كمجال للتدخل على مستوى التأقلم مع التغيرات المناخية، محور تحسين ممارسات الصيد الحرفي من أجل تسهيل تكيف الصيد مع تغير المناخ ومحور الزراعة والمياه، أي قدرة الأنشطة الزراعية في الحد من تقلص موارد المياه وملوحة التربة والمياه ، ومن خلال جمع مياه الأمطار وتحسين إدارة الموارد .. ويزاول سكان المنطقة ” تبودة “بعض الحرف التقليدية من قبيل صيد الأسماك والزراعة وتربية المواشي والاقتتات على مختلف الموارد الطبيعية. كما أن المنطقة تعاني العزلة جغرافيا، ويتطلب الوصول إلى الطريق المؤدي إلى أقرب قرية، نحو نصف ساعة، وساعة للوصول إلى مدينة الناظور . يعتمد مجتمع الصيادين بالمنطقة في نشاطهم الحرفي على نحو 44 قارب صيد في الحجم 5 إلى 6 أمتار، في حين هناك أنشطة أخرى تكميلية تتجه نحو الزراعات الجبلية عبارة عن حقول المدرجات كالبستنة والحبوب والبقوليات المحاصيل الشجرية. وشهدت المنطقة في السنوات الأخيرة هجرة بعض السكان نحو المدن المجاورة وخارج المغرب. ارتفاع الحرارة تعاني المنطقة من تأثيرات التغيرات المناخية والمتجلية في ارتفاع الحرارة و عدم القدرة على التنبؤ الجوي، فضلا عن شدة الأحداث المناخية المتطرفة من قبيل موجات الحرارة والعواصف والفيضانات، وتنعكس هذه المظاهر والتطورات بشكل مباشر على المجتمع المحلي لكونها تهدد الأنشطة التقليدية الزراعية من خلال زيادة التبخر وانخفاض توفر المياه لأغراض الزراعة ، وتآكل التربة الهشة أساس بالمنطقة و تملح التربة والمياه الجوفية الساحلية في حين تنعكس سلبا كذلك على الصيد من خلال انخفاض عدد أيام الصيد ، وانخفاض توفر الأسماك ، وبالتالي كمية ونوعية الأسماك التي يتم صيدها. ويستدعي هذا المشهد البيئي والاجتماعي مساعي حثيثة لتخفيف تأثير التغيرات المناخية وفك العزلة عن قاطني المنطقة وصدهم عن الهجرة نحو المدن. وفي سياق متصل أكد البروفسور عبد اللطيف الخطابي منسق مشروع”أكما” وأستاذ بالمدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين أن المشروع ACCMA” أكما” ينشد تحسين قدرة الصيادين والمزارعين على التكيف مع التغيرات المناخية، و كذا تعزيز هشاشة النظام الايكولوجي الذي يشكل أساس عيش الساكنة فضلا عن تعزيز أنشطتهم المعيشية، وبالتالي تمكين الناس من الحفاظ على ظروفهم الحياتية وإدارة هشاشة الموارد (المياه والتربة)، التي تواجه تغير المناخ، وذلك في أفق تحسين ظروف عمل الصيادين والمزارعين على التكيف مع التأثيرات الحالية لتغير المناخ بتوفير معدات القوارب ذات المحركات وإنشاء ورشة لتصليح المحركات ومعدات الصيد للبيع ثم حفر بئر لتسهيل ري للمحاصيل الزراعية المحلية . وفي معرض حديثه عن تحليل تكاليف ومنافع بعض ما جاءت به الدراسة من قبل فريق البحث، أوضح الدكتور الخطابي، أن تأقلم الصيادين مع ارتفاع موجات الحرارة عبر تحسين حفظ الأسماك أثناء حرارة المناخ يستوجب إعادة تأهيل وحدة التبريد الموجودة في القرية مع تدريب الصيادين، بإشراك فعاليات المجتمع المدني المحلي. ومن أجل أجرأة توصيات الدراسة، جرى التنسيق مع صندوق التكيف للبيئة العالمية، الذي يتوافق المشروع مع أولويته الإستراتيجية بدعم جمعية آفاق للتنمية البشرية، كحاملة للمشروع قصد إنجاز خلاصات وتوصيات الدراسة المنجزة في المناحي المختلفة، وفق مؤشرات تحدد قياس عدد الهكتارات التي تشملها الإدارة السليمة في إطار المشروع (وهو مؤشر على تدهور التربة) وانخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، الذي يقود إلى تفاقم تدهور الأراضي، واستنزافها وجعلها غير صالحة للزراعة على نحو متزايد، فضلا عن الفيضانات العنيفة والجفاف وتغير المناخ والعوامل المختلفة، التي تساهم أيضا في تدهور الأراضي، إضافة إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، الذي يؤدي إلى تملح طبقات المياه الجوفية الساحلية والأراضي الساحلية، التي تؤثر بقوة على التربة الهشة . 100 ألف دولار وعن كيفية مساهمة المشروع في التقليل من مخاطر المناخ على النظام البيئي، أفاد الدكتور الخطابي أن أنشطة مشروع تشمل تمكين الساكنة المحلية من تطوير تقنيات الاستخدام الرشيد لموارد المياه والتربة، فضلا عن التقنيات الزراعية المرتبطة بتملح موارد المياه وتآكل التربة وملوحتها، بغية تعزيز النظام الإيكولوجي بالمنطقة. وأكد الحاج محمد، أحد قاطني المنطقة، أن السكان متحمسون للمساهمة في تنفيذ مشروع تأهيل فضائهم الحياتي وفق حلقات عمل، نظمت في سياق الموضوع مع الفئات المجتمعية المختلفة (الصيادين والمزارعين والنساء…) بمساهمة الجماعة القروية وباقي الشركاء، ووفق العرف المحلي ل”التويزة”. يشار إلى أن تكلفة تنفيذ المشروع يتطلب مبلغ 100 ألف دولار أميريكى، بينما الجمعية حاملة المشروع “جمعية آفاق للتنمية البشرية “، السكان المحليون، والصيادون، والجماعة القروية بني شيكر، سيساهمون ب48 ألف دولار أمريكي، في حين ساهم مشروع “أكما” بتمويل التشخيص وإعداد المشروع والورشات التشاورية والتأهيلية.