عكست ملامح المعركة القاسية التي شهدها مجلس الأمة الكويتي، الثلاثاء، إصرار القيادة الجديدة على سياسة الوضوح في القرار خصوصا بعدما صوّت أعضاء البرلمان الحاضرين لمصلحة مرزوق الغانم الذي فاز ب33 صوتا ضد منافسه بدر الحميدي الذي حصل على 28 صوتا واعتبرت ثلاثة أصوات باطلة. ورغم محاولات نواب بعينهم تخريب الجلسة قبل بدايتها، كان لافتا أن عددا من النواب الذين تعهدوا مع كتلة المعارضة على إسقاط مرزوق الغانم إما صوتوا له وإما أنهم كتبوا اسمي المرشحين الاثنين للرئاسة ما أبطل أوراقهم في الفرز النهائي. وتعهد المعارضون جميعا بتصوير ورقة التصويت كي يثبتوا التزام التعهد رغم أن هذا الأمر مخالف دستوريا، لكن البعض سجل اسم الحميدي وصوّر الورقة ثم أضاف اسم مرزوق ووضعها في الصندوق ما أدّى إلى بطلانها كونها تتضمن اسمي المرشحين. وهذه الأوراق التي تم إبطالها أخذت من أصوات منافس مرزوق. وحملت ردود فعل المعارضين بعد الجلسة تهديدا مبطّنا للحكومة بأنها ستدفع ثمن تصويتها لمرزوق الغانم، لكن الحكومة التي ألقى رئيسها الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح بيانا مميزا تحدث فيه عن التحديات الحقيقية داخليا وخارجيا في الكويت وضرورة مواجهتها، يبدو أنها تلقت ضوءا أخضر من القيادة السياسة بالسير في نهج الحزم من دون أيّ التفات إلى التهديدات النيابية. ولم تنظر القيادة السياسية الكويتية إلى خطاب المعارضين وبرنامج عملهم القائم على الوعد بإسقاط القروض والعفو الشامل عن محكومين لجأوا إلى تركيا وتعديل قانون الجرائم الإلكترونية والدوائر الانتخابية بعين الارتياح. وتساءل مصدر سياسي كويتي "ما معنى أن يتم إسقاط القروض في بلد يحتاج إلى تجميع كل مورد مالي لتخطّي أزمته الاقتصادية، وهل الدعوات الشعبوية تساهم في إيجاد حلول اقتصادية أم إنها نوع من المزايدات العقيمة؟". ووصف المصدر السياسي الكويتي في تصريح ل"العرب" دلالات إعادة انتخاب الغانم رئيسا وما سبقها من كلمة قيّمة لأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، بأن الحلم والحزم هما عنوان المرحلة. وأشار المصدر نفسه إلى قول أمير الكويت في افتتاح مجلس النواب "لا شك أنكم تدركون ما يشهده العالم والمنطقة بشكل خاص من تطورات، وأمامكم تحديات جسام، ولم يعد هناك متسع لهدر المزيد من الجهد والوقت والإمكانات في ترف الصراعات وتصفية الحسابات وافتعال الأزمات". وحذر الشيخ نواف من السلوكيات التي أصبحت محل استياء وإحباط من المواطنين، وعقبة أمام أيّ إنجاز. ويقول مراقبون إن الكويت بعد انتخابات مجلس الأمة، الثلاثاء، على مفترق طرق فإما أن يقرأ جميع النواب وخصوصا رموز التأزيم خطاب أمير الكويت بدقة وينصرفوا إلى العمل والإنجاز وإما أن يحولوا قاعة عبدالله السالم البرلمانية ساحة للمزايدات والصراعات وعندها ستكون الحلول من قبل القيادة حاضرة أيضا.. وإن كانت قاسية وصعبة. وقال الشيخ نواف الأحمد في كلمته أمام البرلمان الجديد إن هناك حاجة لوضع برنامج إصلاحي شامل لمساعدة البلاد على الخروج من أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ عقود وإنه لا يوجد متّسع من الوقت "لافتعال الأزمات". وأضاف "مسيرة وطننا العزيز تعاني مشكلات جسيمة، وتواجه تحديات كبيرة، الأمر الذي يستوجب وعلى جناح السرعة وضع برنامج إصلاحي شامل". وشدد على أنه "لم يعد هناك متسع لهدر المزيد من الجهد والوقت والإمكانات في ترف الصراعات وتصفية الحسابات وافتعال الأزمات، والتي أصبحت محل استياء وإحباط المواطنين، وعقبة أمام أيّ إنجاز". وتظهر كلمة الشيخ نواف حجم الغموض الذي يحيط بالأزمة السياسية التي يعيشها الكويت وتأثيرها المستقبلي على البلاد مع تكرّر المشهد والأشخاص الذين يديرون تلك الأزمة. فالأمير الحالي كان وليا للعهد، ورئيس الحكومة هو نفسه رئيس الحكومة في السابق، والأمر كذلك بالنسبة إلى رئيس البرلمان، فضلا عن نفس المشاكل والمشاحنات التي تغلّب المعارك السياسية على دراسة سبل الخروج من الأزمة الاقتصادية. وأدّى تصاعد الخلاف والجمود بين الحكومة والبرلمان إلى تغيير حكومات متعاقبة وحل البرلمان مما عرقل الاستثمارات والإصلاح الاقتصادي والمالي. ويراهن الكويتيون على نجاح أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد في تقريب وجهات النظر بين الحكومة والبرلمان، ومنع تكرار سيناريوهات السنوات الماضية. ويواجه الاقتصاد الكويتي، الذي يبلغ حجمه قرابة 140 مليار دولار، عجزا بقيمة 46 مليار دولار هذا العام. ومن أولويات الحكومة إقرار مشروع قانون سيتيح للكويت الاقتراض من أسواق الدين العالمية. ويرى مراقبون أن استمرار المغالبة بين الحكومة والبرلمان خلال الفترة القادمة قد يقود إلى حلّ البرلمان وإجراء انتخابات جديدة دون أيّ نتائج يمكن أن ينتظرها الكويتيون من الحلقة المفرغة التي باتت البلاد تعيش على وقعها. وفيما تبحث الحكومة عن إجراء إصلاحات عاجلة تستجيب للتغييرات الاقتصادية المحلية والدولية، وقد تضطر لسياسة تقشف قاسية، يتمسك البرلمان بمعارضة أيّ إصلاحات قد تمسّ من نظام الرفاهية الذي يحصل من خلاله الكويتيون على مزايا كثيرة. وتحذّر أوساط حكومية من أن الاستمرار دون إصلاحات قد يجعل الحكومة غير قادرة على دفع الرواتب.